جريجوري جاوس في رسالة الى ولي العهد

كيف تصلح السعودية ذاتها دون وقوعها بيد المتطرفين

  

إذا ما أرادت البقاء، فإن على العائلة المالكة مجابهة الجماعات المسلّحة، وتطمين المؤسسة الدينية، وتوفير مذاق الديمقراطية للطبقة الوسطى.

 في رسالة الى ولي العهد الامير عبد الله وجهها في اكتوبر الماضي جريجوري جاوس الثالث، إستاذ العلوم السياسية في جامعة فيرمونت ومؤلف كتاب العوائل النفطية: التحديات المحلية والامنية في دول الخليج العربي الصادر عن مجلس العلاقات الخارجية عام 1994. وقد حملت الرسالة عنوان (انقاذ المملكة).

الرسالة تقترب كثيراً من جو العرائض التي رفعها الاصلاحيون في المملكة الى ولي العهد، وربما تحمل بعض نكهة رسائل رفعها بعض المثقفين الاميركيين الى الرئيس بوش في فترة ولايته الاولى. قد لا تتضمن الرسالة جديداً بالنظر الى مضامينها الاصلاحية، بل قد تكون في مرحلة وسطى بين التيار الاصلاحي الوطني الذي يدعو الى وضع أجندة اصلاحية جوهرية وفاعلة تنقل البلاد برمتها الى مرحلة جديدة، وبين التيار الديني التقليدي المناهض لمبدأ الاصلاح الذي يسلبه موقعاً سيادياً طالما تبوأه في الدولة وبموجبه تقاسم السلطة مع العائلة المالكة. ومن الواضح في الرسالة أن جاوس مسكون بخطاب الاصولية الدينية الذي أسرف في تصوير خطره، حتى توهّم كثيرون بأن شعوب الشرق الاوسط رهينة لنزعات اصولية عارمة. ولذلك فهو يصيغ تصوراً في الديمقراطية محفوفاً بهاجس اختطافها من قبل الاصوليين، والحال أن الدوي العنيف للجماعات الاصولية في السعودية قد ألهى كثيرين عن حقيقة كون تيار الاعتدال والاصلاح السلمي والديمقراطية هو الأكثر شعبية وتأييداً، وما وجود جماعات عنفية مسلّحة الا لأنها تمثل ظاهرة جديدة تهدد استقرار نظام الحكم ولكنها لا ترتقي بأي حال الى مستوى تمثيل المجتمع بكافة فئاته وطوائفه وتياراته السياسية.

هناك نقاط قد تبدو من وجهة نظر جاوس مركزية وتستحق الاهتمام، وبخاصة فيما يرتبط منها بترميم سمعة وعلاقات السعودية بالولايات المتحدة والعناصر الضالعة بصورة مباشرة في عملية الترميم المنشودة، ولكن فيما يتعلق بالشأن الداخلي وبخاصة في البعد الاصلاحي تحديداً فإن جاوس يبدو شديد المحافظة والحذر، لنفس السبب المؤمىء اليه هنا وهو الخوف من سقوط السلطة في يد المتطرفين. غير ذلك، قد تبدو النظرات متباينة حيال رسالته ولكن لا يقلل من أهمية محتوياتها كونها على الاقل تعكس وجهة نظر اخرى في الشأن السياسي السعودي. وفيما يلي نص الرسالة:

 

إن تظافر هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وارتفاع أسعار النفط، والاندلاع المتأخر للعنف في السعودية قد جعل نظامكم السياسي ذا أهمية بالغة بالنسبة للعالم. ويلقي كثير من المراقبين في الغرب باللائمة على مدراسكم ومساجدكم إزاء ما خلقته من كراهية ضد الغرب في العالم الاسلامي. إنهم يصوّرون حكم عائلتك على أنه غير مستقر وأيضاً عصي على الاصلاح. إن كثيراً مما يقال عنكم خارج المملكة هو بالطبع غير محاط أو مبالغ من حيث أثره السياسي، ولكن الضغط الخارجي لن يختفي. وفيما يلي بعض النقاط التي بإمكانكم إتخاذها من أجل تهدئة منتقديكم وتقوية نظامكم.

 

المعركة السياسية: إعتماد اللبرلة مع الحذر

 

إن الامن هو تحديكم الرئيسي، وحتى بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فإن البعض في حكومتكم يعتقد بأنكم لم تواجهوا مشكلة القاعدة في الداخل. إن الهجمات القاتلة في السعودية خلال الخمسة عشر شهراً قد كذّبت هذه النظرة. إن اجتثاث المعارضة الاسلاموية العنفية يجب أن تكون الآن أولوية أولى. لقد إعتمدتم سياسة مزدوجة وهي من الناحية المفهومية صلبة ولكنها بحاجة الى مراقبة وتطبيق صارم.

