خالد الفيصل وثقافة التغيير (في مرّاكش)

 

في المؤتمر الثالث لمؤسسة الفكر العربي الذي عقد في مراكش (1/12/2004) تحت عنوان (العرب بين ثقافة التغيير، وتغيير الثقافة) ألقى رئيس المؤسسة، أمير عسير، خالد الفيصل الكلمة الإفتتاحية، وقد جاء فيها قوله أن الأمة العربية (مطالبة بأن تحسم أمرها بين خيارين، فإما أن تعتنق ثقافة التغيير الذاتي فتعيد النظر في حاضرها وتعمل على اللحاق بقطار العصر، وإما أن تضطر لقبول تغيير ثقافتها بأيدي الغير). وأضاف بأن (السؤال الأكثر إلحاحاً الآن في الأزمة العربية الراهنة هو: هل نحن قادرون بأنفسنا على الاقتناع بثقافة التغيير بمعنى التطوير والإصلاح ومراجعة واقعنا وتعديله، مع ما يتطلبه ذلك من جهود حقيقية وقرارات شجاعة على أرض الواقع، للدخول الفاعل إلى مشروع الإصلاح العربي؟!).

واعترف الأمير بأن التغيير سنّة كونيّة وضرورة حتمية، وأشار الى أن الجميع (على علم بمشاريع التغيير والإصلاح التي انهالت علينا من الشرق والغرب والتي لاقت جدلا واسعاً في الدائرتين العربية والدولية، بين الرفض أو القبول، وبين الدعوة إلى التخلص من الحساسيات، والنظر في تلك البضاعة الوافدة بموضوعية، للأخذ منها بالقدر الملائم لنا، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها)؛ وكأن الأمير في عرضه لكلمته يميل الى صف القائلين بالتغيير، وبتلاقح الثقافات (سلماً) على حد تعبيره، لكنه حذّر من شيء وهمي وهو (مغايرة الحاضر لمجرد التغيير) واعتبر ذلك مشروعاً فاشلاً.

الشيء المستغرب من هذه المؤسسة (الملكية) أن هذه الموضوعات بحاجة الى نقاش داخلي، وليس على مستوى الأمّة العربية فحسب؛ فلماذا لا تناقش هذه الموضوعات وتبيئتها محليّاً بدل التحليق بها في عالم (جمعي) لا أحد يتحمّل مسؤوليته تجاه تطبيقات ما يفرزه النقاش بشأنها؟

والأكثر غرابة أيضاً، أن الأمير خالد الفيصل، شأنه شأن عدد من الأمراء، يتحدثون بلغتين: في الخارج هم ديمقراطيون، منفتحون على الأشخاص والثقافات والتيارات، كما هو شأن هذه المؤسسة.. بينما هم في الداخل يمارسون النقيض، ولا يطبقون داخلياً ما يدعون إليه في الخارج. والمملكة اليوم معنية بهذه المواضيع، خاصة وأنها تنتهج أحادية ثقافية لم تستطع أن تتعايش مع ثقافات من جنسها مستوطنة، فما يجري نهج فاشل في محيطه المحلّي قبل أن يفشل في التفاعل مع ثقافات خارجية يُنظر اليها بالإتهام والريبة الدائمين.

والمملكة أيضاً معنيّة بالإصلاح السياسي، ومعنيّة بالتهديدات الخارجية المتصاعدة والتي أدّت الى مشاكل داخلية والى مثلها خارجية (مصدّرة) على أطباق العنف والتدمير والإرهاب. إن تعريب المشاكل السعودية، لا يقدّم حلاًّ للأزمة السعودية، وإن دراستها خارج إطارها المحلّي ذو نفع ضئيل، إن لم يكن نفاقاً وتضليلاً ويحمل أهدافاً سياسيةً تتعارض مع الإصلاح، بمعنى أنها قد تحمل رسالة خارجية سياسية لا رسالة جادّة للإصلاح المحلي السعودي.

كنا نتمنى أن لو ولدت هذه المؤسسة في الأرض السعودية، كإحدى مؤسسات المجتمع المدني، لا أن تولد في بيروت، وتبحث مؤتمراتها في مدن وعواصم عربية، فهل الأمير خالد الفيصل يعاني هو الآخر من الإختناق الداخلي ثقافياً وسياسياً؟

هل هو كعمّه الأمير طلال لا يجد هامشاً من الحريّة في الإعلام المحلّي، وفي القانون المحلّي، بحيث يستطيع أن يقول ما يريده مباشرة الى الجمهور السعودي، بدل سياسة (التكويع) وبدل جعل المثقف كما المواطن السعودي مجرد تلميذ مستهلك لانتاج الآخر الثقافي وينتظر الحلول منه لمشكله الخاص؟

إن الحكومة تأخذ على المثقفين والإصلاحيين الحديث الى الخارج، والإستجابة لحضور مؤتمرات في الخارج، والتحدث او الكتابة لإعلام وقنوات في الخارج.. وفي نفس الوقت تقوم هي بضبط (الداخل) بقيود وسلاسل من حديد تخنق الحرية وتمنع الإبداع، وتجعل من لفظة الإصلاح مثار سخرية وتندّر.. وأمام الأمير عشرات من المفكرين والكتاب والصحافيين والمبدعين، يعرف بعضهم على الأقل، ممن منعوا من الكتابة في الصحافة المحلية، أو منعوا من السفر، أو منعوا من الحديث لوسائل إعلام خارجية، إلا بعد أخذ إجازة (ملكية) مسبقة. فهل هذا هو حال الأمير خالد، المالك الأكبر والموجه لصحيفة الوطن السعودية، أقوى الصحف المحلية وأكثرها انفتاحاً ـ بالمقاييس السعودية ـ ؟!

ثقافة التغيير والإصلاح التي ناقشتها مؤسسة الفكر العربي كعنوان يثير الشجن، ونحن في المملكة نشهد مذبحة للثقافة وجموداً على تراث ميّت، وأحادية قاتلة، كما نشهد مفكرين وإصلاحيين في السجون، وبعضهم يجرجر الى القضاء لأنه كتب مقالاً لم يعجب أصحاب اللحى السلفية.

حبّذا لو عاد الأمير خالد الى عشّه في عسير، وأفسح نصف مجال الحرية المتوفر في مراكش، ليناقش المواطنون السعوديون ذات الموضوع (تحت رعاية سموه). فمثل هذه المؤتمرات المحليّة، وقيام مؤسسات مجتمع مدني ذات طابع ثقافي، ستساهم في إخراج المملكة وشعبها من مآزق الإرهاب والتطرف واستعداء أو استدعاء الأجنبي.

وأخيراً حبذا لو نصح الأمير، أعمامه وأبناء أعمامه القابضين على السلطة بأن لا يقصروا القيود كثيراً، وأن يلتفتوا الى حقيقة أن التخلف السياسي والثقافي في المملكة لم يعد ـ بفضل المنتج الإرهابي المحلي والمصدّر فكراً ورجالاً ـ شأناً محليّاً، والى حقيقة أنهم إن لم يتغيّروا ويغيّروا فسيكونون أول ضحايا التدخل الأجنبي.