أ.د. مضاوي الرشيد: آل سعود اختطفوا الوهابية واستخدموها في حروب توسعية

هل تضطر الأسرة الحاكمة الى الإنتقال من الأفقية الى العمودية في توريث الحكم؟

  

ما الذي يمكن أن تقوله أستاذة أكاديمية رفيعة المقام تعمل في جامعة بريطانية عريقة عن تطورات الأوضاع في المملكة العربية السعودية، وعن مستقبل الحكم في المملكة واحتمالات التغيير فيها، وهي أي الأستاذة الجامعية تفضل أن يكتب أمام اسمها كاتبة من الخليج والجزيرة، بدلا من الإشارة الى أنها بروفيسورة سعودية؟ مضاوي الرشيد واحدة من أفضل الباحثات العلميات العربيات العاملات في جامعات بدرجة (أ) على مستوى العالم.. ترى أن الحكم الحالي في المملكة قد فات أوانه، وأن القليل المتبقي من الوقت قد لا يسعف الحكم في العودة الى نقطة الصفر عندما تطلق صفارة الإنذار. د. مضاوي، وهي عالمة في الاجتماع، تشير الى جملة حقائق تكتنف الأوضاع الحالية في المملكة، وفي مقدمتها تشخيص فشل النظام في الرياض في التوافق مع متغيرات العصر أو مع الطبقات الجديدة في المجتمع السعودي، الى جانب إخفاقه في طرح رؤية متكاملة للإصلاح الشامل. وقد اعتبرت استجابة النظام لمطالب الإصلاح الداخلي سطحية، ومن باب التهرب، في حين أن استجابتها للمطالب الخارجية جدية، وإن لم تحقق منها الأجزاء الأهم المتعلقة بمصلحة المواطن وحقوقه الأساسية؛ وخلصت الى استحالة التطوير في ظل نظام حكم كالذي يمسك بزمام الأمور في الرياض.

 

هل يعي الحكم في الرياض خطورة التحولات التي تجري في العالم؟

الحكم في الرياض يعي تماما ما يجري حوله في المحيط العربي والاسلامي والعالمي، وكذلك هو على معرفة تامة بحالة التململ والاحتقان التي يمر بها المجتمع المحلي. هذه الحالة ذات الاسباب التراكمية اليوم وكأنها قد وصلت الى مرحلة متطورة من الغليان الذي بدأت تظهر ملامحه ليس فقط بين النخب المتعلمة بل ايضا على المستوى الشعبي. ومن الملاحظ ان حالة الغليان هذه لم تعد مقتصرة على الطبقات المهمشة والشباب العاطل عن العمل، بل انها تعدته لتشمل شرائح كبيرة كانت في الماضي محسوبة على النظام. ويمكن ان نلخص التحولات الخطيرة بما يلي:

اولا: اجتماعيا، حيث فشل النظام في استيعاب الطبقات الجديدة التي ظهرت مؤخرا نتيجة التعليم الحديث وظل يراهن على ولاء نخب تكنوقراطية معروفة ومنتقاة من عوائل مضمونة الولاء. وكذلك يراهن النظام على ولاء المؤسسة الدينية التقليدية التي ضمنت له تخدير عقول الناس متذرعة بقدسية النصوص الدينية والتي لا تتردد في تكفير اي معارض للنظام واخراجه من الملة في سبيل تحقيق الهيمنة السياسية المطلقة على المجتمع. وكذلك يراهن النظام على قدرة آلته القمعية من اجهزة أمن ومخابرات وسجون على ترويض الفئات المتململة او الرافضة لهذه الهيمنة. ومنذ التسعينيات كشر النظام عن انيابه في تعامله مع كل من اعتبره يمثل خطرا عليه ولم يفرق بين المصلح المسالم ومقدم النصيحة وبين من يحمل السلاح، واذا استعرضنا أسماء القابعين في السجون السعودية فسنجد شرائح مختلفة الانتماء والثقافة. ففي هذه السجون الليبرالي والاسلامي، وعالم الدين والشاعر واستاذ الجامعة والشاب المتمرد والشاب المتطلع. العنصر الموحد لهذه المجموعات المتباينة هو مقاومة التحولات الخطيرة والتطلع الى مستقبل افضل وطرح الحلول.