إن العنصر الاول في سياستكم هو المواجهة المسلّحة مع خصومكم. إن عرضكم بالعفو المحدد عن المسلّحين في شهر يونيو 2004 كان صحيحاً، طالما أنه بقي في حدود كونه فرصة بالنسبة للمتطرفين للاستسلام، ولكن ليس مناورة للتفاوض معهم. وكما يلمح هروب ثلاثة من الارهابيين خلال المواجهة الدموية في مايو 2004 في الخبر، فإن قوات الامن بحاجة الى يقظة تامة ومباشرة. واذا كان لدى المتطرفين متعاطفون في قوات الامن، فيجب اجتثاثهم. واذا كانت المشكلة هي عدم الآهلية والجاهزية، فعليكم بالبحث عن ضباط مقتدرين. إن العنصر الآخر يتعلق باستعمال المؤسسة الدينية لابطال مشروعية رسالة ابن لادن التي يناصرها خصومكم. إن هذا الجهد الجوهري قد أثبت جدارته حتى الآن، فهناك ثلاثة من الشخصيات الدينية البارزة قد تراجعوا عن فتاويهم السابقة، وأدانوا العنف السياسي. على أية حال، مازالت هناك خطوات أخرى عليكم اتخاذها من أجل البقاء سياسياً.

ـ إنتصروا في معركة الافكار: إن ميدان المعركة الايديولوجية في السعودية كان لفترة طويلة مصوّبة بإتجاه مواقع متطرفة يتخفي مناصروها تحت الاسلام. أنت بحاجة الى قلب الاتجاه، فهناك بعض الشخصيات كانت على حافات المؤسسة الدينية ومازالت تريدها في إتجاهين: إنهم يدعون الولاء لكم ولكنهم في الوقت نفسه يزخمون قضية العنف ضد غير المسلمين، وبخاصة الاميركيين. إنهم يقدّمون أنفسهم على أنهم (وسطاء) بينكم وبين المتشددين، بما يشير الى أن هناك أرضية ما وسط في الصراع. إنك تعلم من هم هؤلاء المشايخ، وبعضهم قد أمضى وقتاً في السجون. واذا ما أصرّ هؤلاء على مواقفهم، فمن الواجب عليهم أن يكونوا متآلفين مع هذه الاجهزة. ولربما بإمكانهم أيضاً أن يسيطروا على الخلايا المشغولة حالياً من قبل بعض الحلفاء الكامنين في الصراع الايديولوجي. فلماذا يوضع معدوّ عريضة تدعم الملكية الدستورية في المعتقل بينما يسمح لكتّاب المواقع الجهادية التحريضية للنشر وبحرية في المملكة؟. لستم مضطرين لقبول كافة مقترحات الاصلاحيين، ولكن أصواتهم قد تساعد في تقليص تيار الجهاديين، والذي أنتج المعارضة العنفية التي تواجهونها الآن. فاذا كان الناشط السياسي يتحاشى العنف ولا يناصر قلب العائلة المالكة، فلماذا يتم إسكاته؟

ـ قاوموا الديمقراطية الكاملة: إن المراقبين الخارجيين، بعضهم بالمعنى الحقيقي والبعض الآخر بالمعنى الميكافيلي، يصفون الليبرالية السياسة باعتبارها علاجاً لمشكلة الارهاب المحلي. لا تأخذ بكلامهم في هذا. إن خطوة مباشرة الى البرلمان المنتخب سيكون ضررها أكثر من نفعها. بالنظر الى مصادرهم الكفوءة وتنظيمهم، فإن الناشطين الاسلاميين سيحرزون نجاحاً في هذه الانتخابات، والذي قد يزيد في تعقيد استراتيجتكم الامنية. وأكثر من ذلك، فإن الانتخابات ستفضي الى توتير المؤسسة الدينية، لوجود سبب وجيه. إن الاتجاه العام للقيادات الدينية يدرك بأن الانتخابات ستنهي احتكارهم للخطاب السياسي الشرعي في المملكة. إنكم بحاجة لهذه القيادات كيما تلعب دوراً في مواجهة المتطرفين، لا تعزلونهم عن هذه القضية.

