الإرهاب .. مؤتمراً

  مؤتمر حول مكافحة الارهاب يعقد في السعودية هو ضرورة من حيث المبدأ، لأن الظاهرة الارهابية تتفاقم وتمتد خطورتها الى خارج الحدود، وهو ضرورة لأن ضحاياها يتزايدون يومياً ولابد من وضع حلول حاسمة لوقف نزيف الدم المهدور مجاناً من أجساد الابرياء والاطفال والنساء والشيوخ، وهو ضرورة لأنه يهدد الأمن والاستقرار والمصالح بين الدولة.. كل تلك الضرورات معروفة ويجب التشديد عليها، ولكن هذا المؤتمر ضرورة سعودية على وجه التحديد، لأنها حملت صفتين متناقضتين: الضحية والجلاد. وهما صفتان تلاحقها في كل مكان، حتى بات مواطنو هذه الدولة يقاسون إجراءات الرقابة والتفتيش ليس في المطارات الاوروبية والاميركية بل بدأت بعض دول الخليج بوضع تدابير مشددة على دخول مواطني السعودية اليها.

ورغم تطلع الجماعات المتشددة الى تصفية الازدواجية الدينية في الجزيرة العربية، امتثالاً لاملاء الحديث (لا يجتمع دينان في جزيرة العرب)، فقد أصبحت السعودية وكراً كبيراً لتفجّر أشكال أخرى من الازدواجية، فمنها ينطلق الفكر المتطرف والذي يشكل مصدراً من مصادر النشاط الارهابي، وفيها ينعقد أول مؤتمر لمكافحة الارهاب.. منها يخرج الارهابيون الى العراق بعد أن خضعوا تحت تأثير منظومة الدروس الدينية الحاثة على زرع الشاحنات المفخخة والعبوات الناسفة والعمليات الانتحارية في المنشآت العامة والخاصة الحكومية والاهلية، ومنها أيضاً ينطلق النداء لتأسيس أول مركز لمكافحة الارهاب.. فمنها يخرج التشدد ومنها يولد الاعتدال، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

كانت السعودية بمسيس حاجة الى مؤتمر كهذا يدرء عنها سهام العالم ويكسيها كفن الضحية بدلاً من بزة الجلاد.. وربما تمنت لو أن الارهابيين من جنسيات غير سعودية قد نفّدوا مخططاتهم التفجيرية ضد المنشآت الحكومية كي تكسب وسام الضحية البريئة، ولكن كون الجماعات المصنّفة في قائمة الارهاب هي سعودية المنشأ والتربية والتوجيه والتدريب، فإنها خسرت صفة البراءة ولكن تمسكت بصفة الضحية، حتى تصطف في قائمة الضحايا في العالم.. وحتى تكون المقولة البليدة: ليس للارهاب وطن ولا دين صالحة للاستعمال من قبل الضحية الجلاد. وحتى يضيع دم الضحايا وسط القبائل، فإن السعودية تفضّل الركون الى مقولة أن إرهابها ليس استثناءً فهو جزء من ظاهرة كونية، وكأنها تثبت ما تحاول نفيه او الدفاع عنه في الظاهر، فهي تقرّ من جهة بأن السعودية وكر نشط للفكر الارهابي ولكن في الوقت نفسه تدفع التهمة عن نفسها عن طريق الاندراج في قائمة أوسع من الارهابيين في العالم.

لقد نبّه بعض المسؤولين العرب والاجانب الى الاسباب الكامنة وراء تفجّر الظاهرة العنفية في العالم، ويفترض أن تبدأ السعودية في تشخيص تلك الاسباب قبل أن تنشغل كثيراً وتاماً بعملية التجميل لوجهها السياسي.. الارهاب ظاهرة كونية، هذه حقيقة ولكن لكل ظاهرة جذورها وأسبابها، والسعودية واحدة من أخطر المراكز الداعمة لفكر ونشاط ارهابيين، وهي تعلم قبل غيرها أين يكمن هذا الفكر وهذا النشاط..

لقد بات مألوفاً لدى الطبقة السياسية الحاكمة في السعودية أنها تضع مشكلتها في إطارات أكبر درءا لمحاصرتها بالمشكلة او تحميلها تبعاتها. في مؤتمر الحوار الوطني، مثالاً، حاولت السعودية أن تطالب الاخرين بالدفاع عن التسامح الديني، والحوار، والتعايش، والتعددية، فيما كانت هذه المبادىء مطالب الجماعات الاخرى التي عانت من الواحدية والاقصاء والاقتلاع التي اتبعتها الدولة ومؤسستها الدينية، وهي الآن تكرر ذات الخطأ في مؤتمر مكافحة الارهاب، فتنسى أن الفكر الارهابي منذ الحادي عشر من سبتمبر وحتى الآن هو منتج سعودي بامتياز.