ثانيا: سياسيا، فشل النظام في طرح رؤية متكاملة للاصلاح الشامل وبينما هناك عدة افكار وتصورات للتغير الحقيقي الذي يخرج الدولة من حالة الركود السياسي المطروحة من قبل مجموعات شعبية، نجد النظام يلتزم الصمت بل يحاول التمويه من خلال تبني مصطلح (الاصلاح)، مثلا هو يطرح انتخابات البلدية كنموذج لتغيير تاريخي علما بأن هذه الانتخابات محدودة ومفتقرة للخلفية الضرورية لنجاحها كحرية الرأي والتجمع والقضاء العادل. تصور ان انتخابات حرة تحدث في بلد يعاقب فيه الكاتب وعالم الدين والمحامي اذا قام بتصريح لقناة الجزيرة دون إذن مسبق! او اذا لم يُثْنٍ هذا الشخص على جهود النظام الحثيثة في اي مجال ناهيك عن النقد حتى غير المباشر للنظام والذي يؤدي الى متاهات واعتقالات جائرة. ومن باب الاصلاحات السطحية جاءت فكرة الحوار الوطني والذي يفتقر بدوره للعوامل التي تكفل نجاحه، ومن ثم هناك مشاريع انشاء مؤسسات مدنية كمؤسسة حقوق الانسان والتي فشلت في التعاطي مع قضايا اعتقال المصلحين واكتفت بلعب دور المتفرج لمسرحية محاكمة دعاة الاصلاح الدستوري، وحتى هذا اليوم نرى النظام يتأرجح بين المحاكم العلنية والمحاكم السرية وكأنه يراهن على ان ينسى المجتمع هذه الأزمة ويتغاضى عنها.

ثالثا: اقتصاديا، فشل النظام في توفير البنية التحتية التي تضمن المستوى المعيشي اللائق بدولة تتربع على اكبر انتاج نفطي في العالم. ويتوقع النظام من الشعب ان لا يسأل عن تبذير الثروة النفطية والدين القومي وصفقات الاسلحة والكوميسونات واحتكارات افراد العائلة المالكة لبعض القطاعات الاقتصادية ومخصصات هذه العائلة وغيرها من الامور التي بدأت تنكشف اليوم والتي لن يستطيع النظام التعتيم عليها.

كل هذه تحولات خطيرة تحصل على مرأى ومسمع النظام الذي لا يستطيع بشكله الحالي وتركيبته التعامل مع التحديات الداخلية، وليس له الارادة لحل المشاكل العالقة لأنه يعلم ان الثمن سيكون باهظا.

 

هل استجابت الرياض لأي من مطالب التغيير والتطور الطوعي خدمة لمواطنيها؟

استجاب النظام بشكل سطحي لمطالب التغيير التي اتت من الداخل ومن المجتمع، ولكنه استجاب بشكل جدي لبعض مطالب الخارج كالتي اتت من الولايات المتحدة مثلا. هذا التغير الذي حصل في المناهج التعليمية والتي اعتبرتها الولايات المتحدة مفرزة ومشجعة على الارهاب، لم يتردد النظام السعودي في تنقيح مناهج التعليم والغاء بعض التفسيرات التي لا ترضى عنها الولايات المتحدة. وكذلك طلب الولايات المتحدة باجراء انتخابات محدودة وليس انتخابات شاملة. وبالفعل ها هو النظام قد استجاب لهذه الرغبة الاميركية المنطلقة من كونها تريد اظهار حليفتها الدولة السعودية بالمظهر اللائق امام الناخب الاميركي. مثال ثالث يتمثل بقانون الجنسية الجديد وهو ايضا يظهر المملكة وكأنها دولة عصرية تحترم العمالة الاجنبية ومستعدة لتجنيسها وتوطينها في البلد. كل هذه التغيرات تمت استجابة لضغوط خارجية.