وفيما يتم كبح عملية الدمقرطة، فإن عليكم الاستعداد لسياسة مشاركة في وقت لاحق. من الاهمية بمكان طمأنة الطبقة الوسطى السعودية بأن رغبتها في انفتاح أكبر لن يجري اغفاله في حمأة المعركة ضد الجماعات المسلّحة. بإمكانكم فعل ذلك من خلال المضي في انتخابات المجالس البلدية التي من المقرر اجراؤها في نهاية هذا العام. ان نصف المقاعد في هذه المجالس ستكون منتخبة فحسب. إذهبوا الى أبعد من ذلك، وامضوا بسرعة الى العضوية المنتخبة الكاملة، وأعطوا المجالس سلطة حقيقية في الشؤون البلدية وهكذا ميزانية حقيقية. وفي حال هيمنة الاسلاميين المؤدلجين على المجالس، لا تسبغوا سوى قدراً ضئيلاً لمذاق الحياة تحت قيادة المتطرفين. ولكن كونوا حذرين في كيفية تصميم النظام الانتخابي. فعليكم الالحاح على محافظات ذات العضو الفردي، والتي تشجّع الاعتدال عن طريق مطالبة المرشّحين بتمثيل أغلبية المصوّتين.

ـ امنحوا مجلس الشورى سلطة أعلى: لقد أنشأ الملك فهد مجلس الشوري في عام 1993 من اجل اضافة الجهد العام في عملية صناعة القرار. وبالرغم من أن الاعضاء معيّنون، فإن المجلس يمثّل السعوديين المتعلّمين والواعين سياسياً. دعوه يحقق بعض الانتصارات العامة على وزارات الحكومة، وإفسحوا المجال للاعضاء للنظر ومراجعة ميزانية الحكومة العامة. إن مسألة المال تعتبر مركزية بالنسبة لمصداقية حكومتكم. إن الناس تريد معرفة الى أين تذهب أموال الدولة، وخصوصاً الزيادة الحاصلة فيها في السنوات الاخيرة. إن السريّة في الأمور المالية تولّد إشاعات هي في الغالب نقدية ضد حكومتكم أكثر من واقعها المحتمل. إن منح المجلس سلطة مراقبة الميزانية سيعقّد عمل الوزراء، ولكن سيعزز مصداقية هذه المؤسسة التمثيلية الهامة.

ـ إفسحوا المجال للتسامح الديني: إن السعودية ستبقى دائماً دولة وهابية، وان المؤسسة الدينية ستقّدم المشروعية الحاسمة للدور السياسي لعائلتك. ولكن في المدن الكبيرة مثل الرياض وفي المناطق خارج نجد، يجب ان يسمح تدريجياً للتعبير العام بصورة أكبر بالنسبة للتجمعات الدينية الاسلامية والثقافية  المختلفة التي تحتضنها المملكة. إن تضمين الشيعة والصوفية في الحوار الوطني الجاري والسماح للشيعة بممارسة طقوسهم الدينية في المنطقة الشرقية في هذا العام كانت خطوات أولية جيدة.

إن اللامركزية المحدودة التي يمكن للانتخابات البلدية ان تفرزها من شأنها ان تدعم التسامح الديني أيضاً. وبالرغم من أن إقناع رجال الدين في المملكة ليس بالأمر السهل، ولكن هذه الخطوات المعتدلة لن تفضي الى تحدي امتيازات سلطة المؤسسة الدينية او سيادتها في تفسير (دين الدولة).

 

بعد النفط: القضايا الاقتصادية الأكبر

 

إن أسعار النفط العالية في السنوات القليلة الماضية أدى الى نمو اقتصادي وعوّض الاحتياطات النقدية الناضبة، ولكن هذا المتغير الاستثنائي لا يجب ان يؤدي الى الارتياح، فعليكم الاستمرار في تشجيع الاستثمار الخاص، محلياً وخارجياً، في القطاعات الاقتصادية المختلفة. إن صناعة الخدمات بالتحديد قد تخلق فرص عمل أكبر بالنسبة للعاطلين عن العمل من الشباب السعودي. إنفقوا بعض الفائض على المشاريع الاستراتيجية من اجل تحسين البنية التحتية المتآكلة في البلاد، وبخاصة في الماء والكهرباء. ولكن في الوقت نفسه ضعوا نصب أعينكم الاهداف الكبرى التالية:

ـ تحديد النسل: في المدى الطويل، فإن صورة الاقتصاد السعودي تبدو مظلمة: لتوضيح ذلك ببساطة، أن النمو السكاني في البلاد سيفوق قدرتكم على تقديم المتطلبات الضرورية. فالدخل السنوي للفرد في دولة البحرين الجارة، والتي نضبت تقريباً مصادرها النفطية، يعتبر أعلى منه في السعودية.  لقد شجّعتم على النمو السكاني خلال الثلاثين سنة الماضية، فأصبحت المملكة في الوقت الراهن واحدة من أعلى الدول في المنطقة. لقد حان الوقت من أجل تغيير المعادلة، وبإمكانكم الافادة من برامج تحديد النسل الناجحة العديدة في البلدان الاسلامية الاخرى مثل مصر وايران، حيث أن مبادرات الحكومة خفّضت معدلات النمو السكاني.

