على ظلال محاكمة المزيني
مقتطفات من ملف القضية

 

مقالة الموسى: بداية المناظرة

كانت جامعتي فيما بدا لي آنذاك تؤسس لحركة ثقافية اجتماعية يقودها تيار وسطي من نخبة الأسماء اللامعة التي استأثرت بسمعة أكاديمية تعدت الحدود وتمنيت لو أننا واصلنا الاستثمار بمثل هذه الأسماء وذلك المنهج الذي رضخ أخيرا لسلطة العوام وحسبك من جامعة تتنازل تحت طلبات الجمهور, بل تسمح للجمهور بأن يقود بوصلتها التنويرية...

في جامعة الملك سعود تبدلت المواقع فصار أستاذ (الصحة) مبرمجا لغويا والفيزيائي داعية إصلاح وأستاذ الزراعة خطيبا وإعلاميا لامعا..

هذا نتاج تلقائي لخطأ تربوي فادح حين قسمنا الجامعات إلى قسمين: أسبغنا على قسم لقب (الإسلامي) وجردنا الأخرى من اللقب رغم أن منهجها لم يتعارض مع الثوابت في شيء. تحت ضغط الحراك الاجتماعي وجد الكثير أن لقب (الأستاذ الجامعي) مهما كانت ندرة ومهنية التخصص, لا يجلب شيئا من (الشعبوية) التي تضمن الانتشار استثمارا لما فات من العمر في الجد والتحصيل... ثانيا: رغبة تيار في إسكات تيار آخر حتى ولو على حساب طمس المعالم والأسماء.

 على سعد الموسى ـ الوطن ـ 23/5/2004

 

 المزيني معقّباً ومزيداً

كان إنشاء جامعة الملك سعود حدثا تنويريا بنفسه. ذلك أنها أدخلت أنواعا من العلوم الطبيعية والإنسانية في سياق ثقافة محلية كانت تتسم بالمحافظة الدينية والاجتماعية الشديدة.. ولم يكن ذلك الانفتاح منفلتا من التقيد بالحدود الشرعية، لكنه كان يمثل خروجا على النمط الاجتماعي والثقافي التقليدي الذي كان سائدا.

فمن مظاهر ذلك الانفتاح إدخال أساتذة الجامعة، ومنهم الأساتذة السعوديون الذين عادوا إلى الوطن حديثا في تلك الفترة، كثيرا من المناهج وطرق النظر الحديثة في دراسة اللغة العربية والأدب العربي والتاريخ. كما أنشئ في الكلية في تلك الفترة تخصص لم يكن ليُرضى عن إنشائه في السياق الديني السائد، وهو تخصص الآثار. وقد صمدت الجامعة في توجهها التحديثي أمام المحاولات التي كانت تبذل لتحجيم تلك الإنجازات..

لقد كان تخلي جامعة الملك سعود عن دورها التنويري حصيلة لازمة للجو الفكري والاجتماعي الذي فرض نفسه بتأثير الحركات الإسلامية السياسية التي هربت من بلدانها ووجدت ملجأ لها في المملكة في الستينيات والسبعينيات من القرن الميلادي العشرين.

ومن أعجب المظاهر التي سادت أن بعض أعضاء هيئة التدريس المتميزين في تخصصاتهم العلمية كالفيزياء والعلوم الأخرى صاروا يتعاونون مع قسم الثقافة الإسلامية، لا لتوعية الطلاب بأهمية تخصصاتهم لنهضة البلاد، بل ليدرسوهم برامج الحركات الإسلامية السياسية التي تسعى إلى تغيير الأوضاع في البدان الإسلامية ومنها المملكة..

أما النشاط الثقافي فقد انحسر إلى أبعد الحدود: ومن أهم أسبابه استحواذ بعض (الصحويين) المؤدلجين من أعضاء التدريس في كلية التربية خاصة على إدارة النشاطات الطلابية وتوجيهها..

نعم لقد تخلت جامعة الملك سعود عن دورها التنويري الذي عرفت به لفترة طويلة. لقد تحولت إلى بيئة طاردة للفكر والثقافة والنشاطات الترويحية.

