تبادل المواقف بين الأردن والسعودية

الموقف السعودي من الإنتخابات العراقية

 مرتضى السيد

 بعد أن انتخب العراقيون ممثليهم في تظاهرة أزعجت الكثير من القوى السياسية الطائفية، ظهرت المملكة وكأنها نسيج مختلف عن مثل هؤلاء المنزعجين.

كيف ترى المملكة العراق حاضراً ومستقبلاً؟

ولماذا كانت مواقفها ـ بالقياس الى إيران وسوريا والأردن ومصر ـ معتدلة هادئة متزنة؟

ما هي الحسابات التي تحرص المملكة على مراعاتها في هذا الشأن؟

 

الموقف السعودي من العراق كان واضحاً قبل الإحتلال.

وشابه الغموض بعد الإحتلال.

لكن هذا الموقف رغم أنه شديد التعقيد، فإنه دقيق الحسابات.

قبيل الحرب الأميركية للإطاحة بنظام صدام حسين، كان الموقف السعودي واضحاً:

فهي مع الإطاحة بصدّام حسين، وضدّ الحرب.

والفلسفة وراء هذا الموقف كانت واضحة ومنطقية حسبما شرحها أكثر من مسؤول سعودي، بينهم سفيرا المملكة في واشنطن ولندن، إضافة الى تصريحات الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية.

فالمملكة لم تكن تريد بقاء نظام صدام حسين ولا شخصه.

ولم تكن تريد تغييراً بأدوات حادّة، كالحرب مثلاً، واقترحت الإطاحة بالنظام العراقي عبر أدوات محليّة، يمتلكها سنّة العراق، القائمون آنذاك على النظام، والمستفيدون منه. الإقتراح ـ حسب الأمير بندر بن سلطان ـ هو أن يطاح بنظام صدام عبر تدبير إنقلاب عسكري، رفض الأميركيون الركون إليه، ربما لأنه غير ممكن، بالنظر الى تجارب أميركية سابقة فاشلة.

المملكة إذن تلتقي مع أميركا في ضرورة تخليص المنطقة من صدام ونظامه، ولكنها تختلف معها في كيفية تحقيق ذلك.

فالتغيير الراديكالي بالنسبة للمملكة، عبر الحرب مثلاً، يعني أشياء كثيرة لم تكن المملكة ترحب بها، إن لم تكن تخشى منها، وقد حدث ما توقعته بالفعل:

ـ لقد خشيت المملكة من تكثيف الوجود الأميركي العسكري على حدودها، وإشعال حرب قد تطول، وقد تؤدي الى حرب أهلية.

ـ والمملكة كانت تخشى من التغيير الجذري في الطاقم السياسي الحاكم، وهو ما تمّ بالفعل، حيث تبين أن إبعاد قيادة النظام السابق ـ السنيّة في مجملها ـ  ستؤدي الى فراغ قيادي في محيط السنّة العرب، بما ينعكس سلباً على الأوضاع الجديدة.

ـ والمملكة فوق هذا، لم تكن تحبّذ ديمقراطية صحيحة، تجعل من العراق نموذجاً يحتذى به، أو يؤدي الى تأثيرات سلبية على وضعها المحلي، وتكثف الضغوط الأميركية ـ الأوروبية على الداخل السعودي من أجل اصلاحات لا ترى العائلة المالكة أنها مستعدة أو قابلة بالقيام بها. هي لم تكن تريد تقليصاً حادّاً لنفوذ السنّة، ولم تكن تريد صوتاً كردياً يميل الى الإنفصال أو يأخذ صدارة الدولة، ولم تكن تريد أن يأخذ الشيعة دوراً طليعياً في قيادة العراق، خاصة إذا ما كان بوجه ديني طاغٍ.

كان هذا موقف المملكة عشيّة الإستعدادات الأميركية لشن الحرب في العراق.

حين قامت الحرب، بدا الموقف السعودي مزدوجاً الى درجة التشوّش عند البعض.