ـ تقليص قوة العمل الاجنبية: إن مجتعكم لا يتحمل بالقطع ارتفاع البطالة في الوقت الراهن، فيما لا زلتم تستضيفون أكثر من ستة ملايين عاملاً أجنبياً. لحسن الحظ، فإن انضمامكم الوشيك لمنظمة التجارة العالمية يعطيكم فرصة لمناقشة (المساومة العظمى) على قضية العمال الاجانب في المملكة. إن قوانين منظمة التجارة العالمية تفرض إخضاع الصناعات المحلية للمنافسة الصارمة وقد تضعهم في مزاج توافقي أكبر. في مقابل تعاون القطاع الخاص في مجال تقليص قوة العمل الاجنبية، فإن بإمكانكم تقديم برامج تعليمية من أجل تأهيل أفضل للطلبة السعوديين لسوق العمل. (وعلى أية حال، فإذا لم تنجح سياسة الاقناع والتشجيع، فيجب ان تستعدوا لفرض ضرائب والتي تزيد في كلفة العامل الاجنبي على مستخدميه). يلزم تقديم هذا البرامج بصورة ليّنة من أجل تجنّب أية صدمة للقطاع الخاص.

ـ اعتبار الاصلاح الاجتماعي كإصلاح اقتصادي: يلزم ادخال مبادراتكم في الاصلاح التعليمي وحقوق المرأة تحت الخيمة الاقتصادية. إن الخطوات المتواضعة ولكن المشجّعة التي اتخذتموها هنا تتصمن إجتثاث الهجمات الغاضبة ضد المسيحيين واليهود والمسلمين الشيعة من الكتب المدرسية، وتعليم اللغة الانجليزية في الفصول الدراسية الاولى، وتسهيل دخول النساء لقوة العمل. إن أفضل طريق لمواصلة هذه الخطوات الاجتماعية الخلافية يتم من خلال اعتبارها جزءا من الاصلاح الاقتصادي، الذي يحظى بشعبية واسعة في المملكة، عوضاً عن اعتباره تحرراً إجتماعياً من أجل استرضاء النقاد الاجانب. إن تغليف التغييرات الهامة هذه بعنوان الاصلاحات الاقتصادية هي سياسة ذكية وقد تحول دون تدخّل المؤسسة الدينية. إنكم بحاجة لأن تكونوا حذرين بشأن قضايا المرأة في المدى القصير، لأن لا شيء آخر يمكن له تحييد وبدرجة سريعة القيادات الدينية الذين أنتم بحاجة لدعمهم في المعركة الامنية.

ـ حافظوا على الولايات المتحدة بجانبكم: إن علاقتكم بالولايات المتحدة لا يمكن لها أن تكون بالقرب الذي كانت عليه في العقد بين حرب الخليج عام 1991 وهجمات الحادي عشر من سبتمبر. إن ضغط واشنطن المتواصل من أجل اصلاحات داخلية في بلادكم سيؤدي الى زيادة التوتر، ولكن تبقى هناك فائدتان مشتركتان والتي يمكن في ضوئهما بناء علاقة متبادلة متميزة: أولاً محاربة المتطرفين وثانياً المحافظة على تدفق البترول. إن الجهاديين هم أعداؤكم كما هم أيضاً اعداء أميركا، وأن لديكم مصلحة مماثلة في استقرار سوق النفط عند أسعار محتملة، تماما كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة. إن خطواتكم الاخيرة قد ساعدت واشنطن، ولكن الارادة العامة في الولايات المتحدة تراقب السلوك السعودي لرؤية ما اذا أنتم ملتزمون بتطبيق وعودكم بصورة كاملة.