 

هل يمكن ان تكون هذه الاستجابات كافية امام مطالب الداخل؟

لا يمكن ان تكون كافية وبرأيي ان التعليم ومناهجه يجب ان تطور لتوفر فرص التدريب الحقيقي لشباب البلد من اجل ان تمكنه من التغلب على البطالة والحد من الاعتماد على العمالة الاجنبية. البطالة وصلت الى أكثر من 30 في المائة وفي الوقت نفسه نرى هناك 8 ملايين عامل اجنبي. لماذا لم يستطع النظام ان يستغل الثروة البشرية ويطورها حتى تحل محل العمالة الاجنبية؟ يطرح بعض المحسوبين على النظام نظرية تقول ان الشاب السعودي خامل ومدلل ولا يحب أن يعمل. هذه النظرية فاشلة في شرح المأساة التي يعاني منها الشباب. ربما يرفض الشاب السعودي ان يشتغل كناساً او طباخاً او بواباً خاصة عندما يرى ان في بلاده مجموعة اقلية تستأثر بأكبر قدرمن الامتيازات والاتاوات وحتى المعاشات الشهرية، وهي طبقة خاملة تنام في النهار وتقوم في الليل ولكنها طبقة ثرية مترفة همها حفلات الاعراس ورحلات القنص في صحارى المغرب والجزائر وباكستان وغيرها او رحلات الترفيه في باريس ولندن. لماذا يطلب من الشاب في الجزيرة العربية ان يشد احزمته بينما تبقى أحزمة رموز النظام فضفاضة وطويلة زيادة عن اللزوم؟ هذا التناقض هو جزء لا يتجزأ من حالة الغليان. لماذا يطلب من الشاب السعودي او الشابة ان تتحمل العنوسة وتؤجل حلم تأسيس عائلة وانجاب اطفال، بينما يمارس رموز النظام تعدد الزوجات؟ أليس من حق الشاب في بلد من أغنى بلدان العالم أن يحقق حلمه بتأسيس حياة اجتماعية قائمة على الزواج وهو مكمل للدين ويحمي من الرذيلة والفساد؟

 

 هل يمكن ان تتغير القيادة او الحكم في المملكة نحو الافضل؟

في المدى القصير لا اعتقد ان النظام قادر على التطور لانه سجين تركيبته الخاصة ونظامه الوراثي الذي على اساسه تنتقل السلطة من ملك الى آخر. النظام الوراثي السعودي هو نظام أفقي يرث الأخ الحكم من أخيه وهذا النظام غير قابل للاستمرارية على المدى الطويل. يوما ما ستقرر الاسرة الحاكمة ان تنتقل من النظام الافقي الى النظام العمودي، اي انتقال السلطة من الاب الى الابن، كما فعل الملك عبد العزيز عندما اقصى اخوته وحصر الحكم والسلطة في ابنائه هو، مستبعدا بذلك فروعاً اخرى من العائلة السعودية. وهذا الخيار يعد من اصعب الخيارات التي ستواجه النظام. فهل يا ترى يستطيع شخص من الامراء الكبار ان يحسم موضوع الخلافة لتصبح عمودية اي منحصرة في ذريته هو؟ في رأيي ان هذا من المستحيل بسبب كثرة الرؤوس الطامحة في الحكم. باعتقادي ان الوضع سيبقى على حاله أي حالة الحكم المشترك، وكأن الدولة برؤسها الكبيرة مجلس حكم ومجلس شراكة على نمط المؤسسات الاقتصادية والشركات المساهمة. ان اي تغيير نحو الافضل يتطلب تقليص حجم ما يسمى بالامراء. هؤلاء الذين اصبحوا عالة وعبئا على خزينة الدولة اقتصاديا وتحول بعضهم الى منافسين يشاركون الطبقات المستثمرة بل يستأثرون بجميع الفرص الاقتصادية.