لكن الحقيقة هي أن الحكومة السعودية لم تكن منذ لحظة سقوط صدام حسين ونظامه في وارد مصادمة الوضع الجديد، ولا رجال العراق الجدد، وإن كان من بينهم من لا تكن له احتراماً (أحمد الجلبي مثلاً).. دون أن يغير هذا من تمنّي الحكومة أن تحفظ حقوق الأقلية السنّية العربية في العملية السياسية.

أيضاً فإن المملكة لم تكن في وراد مصادمة الولايات المتحدة الأميركية، الحليف الذي بدأ بالتململ والإمتعاض منذ أحداث 11/9 ومشاركة سعوديين فيها.

بل أن المملكة ـ ربما رأت ـ في الورقة العراقية، مثلما هي الورقة الأفغانية، وسيلة للتقارب مع الولايات المتحدة وسياساتها.

فما كان ولايزال يشغل بال المملكة هو (ترميم) علاقاتها بالولايات المتحدة، أكثر من انشغالها بمستقبل العراق، بالمعنى الحرفي للكلمة، أي بما يختص بشؤون العراقيين.

ولربما وجدت العائلة المالكة أن انسياقها ـ الجزئي ـ مع المشروع الأميركي في العراق، يمثل إحدى وسائل الدفاع الضرورية عن نفسها، فهذا ـ مثلاً ـ يجرد الولايات المتحدة من ذرائع إزالتها عن الحكم، أو جعل السعودية في مقدمة الدول التي يجب تطوير أنظمة الحكم فيها. لقد تغيرت النغمة الأميركية فعلاً بسبب الموقف السعودي هذا، حيث صار التركيز الأميركي على سوريا وإيران، كهدفين تاليين، في حين كانت السعودية قبل وبعيد احتلال العراق تأتي في مقدمة الأهداف.

هناك أمرٌ مهمٌ آخر جعل المملكة مغلولة اليدين في موقفها من الإحتلال الأميركي للعراق.

فقد أدّى نزوح مجاميع سعودية الى العراق بدوافع مجاهدة المحتلين وعملائهم، هذه المجاميع التي كان لها أثر كبير في التفجيرات والعمليات الإنتحارية التي راح ضحيتها مدنيون كثيرون، جعلت الموقف السعودي ينأى بنفسه عنها وعن من يرفع لواء (مقاومة المحتل). حتى لا تتهم الحكومة السعودية بممالأة وتشجيع العنف سواء من رعاياها أو غيرهم، فإنه لم يكن أمامها إلا أن تدينه، وتقترب من رموز السلطة المؤقتة في العراق الذين نأوا بأنفسهم عن توجيه اتهامات الى الحكومة السعودية، فلم يشهروا بها، ولم يطالبوها بضبط حدودها ورعاياها.

والحقيقة فإن الحكومة السعودية وجدت أن الوضع الأمني المتردّي في العراق قد ينقلب عليها داخلياً، فهي تكافح خلايا العنف في دارها، وترى في السعوديين الذين توجهوا للعراق بتحفيز طائفي لمحاربة الأميركيين امتداداً لمشروع العنف المحلي، أو على الأقل فإن هؤلاء يمكن أن يتحولوا الى مشروع شبيه بـ (الأفغان العرب).

لهذه الأسباب جميعاً، فإن موقف الحكومة السعودية تجاه الشأن العراقي كان (ناعماً) بأكثر مما كان متوقعاً من بلد يحمل مخزوناً طائفياً طاغياً ومضاداً للشيعة في العراق، بل وعلى صعيد كوني، ومن بلد يواجه مخاطر من الوضع العراقي الجديد، وكذلك من بلد يفترض أن له ريادة في العالمين العربي والإسلامي تدفعه للتناغم مع المواقف السياسية الدولية العربية والإسلامية وكذلك مع المواقف الشعبية.