ـ أرجعوا الجمعيات الخيرية الى بلادكم: يبدو أنكم تدركون بأن بعض المؤسسات الاسلامية التي بنيت بأموال النفط قد أصبحت قنوات موصّلة للدعم المادي والايديولوجي للارهابيين. وهذا التطور كان النتيجة غير المقصودة للنظرة غير المكترثة من جانبكم. (ويجب ألا ننسى بأن الولايات المتحدة قد شجّعتكم قبل مدة قصيرة على نشر نموذجكم الاسلامي لمواجهة الشيوعية السوفيتية والتشيع الثوري الايراني). ولكن العالم قد تغيّر، وأن دوركم في العالم الاسلامي يجب أن يتغير تبعاً لذلك. إن البلدان التي تم فيها انفاق تبرعاتكم الخيرية لابد أن لها دوراً أكبر في اختيار الطاقم الذي سيدير المؤسسات والمساجد التي تبنونها، وحتى لو لم يكونوا كوهابيين، كما قد يرغب البعض في مؤسستكم الدينية. وكما قلت انت بصورة علنية، إن أكثر تبرعاتكم الخيرية يجب أن توجه للداخل، حيث مازالت الحاجات قائمة والتي لم يكن التنبوء بها او الاحاطة بها في الايام الخوالي من الطفرة النفطية.

لسوء الحظ، لقد أرسلتم إشارات مربكة حول اصلاح العمل الخيري مؤخراً. فقد جاء عادل الجبير، مستشاركم للشؤون الخارجية، الى واشنطن في يونيو 2004 للاعلان عن اغلاق مؤسسة الحرمين الخيرية، والتي حوّلت أموالاً لتنظيم القاعدة والمتعاطفين معها. وعلى اية حال، فبعد ثلاثة أيام من زيارته، أبلغ رئيس مؤسسة الحرمين الصحافيين بأنه لم يتلقَ أية أمر من حكوته باغلاق مكاتبه أو حل مؤسسته.

ـ استدعوا الأمير بندر: يلزم عليكم اعادة اعتبار تمثيلكم في الولايات المتحدة، فقد كان الامير بندر، سفيركم في واشنطن، الرجل المناسب للعمل حين كانت العلاقات الاميركية السعودية تدار فحسب على اعلى المستويات وخارج النظر العام. ولكن الآن أنتم بحاجة الى شخص قادر على تسويق السعودية كشريك موثوق بالنسبة للمجتمع الاميركي. لقد كتب الامير بندر مقالة ممتازة في الصحافة السعودية هذا العام يدعو فيها الى اطروحة جادة في استراتيجيتكم إزاء عناصر العنف في الداخل. وبإمكانه المساعدة في متابعة تنفيذ هذه الاستراتيجية في الداخل، فيما يبدأ سفير جديد في واشنطن في بناء سمعة السعودية في الولايات المتحدة.

ـ ضخ المقدار المطلوب: ان النفط بطبيعة الحال هو القضية الرئيسية الاخرى مع الولايات المتحدة. فقد كان دائماً أساس العلاقة وسيبقى مصدر نفوذكم الاقتصادي الكوني. ولسوء الحظ، فإن وزير نفطكم اقترف خطئاً كبيراً في تقدير الامور في بداية عام 2004. اعتقاداً منه بسقوط الاسعار بعد الشتاء، دفع الوزير بمنظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) لخفض حصص الانتاج. ونتيجة لذلك، تصاعد الطلب بدرجة عالية للغاية، فيما بلغت الاسعار مستويات مذهلة. وكما تعلم، فإن المغامرة من وصول الاسعار الى 40 دولاراً للبرميل الواحد ليست شيئاً يذكر بالمقارنة مع صحة الاقتصاد العالمي على المدى الطويل، والذي يقوم عليه ـ اي الاقتصاد العالمي ـ الطلب على النفط.

وبالنظر الى الارتيابات حول العرض والطلب المستقبليين، فبإمكانكم تطمين سوق النفط العالمي عن طريق زيادة قدرتكم الانتاجية. عمل ذلك سيكون مكلفاً، ولكنه أيضاً سيعطي مؤشراً على التزامكم بالمساهمة في استقرار السوق. إن خطواتكم في زيادة الانتاج السعودي وإعادة رفع حصص الاوبك هي بداية جيدة. وعليكم الآن بالسعي لتخفيض اسعار النفط الى 30 دولاراً للبرميل، وتأكدوا بأن الرأي العام الاميركي يحيط علماً بجهودكم. إن النفط بأسعار معقولة جيد بالنسبة للاقتصاد العالمي وبالنسبة لمصالحكم بعيدة المدى. وكلما كنتم أكثر مسوؤلية في القضايا النفطية، كلما كان احتمال ان تكون للولايات المتحدة مصلحة في استقرار حكومتك اكبر.