 

فما الذي يجري الآن في المملكة هل هو إصلاح أم قمع؟

هناك اصلاح سطحي كما ذكرت ولكن هناك قمعاً ايضا. الدولة اليوم تحاول استقطاب المعارضة وان فشل هذا الاسلوب فهي تلجأ الى الخيار المعروف، خيار عنف النظام وتطبيقه على شريحة كبيرة قد تكون متجانسة او غير متجانسة، ولكن طالما انها شريحة جريئة في طلباتها ورؤيتها، فهي اذن تتعرض للاعتقال. ومن المعروف تاريخيا انه كلما ازدادت حدة الاعتقالات وانتهاكات حقوق الانسان، اقتربت ساعة التغيير الحقيقي والذي قد يؤدي الى قلب ملامح الحكم السياسي كليا. ولكن، عند هذا النظام نوع من الغطرسة تمنعه من قراءة الوضع بطريقة منطقية والتعاطي مع التحديات بنوع من المرونة. وعنده ايضا من الثروة النفطية ما يجعله يعتقد ان بامكانه شراء الولاء عن طريق شراء الذمم والصدقات وربما يؤدي هذا الى نوع من الانفراج المرحلي ولكن هذه السياسة قد تفشل في المستقبل البعيد، لان النظام السعودي لا يملك القدرة المطلقة على التنبؤ بدخله المادي ولا السيطرة على تذبذبات اسعار النفط الخاضعة لعوامل خارجة عن سلطته.

 

من الذي يعيق اي تطوير او تغيير يمكن ان يدخل في باب الإصلاح؟

العائق الاول هو النظام ذاته وليس المجتمع كما يزعم الكثيرون. النظام لا يريد أن يفرط بالسلطة او احتكارها كذلك لا يريد اي نوع من الشفافية التي تفضحه وتظهر صفقاته المالية وتهريب الاموال وحجم الاتاوات. كذلك لا يريد أي نوع من المحاسبة لأنه يعتقد أن له الحق المطلق في ادارة الحكم كما يريد. النظام هذا لا يحترم الشعب وارادته بل يعتبر ان الشعب نفسه ليس له الحق في طرح الاسئلة. ويعتبر النظام نفسه وكأنه الواهب للنعمة النفطية والتنمية لانه متمسك بمبدأ ملكية الارض وما عليها والتي نتجت عن طريق السيف، كما يردد بعض الامراء. وينسى هؤلاء الجهد الذي بذله ابناء هذه الجزيرة في عملية توحيدها مثلا. ويتناسى هؤلاء ايضا الدور لذي لعبته بريطانيا في سبيل توطيد حكم هذه الاسرة. كل هذه الاسئلة مغيبة وستظل مغيبة حتى يحصل التغير الحقيقي.

 

ما هو الأجدى والأحسن للمواطنين السعوديين تغيير الحكم ام تطويره؟

تستحق الجزيرة العربية وهي موطن الاسلام ان يتبلور فيها حكم يعكس تاريخها وحضارتها ولن يحصل هذا الا بتطوير المؤسسات وتثبيت دعائمها. ومن المؤكد انه مهما طال عمر الحاكم فمصيره الزوال. لذلك تكون المؤسسة هي الضمان الاول والاخير لاستمرارية الحياة السياسية وتوفير الامن والاطمئنان. المهم ليس من يحكم الجزيرة بل كيف تحكم هذه الارض المقدسة؟. مع الاسف حكمت خلال قرن كامل (القرن العشرين) بنظام جمع اسوأ ما في نظام الحكم الملكي الوراثي واسوأ ما في النظام العشائري. لم يستطع النظام تطوير ذاته بل حاول جاهدا اقصاء المجتمع باستثناء الموالي له. خذ مثلا ما يسمى بالمجالس المفتوحة للامراء والتي فقدت معناها القبلي والتاريخي وتحولت الى مجالس اشبه ما تكون بمقابر الاحياء المتلفزة حيث يظهر الرجال الشباب والكهول حاملين عرائض تطالب بحقوق او مساعدات مالية تليها قصائد المديح والثناء على ولي الامر. هل هذا هو الوجه الحضاري للنظام الذي يطل به على المجتمع ام انه نوع من ديموقراطية العرب البائدة؟ باعتقادي ان هذه المجالس ما هي الا رمز من رموز الاستبداد السياسي والخنوع وتحقير المجتمع في دولة تعتبر نفسها دولة عصرية.