خلافاً لمصر والأردن وسوريا وقطر وإيران وتركيا وعدد غير قليل من الدول المجاورة، لم يعمد الإعلام والسياسة السعوديين الى التحريض ضد الوضع العراقي القائم. لم تتبنّ الحكومة السعودية مشروعاً خاصاً بالعراق عدا ذاك الذي يتحدث عن ارسال قوات عربية، سرعان ما تراجعت عنه، وسط نقد وشتائم من سنّة العراق.. ولم تستقبل الحكومة السعودية ـ كما فعلت دول مجاورة عديدة ـ رموز ودعاة (المقاومة) العراقية، بل حاول السعوديون أن ينأوا بأنفسهم عن هذا التيار بشكل شبه كامل.

وملخص القول، أن العلاقات السعودية ـ الأميركية بعد أحداث 11/9 ألقت بظلالها على الموقف السعودي تجاه الشأن العراقي.. ولولا تلك الأحداث وما تلاها من تدهور في الوضع الأمني السعودي المحلي، لكان الموقف السعودي مختلفاً.

لقد وجد السعوديون أن من مصلحتهم أن يعود الأمن في العراق، وأن لا يستثار الأميركيون فيه بحيث يجعلهم الهدف التالي لآلتهم الحربية، وفي نفس الوقت كانوا يحاولون تأكيد سياسة أن يكون العراق موحداً، يتمتع فيه أطياف المجتمع العراقي جميعاً بحقوقهم ـ خاصة السنّة العرب.

 الموقف من الإنتخابات

 من هذا الموقف العام يمكننا أن نلج الى الإنتخابات في العراق وموقف الحكومة السعودية منها.

ابتداءً يجب الإعتراف بأن الحساسيّة السعودية ـ الرسميّة ـ من الشيعة والتشيّع قد خفتا كثيراً. والأسباب متعددة:

* تحسّن العلاقات السعودية الإيرانية وتضاؤل الخطر الإيراني الذي كان يُنفخ فيه كثيراً، وهذا يعود في جانب كبير منه الى تغيّر الأوضاع في إيران، وفي سياسة الأخيرة الداخلية والخارجية منذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية ومن ثم الغزو العراقي للكويت.

* الشعور الرسمي السعودي بأن الولايات المتحدة تريد توريط المملكة في صراعات إقليمية لا تخدم أمنها.

* أزمة الأيديولوجيا الدينية المحليّة، التي أثبتت بقدر كبير أن الخطر الشيعي الداخلي هو أولاً أدنى مما هو متوقع، وأن مصدر الخطر الحقيقي هم (حلفاء) الدولة من أتباع التيار الرسمي الذين يمارسون العنف.

* وجود علاقات وإن كانت محدودة بين عدد من التيارات الشيعية السياسية العراقية وبين الحكومة السعودية والتي بُنيت في أكثرها على يد الأمير تركي الفيصل (المسؤول السابق لجهاز الإستخبارات) وذلك بعيد الغزو العراقي للكويت.

* الأداء المتزن والمتميز في آن معاً لحزب الله في لبنان، وشخصيات شيعية لبنانية نافذة، بينها المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين وغيره والذين تمتعوا بعلاقات طيبة مع الحكومة السعودية في السنوات الأخيرة.

كل هذا خلق أجواءً عامّة خفّضت من هاجس الخوف تجاه (الأيديولوجية) الشيعية، وتجاه القوى السياسية الشيعية المختلفة في كل البلدان. ولأن المنظور العقائدي/ المذهبي الشمولي كان هو الطاغي والمحدد الأول في علاقات المملكة الخارجية مع الآخرين، فإن تحلحل عقدة هنا أو هناك انعكس على موقف المملكة على كل ما له علاقة بالشيعة بصورة من الصور، ومن بينها مجريات الوضع العراقي.

فالحكومة السعودية ـ وإن كانت لا تحبّذ حتى الآن نفوذاَ قوياً للشيعة في أجهزة الدولة العراقية ـ إلا أنها لا تستشعر الخطر المبالغ فيه كذاك الذي كان سائداً طيلة عقد الثمانينات من القرن الماضي.