 حمزة المزيني ـ الوطن، 24/6/2004

 البرّاك مدافعاً عن الذات

بل جامعاتنا جالبة لكل منصف ومخلص ومجتهد لدينه ووطنه ما أقبح العقوق من الأبناء بعد هذه السنوات الطويلة من التدريس والابتعاث والتعاقد المستمر , يتنكر المرء لمن أحسن إليه ورفع اسمه ضمن منسوبيه لا لضر مسه (ماديا أو معنويا ) بل إن المنتسب للجامعة أعني جامعة الملك سعود لاينسى فضلها عليه ولو بعد حين..

إن محاولة تصوير الجامعة وبرامجها وتوجه أساتذتها  ـ وأنا أحدهم بأنهم يسيرون في خط مواز للمجتمع وللسائد المقبول لهو من الأغلوطات فنحن من لحمة المجتمع ولا نشذ برأي أو فكر أو سلوك, ولندع الرؤى الشخصية والأذواق الخاصة في غير هذه المسائل الواجب على كل مسلم أن يتكلم بعلم وعدل وهذا ما أمرنا به ربنا (وإذا قلتم فاعدلوا)، والمؤمل من الدكتور أن يكون من أشد الناس بعداً عن رمي زملائه وتصنيفهم بما هم منه براء, فالولاء لله ولرسوله, والسمع والطاعة لمن ولاه الله أمرنا. وليخض كل أمرىء بما يحسن لا أن يتحدث في كل شيء, بدءاً برؤية الهلال, ومروراً بالسخرية من '(حراسة الفضيلة) ويختمها بمنهجه الخفي, وسيرته الذاتية.

 الدكتور عبد الله البراك ـ المدينة 4/7/1425هـ

 المزيني: مفاهيم البراك المغلوطة!

.. يمثل هذا التعقيب نموذجا لفكر (الصحوة) المتطرف الذي ازدهر في فترة صرنا نشكو نتائجها الآن، ونجني مرَّ ثمارها. فهو يتصف بنزعة حادة لإقصاء الآخرين، وادعاء الوصاية الدينية عليهم، وإشاعة الخصام والتنابذ. كما يشهد بأن الدكتور البراك لم يقرأ المقال الذي كان يعقب عليه قراءة صحيحة ولم يفهمه حق الفهم، وأنه بحاجة إلى من يصحح له مشكلاته المفاهيمية التي كشف عنها "مقاله" هذا.

والظاهر أن الدكتور البراك كتب هذا التعقيب انطلاقا من موقف مسبق تجاه مجمل ما أكتبه، لذلك لم يلتمس لي عذرا واحدا في مقالي الذي عقب عليه، ولم يجد فيما كتبته من مقالات سابقة فكرة واحدة تستحق التنويه.

 أين أخطأ المزيني؟

إن مضمون ما كتبه الدكتور البراك شاهد واضح على ما كنت قد اتهمت الجامعة به من انحسار التنوير فيها؛ ذلك أن واحدا من منسوبيها يأتي الآن بهذه الأغاليط المفاهيمية التي تمثل دليلا آخر على أن مستوى بعض منسوبيها صار لا يرقى إلى المستوى الذي يصلح أن يكون قدوة للطلاب من حيث النضج المعرفي. أضف إلى هذا أن هذا (المقال!) ببنيته المتهالكة وجمله الركيكة وبعض تعبيراته الخاطئة ومظاهر العجز عن التعبير فيه شاهد على المستوى اللغوي غير المقبول من أستاذ ينتمي إلى جامعة كانت منارا للفكر النير واللغة المشرقة. وأخيرا فإن صورة الدكتور البراك المرفقة بـ"مقاله" شاهد دقيق آخر على مدى التغير الذي حدث لجامعة الملك سعود في السنوات الأخيرة وكان من أسباب انحسار التنوير فيها. ذلك أن لأعضاء هيئة التدريس فيها سمتا ومظهرا معروفين لا تمثلهما صورته تلك.

حمزة المزيني، الوطن، 17 رجب 1425هـ