 

لماذا يتجاهل الإعلام السعودي كليا المطالب بالاصلاح وينحاز للموقف الحكومي؟

الاعلام السعودي يقوم على تنظيمه وتدبيره طائفة كبيرة ممن يصح تسميتهم بالميثوقراط وهي الطبقة التي تحسب نفسها من أهل العلم والثقافة. وتعرف عادة هذه الطبقة بالانتلجنسيا او النخب الثقافية. مع الاسف همّ هذه الطبقة في السعودية ان تسبح باسم هذا الامير او ذاك لانها تعمل في صحافة مملوكة من قبل الامراء في اغلبيتها.

وان اعطيت نوعا من الحرية فهي الحرية التي تجرم المجتمع دوما، وان انتقدت فإنها تنتقد المجتمع عندما تصفه بانه مجتمع عنصري أو متخلف او متزمت، فهي تردد ما تطرب به آذان السلطة. هذه الطبقة الميثوقراطية همها الاساسي صنع اساطير النظام وترويجها. والاساطير كثيرة منها مثلا اسطورة الاصلاح المرتقب او اسطورة مكافحة الفقر او اسطورة محاربة البطالة وكلها تعتمد على نوع من التضليل وتمييع الحقيقة. ومؤخرا ظهرت على العلن اساطير تتعلق بثورات فكرية وتراجعات دينية: مثلا يفسح النظام المجال امام اشخاص معينين فرصة اعلان توبتهم على صفحات الجرائد ويتم التمهيد لهذا الامر بان يعلن ان فلانا من الناس قد تعرض لانقلاب فكري. ويشرح هذا الشخص قصة حياته من باب مكافحة الفكر الديني المتطرف. كل هذه القصص والحكايات ما هي الا من صنع الميثوقراط. هذه النخب تفتقر للحرية الفكرية الحقيقية.

ومؤخرا ظهر نوع جديد من الميثوقراط الذي يستغله النظام ليصفي حسابات الامراء بعضهم مع بعض. وهناك ميثوقراط محسوب على ولي العهد همه ترجيح كفته وتحسين صورته وسمعته على حساب امير كبير آخر. وهناك ميثوقراط امراء الجيل الثاني اي ابناء رموز الحكم الكبيرة. في هذا الوضع لا احد يعلق آمالا كبيرة في امكانية ان تلعب الصحافة السعودية أي دور تاريخي في تبلور الاصلاح وتحقيقه لأن هذه الصحافة مرتبطة بالحكم وليست قادرة على ان تحتل حيزا مستقلا يمكنها من التعليق والنقد والتحليل الجريء. وجرأتها اليوم متمثلة بقدرتها على ان تستعرض آفات المجتمع من جرائم قتل واغتصاب وسرقة ومخدرات وامراض نفسية وتعليقات على كافة (الفئات الضالة) التي بدأت تتكاثر من وجهة نظر النظام، كذلك عندها اليوم نوع من الحرية في انتقاد الفكر الديني و(تطرفه) ونشر (التسامح والقبول بالآخر).

 

اين هي المرأة من كل هذا ولماذا تلتزم الصمت وكأنها في معزل عن مطالب تتعلق بوضعها وحقوقها واسرتها؟

المرأة موجودة في كل مكان وهي غير موجودة ايضا. خطأ المرأة السعودية انها تعتقد ان النظام حاميها وهو من سيقف الى جانبها في مواجهة المجتمع (التقليدي) او المؤسسة الدينية. اثبتت الاحداث انه ليس بامكان نظام يقمع الرجل ان يوفر للمرأة حقوقها. المرأة في الجزيرة لها معاناة خاصة ووضع متميز أهم ملامحه اقصاؤها ولكن لا تحل قضيتها ولا تكتسب حقوقها الشرعية من خلال مجلس حوار يعنى بشأن المرأة ولا عن طريق عرضها في مؤتمرات دولية تحت وصاية الافراد او السفارات السعودية في الخارج. من وجهة نظري هذا العمل يمثل ابشع استغلال لقضية المرأة من قبل النظام في سبيل تحسين صورته. نهضة المرأة تحصل اذا تحققت نهضة الرجل نفسه وتحريره من الاستبداد والتهميش. قضية الرجل او المرأة هي قضية واحدة رغم ان للمرأة خصوصيتها كونها انثى تخضع لبعض القيود الاجتماعية. اليوم يستغل النظام النخب النسوية لمصلحته. وما الاعلان عن عدم مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية المحدودة الا دليل قاطع على الطريقة التي يتعامل بها النظام مع هذا الموضوع وهي الطريقة الازدواجية المتمثلة بخطاب موجه الى الخارج وخطاب موجه الى الداخل.