وبالتالي فإن الحكومة السعودية، في الوقت الذي لا ترحب فيه بقيام نظام ديني في العراق ـ وهو ما يريده الشيعة عموماً ـ وفي الوقت الذي لا تتمنى فيه نظاماً ديمقراطياً فيدرالياً ينعكس سلباً على وضعها الداخلي، فإنها تستشعر بأن قيام نظام منفتح في العراق ومتحرر من عقدة (الأيديولوجيا الدينية) أمراً لا ضرر منه، بل قد يكون محبّذاً. والحكومة السعودية، فيما يبدو، لم تجد ـ حتى الآن ـ مستمسكاً سلبياً على أداء القوى الشيعية السياسية في العراق يبرر اتخاذها موقفاً سلبيّاً منها، اللهم إلا موقف السيد أحمد الجلبي، الذي لا تكنّ له قوى إقليمية عديدة ودّاً.

وفي الوقت نفسه، ترى الحكومة السعودية، أن القوى السنيّة العربية في العراق، لم توفّر أرضاً يمكن للحكومة السعودية الدفاع عنها، أو الإلتقاء بها. فالقوى السياسية السنيّة العراقية هي إما من فلول البعث لاتزال رغم انكسارها تهدّد جيرانها كالكويت والسعودية بالتصريحات وغيرها، وإما قوى دينية ترى الحكومة السعودية أنها متشددة وأقرب الى تيار أعدائها المتطرفين الدينيين من دعاة التفجير والعنف منها إليها. هناك بالطبع قوى سياسية ودينية عراقية معتدلة ولكن مرجعيتها الدينية والسياسية ليست المملكة، وهي ترى نفسها أقرب الى مصر وسوريا والإمارات وحتى الأردن وقطر منها الى السعودية.

كل هذا وضع الحكومة السعودية ـ ودول عربية أخرى ـ أمام خيار وحيد، هو القبول بالأمر الواقع، الذي يعني القبول بما تقرره صناديق الإقتراع في العراق، دون وضع فيتو على أحد، أو الدخول في مماحكات سياسية تؤدي الى توتير العلاقات في المستقبل، او تحمل على أنها منابذة في العداء لآخرين لم يبدوا أية مبررات للصدام مع حكومة المملكة العربية السعودية.

لا شك، ستبقى المملكة وفيّة قدر ما تستطيع لامتدادها المذهبي باعتبارها ركن السنّة الحصين والمدافع عنهم في كل بقاع العالم، لكن دون أن يعني ذلك أن ترتهن سياساتها لهذا العامل وحده. فمن المهم ـ سعودياً ـ أن يهدأ الوضع الأمني في العراق، وأن يستقر الوضع السياسي، دون أن يعكس مشاكله المتعددة على جيرانه. هذه النتيجة التي تتمناها الحكومة السعودية تعني أن ليس لديها مانع ـ أو بالأصح ـ قدرة على وضع فيتو حول من يحكم العراق، لكنها بحكم علاقاتها وقوتها كجار أبدى ميولاً سياسية معتدلة، يمكنها التأثير على الوضع العراقي بما يخدم الطرفين ويحقق سياساتها.

بيد أنه ينبغي التأكيد على حقيقة واضحة لمراقبي الأداء السياسي السعودي، وهو أن المملكة ليس في نيتها التورط في الشأن العراقي سلباً أو حتى إيجاباً ريثما تتوضح الصورة أكثر بعيد تشكيل الحكومة العراقية الجديدة ووضع دستور، وسيبقى هذا الأمر حتى نهاية العام حين يذهب العراقيون مرة ثانية وثالثة الى صناديق الإقتراع لتشكيل مجلس جديد ينتخب حكومة دائمة.

والمملكة المشغولة داخلياً بالعنف، وخارجياً بالضغوط الأميركية ـ وربما الأوروبية ـ انكفأت على نفسها في سياساتها الخارجية منذ نحو 15 عاماً، وأكّدت أحداث 11/9 هذا التوجّه، اللهم إلا من بعض الحملات التي لا تستهدف (التأثير) السياسي في محيطها الإقليمي والدولي بقدر ما تستهدف توفير (غطاء حمائي) لوضعها الداخلي.