 

هناك مبالغ طائلة تنفق في الخارج لتحسين سمعة النظام، ما الذي يمكن ان تحققه خطوة من هذا النوع؟

الحملة الدعائية للنظام بعد احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) ما هي الا من باب كون هذا النظام ظاهرة اعلامية بحتة هدفها اقناع العالم ان النظام متطور ويحظى بمرتبة عالية من المصداقية. هناك دعايات في التلفزيون الاميركي وبعض مواقع في الانترنت وبعض المجلات العالمية وتقام المؤتمرات الاكاديمية وتمول بعض الابحاث وكل هذا من باب تحسين سمعة النظام التي انحدرت الى مستوى غير اعتيادي. يجب ان نفهم من هو المقصود ومن هو المستهلك لهذه الحملة الدعائية. باعتقادي ان الحكومات الغربية على معرفة تامة بحقيقة هذا النظام ولكن هذه الحكومات غير قادرة على حسم موقفها منه لاسباب ولكن الدعاية السعودية هي محاولة لاعادة الثقة بالنظام من قبل الشركات العالمية وحتى الناخبين الغربيين. وهذا بالفعل ما حصل عندما تزامنت دعاية النظام السعودي مع دعاية الحملة الانتخابية لبوش في اميركا. وشعر الكثيرون ان الدعاية السعودية كانت اقرب ما تكون الى حملة انتخابية تطمح الى كسب اصوات الناخبين الاميركيين.

 

ما حجم المساندة الشعبية والفكرية لمطالب الاصلاح في الداخل وهل هي حركة قاصرة على رموز أو أشخاص معدودين؟

هناك تعددية في الطرح الاصلاحي. وهذه ظاهرة جيدة يجب ان تشجع، كما ان هناك تيارات اصلاحية مختلفة الثقافة والاتجاه الفكري منها ما هو مستعد لان يتعامل مع النظام ومنها ما يحاول ان يطبق نوعا من التقية السياسية. وكذلك منها من يرفض النظام جملة وتفصيلا. يجب ان تتحول هذه التعددية الى هيكلية مستقرة لها وجهات نظر متبلورة اكثر. كذلك يجب ان تتحول هذه التعددية الى فعاليات لا تستتر وراء اسماء مستعارة في الانترنت والمنتديات الحوارية بل تظهر على الملأ وتطرح رؤيتها في وضح النهار. ولكن طالما ان هناك طمساً للحريات وحرماناً سياسياً فلن يحصل هذا التطور. كذلك لا يمكن لهذه التعددية ان تتطور الا بنظام مجلس شورى منتخب وتمثيل سياسي حقيقي. وحتى هذه اللحظة اثبت النظام انه غير مستعد لهذا التحول الحقيقي لذلك يعيش البلد حالة احتقان ربما تؤدي الى انفجار سياسي قوي. الشعب في الجزيرة هو اليوم شعب مسيس متحمس لمشروع التغيير والاصلاح، ولكنه شعب يتعرض للقمع لأبسط الاسباب ويزج به في السجن إن تحدث بما هو ممنوع.

 

في احد مقالاتك قلت انه وبعد ان تسلح المجتمع بالقلم والعلم بدأ يعيد النظر بسعوديته المزعومة والمفروضة عليه، هل هناك رفض لاستمرار حمل البلاد اسم السعودية؟

اولا اريد ان اذكر ان اسم (المملكة العربية السعودية) هو اسم اقترحه رئيس قسم الشرق الاوسط في الخارجية البريطانية عام 1932 وهو جورج رندل وقد اشرت الى هذا في احد كتبي. وحسب الارشيف البريطاني اقترح رندل الاسم وتبناه ابن سعود.

انا شخصيا لا اعتقد ان هذا الاسم يمثل هويتي الشخصية وانتمائي، اذ انني لا انتمي الى العائلة السعودية وارفض ان يعمم اسم هذه العائلة الخاص على الجماعة والوطن. واعتقد ان المجتمع المسمى (سعودي) له انتماءات ضيقة مثل الانتماء العائلي والقبلي والمناطقي وهناك الانتماء الشامل للامة العربية وكذلك الاعم وهو الانتماء للامة الاسلامية. فلفظة (سعودي) لفظة طارئة مرتبطة بمرحلة زمنية ضيقة ولكنها تفتقر للبعد الثقافي والحضاري والتاريخي الذي يرتبط عادة بالهوية القطرية. والتشكيك في مصداقية هذا المسمى لا يعني الخلل في الانتماء او الهوية بل يعني الرفض القاطع للهيمنة (السعودية) على أقدس أرض عرفها العالم العربي ورفض لمنطق (ولي الامر ـ أب ونحن أسرته) فلو كان ولي الامر جديرا بالسلطة حسن التدبير مختارا من قبل المجتمع ربما يقبل الفرد بهذه الابوة. ولكنها في الوقت الحالي مرفوضة لانها ابوة متسلطة تقمع الفرد وتمسح شخصيته الفريدة بل هي تطلب الولاء المطلق والعبودية والتي هي علاقة عادة ما تكون مرتبطة بعبودية الفرد لخالقه.

 

ما قصة رسالة التوحيد، وهل كانت مشروعا حضاريا ام دينيا محدودا وهل لدى اصحاب هذه الرسالة مشروع توحيد ام تغليب لفئة على اخرى وفكر على آخر؟

رسالة التوحيد مرتبطة بدعوة التجديد التي تبلورت مع ظهور محمد بن عبد الوهاب على الساحة في القرن الثامن عشر، وهي دعوة في مضمونها اصلاحية دينية مرتبطة بمشروع تأسيس دولة اسلامية. كذلك هي دعوة لاحياء الدين وتطبيق الشريعة في مجتمع كان حينها قد تخلى عن بعض التفاصيل تتبنى ممارسات دينية ربما لم تكن من صلب مبدأ عبادة الاله الواحد، وهذه الممارسات كانت نتاجاً طبيعياً لانعدام العلم والامية في الجزيرة وقتها وكذلك ربما كانت من الثقافة المحلية كزيارة القبور والتبرك بالاولياء. جاءت الدعوة الوهابية كما جاءت البروتستانتية في اوروبا لتعيد الممارسات الى مسارها الذي يتلاءم مع تفسير معين للنص الديني ولتقي العبادات من بعض الممارسات الطارئة وهذا تطور طبيعي. ولكن المشكلة في السعودية كانت منذ البداية متمثلة بتبني الاسرة السعودية لهذا المشروع الديني وكأنه مشروعها. لقد اختطفت الاسرة السعودية الدعوة الوهابية وجندتها في حرب توسعية هدفها السيطرة على الجزيرة تحت شعار (اسلمتها) واعادتها الى (التوحيد). التوحيد الديني هو نهج أهل السنة وليس له أي ارتباط بالنظام السعودي ولكن هذا الاخير حاول ان يربط التوحيد الديني بمشروع سياسي بحت، ومن هنا بدأت المشكلة.