 الأردن.. طائفية غير متوقّعة

 حملة التحريض الطائفي التي قادها الأردن كانت غير متوقعة من نظام يعيش في واقع الأمر على العراق، ويستأكل من أفراحه كما أتراحه.

إن تصريحات الملك الأردني حول تشكل هلال شيعي والتحذير منه، هو أقرب ما يكون للموقف السعودي (القديم) وهو في الوقت الراهن يتطابق مع الموقف السلفي/ الوهابي المتطرف، الذي تحاول الحكومة السعودية أن تنأى بنفسها عنه أو تميز مواقفها عن مواقفه. وللتذكير فإن حكاية الهلال الشيعي هذه قد كتب عنها أحد غلاة الطائفية في المملكة، وهو الشيخ سفر الحوالي قبل أكثر من عقد، فجاء الملك الأردني ليتبنّاها بقضّها وقضيضها.

ما طفح من التصريحات الأردنية، وما عملت الحكومة الأردنية من أجله، عبر مكافحة علنية لوصول الأكثرية الشيعية لمركز القرار في العراق، يندرج في اللعبة الطائفية الإقليمية أكثر من كونه يمثّل مصلحة حقيقية للأردن. لقد طاف الأردنيون عدداً من العواصم العربية وبينها المملكة ودول الخليج للتحذير من الخطر الشيعي، ولتشكيل استراتيجية مشتركة لمواجهة الخطر المزعوم، لكن تلك الدعوة لم تلقَ آذاناً كافية من قبل المسؤولين السعوديين ولا من الكويت ولا من الإمارات وعمان والبحرين. فهذه الدول أدركت أن عملاً من هذا النوع ليس فقط فات أوانه، ولكنه أيضاً قد يفجّر أوضاعاً نائمة تأتي على أمنها الداخلي، خاصة وأن الموضوع الطائفي لا يشكل أولوية لديها، فضلاً عن أن الأردن لا توجد لديه أقلية شيعية يفترض فيه أن يراعي حساسيتها من هذا الطرح الطائفي المكشوف والمحرض ليس ضد العراق، بل وضد الأقليات الشيعية في دول الخليج كافة.

يبدو للمراقب كما لو أن الأردن قد احتلّ موقع السعودية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الفائت، وتبنّى سياساتها التي كانت محكومة بمعادلة الحرب العراقية الإيرانية. ومع ان الأوضاع في العراق لا تنبئ باحتكاك مستقبلي مع الأردن، ولا بخطر داهم يأتي من تلك الدولة، ولا يحتمل أن تتقلص منافع الأردن من الوضع العراقي سواء انتكس أو تحسّن كما أثبتت السنوات الخمس عشرة الماضية.. إلا أن الأردن انساق في اتجاه أذهل الكثيرين من جهة غاياته واستهدافاته الآنية وبعيدة المدى. لكن الأردن الذي عرف بتغيير المواقف بين ليلة وضحاها لن يعدم الوسائل ليغير من جلدته ويدور حيثما توجد مصالحه في اول فرصة تسنح له.

ومجمل القول، فإن المملكة في موقفها من العراق الجديد، قد نأت عن إقحام العامل المذهبي في سياساتها الإقليمية، وهي تحاول وفق حساب دقيق لمصالحها المستقبلية أن تبعد أي شرّ ممكن قد يستطير من العراق ويصل شرره إليها. وهي فوق هذا، تحاول أن تخفف من تأثيرات ما يجري في العراق السلبية منها والإيجابية على مواطنيها. لكن من الضروري أن تفكر الحكومة السعودية في المستقبل بصورة أبعد، خاصة في الأبعاد الإقتصادية التي يمكن أن تستفيد منها في السنوات القادمة، وفي الأبعاد السياسية المرتبطة بالإصلاح السياسي، وفي الأبعاد الأمنية التي يمكن ـ في حال استقرار الوضع العراقي ـ أن تفجّر الوضع المحلي، من جهة عودة المقاتلين السعوديين من العراق ليقوموا بتمثيل ذات الدور في الداخل.