 

هل تعنين أن طلاقا وقع بين الاثنبن؟

انها مشكلة نفسية قبل ان تكون مشكلة اجتماعية شاملة. ربما يشعر الانسان الرافض للمشروع السعودي السياسي بشيء من القلق على العقيدة والدين بسبب هذا الربط بين التوحيد الديني والتوحيد السياسي. ولكن بدأت هذه الحواجز مؤخرا بالتلاشي والكل يعرف اليوم ان الاسلام كحضارة وتوحيد وشريعة لا يمكن ان يرتبط بأسرة حاكمة، اذ ان الاسلام موجود قبلها وسيبقى بعدها. والاسلام دوما يرتبط ببيئة معينة من حيث الممارسة والتطبيق، ففي الجزيرة يربى الانسان على اسلام لا يقبل بالوساطة وزيارة القبور والتبرك بالاولياء وهذا هو المنهج الذي تربيت عليه وانا على اقتناع كبير انه يلائم الحياة العصرية، وانا كمثقفة اقرأ واكتب لا استطيع ان اقبل بوسيط بيني وبين الخالق، ولا اقبل بفكرة التبرك بالاشخاص، كذلك لا اقبل بأن هيئة كبار العلماء هي وحدها المرجعية الدينية. لكنني كعالمة اجتماع لا اجرم من يحتفل بالمولد النبوي او السنة الهجرية او يزور القبور بل احاول ان افهم هذه الممارسات من خلال تسليط الاضواء على الخلفية الاجتماعية والبعد الثقافي المحلي.

 

من الذي استغل الآخر: النظام أم المؤسسة الدينية؟

المشكلة في السعودية ان الدعوة الوهابية استغلت من قبل النظام لمحاربة اي مقاومة قبلية مناطقية او حتى طائفية فاصبحت سلاحا من اسلحة الدولة لتكفير المعارضة والمقاومة منذ بداية الدولة السعودية.

 

من الذي يمكن ان يكون له دور حقيقي في المجتمع: صندوق الانتخاب ام صندوق الفقر وما قصة الاثنين والسؤال مستوحى من احد مقالاتك الأخيرة أيضا؟

يعتقد النظام ان انتخابات البلدية تمتص بعض الاحتقان وان نجحت البلديات في مهامها كجمع النفايات وايصال الخدمات وغيره فسيكون هذا من باب الحكمة الملكية التي سمحت بها وان فشلت هذه المجالس في عملها فستكون هي وحدها المسؤولة وهي التي ستجرم في المستقبل. لذلك فان هذه المجالس هي مجالس ثانوية وليست مجالس حكم محلية حقيقية، لان المسؤول الاول والاخير في المناطق هو الامير. وحكم المناطق اليوم يذكرنا بعصر الامارات الذي انقرض بنشوء الدولة، ولكنه عاد بشكل آخر عندما وزعت العائلة الحاكمة حكم المناطق على ابنائها متجاهلة بذلك رغبة السكان في حكم أنفسهم؛ فكما عندنا دويلات ضمن الدولة السعودية هناك ايضا امارات برئاسة هذا الامير او ذاك. هذه الامارات ما هي الا هبة لافراد الاسرة. اما صناديق الفقر فهي نوع من انواع توزيع الثروة الذي يمثل المستوى المتدني للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، فبدلا من انشاء مؤسسات الضمان الاجتماعي التي تضمن عدم انتشار الفقر والعوز، يشخصن النظام العلاقة بينه وبين فئات الشعب الفقيرة والتي تصطف على مراكز التوزيع او حتى ابواب القصور لتطلب نصيبها من هذه الثروة. النظام يكرس نظرته الى المجتمع كمجتمع (متوسل ومتسول) وليس كمجتمع له حق في هذه الثروة. الفقر لا يعالج بصناديق بل يعالج بالتربية والتعليم والتخطيط والتأهيل. يعالج الفقر بالتقليل من الفوارق الاجتماعية ويعالج ايضا بتغيير مفهوم المواطن من متسول الى صاحب حق.

يعتقد النظام انه يستطيع ان يعمم مفهوم الرشوة والهبة لكسب الطاعة والولاء ولكن ربما تنجح هذه السياسة في الامد القصير ولكنها تفشل في الامد البعيد اذ انها تختزل الانسان بل انها تنطلق من مبدأ تجريده من هذه الانسانية والاكتفاء بتفعيل الجانب الحيواني فيه.

المصدر: المشاهد السياسي، العدد 454 ـ 19/11/2004