عاد العنف فهل يعود الوعي؟

 المعادلة واضحة، هناك مدخلات محددة تؤدي الى مخرجات محددة. المدخلات تتمثل في: غياب الروح الوطنية، والتشدد الديني الوهابي، والتعليم الرسمي الأحادي، وانهيار دولة الرفاه، والإنسداد السياسي، وانقلاب مفاهيم الشرعية الدينية، والى حد ما التناغم مع مجريات الخارج سياسياً وفكرياً. أما المخرجات فتتمثل في: تصاعد الجريمة، تصاعد العنف السياسي ضد الدولة ومؤسساتها، الصراع الفكري الديني المفتوح داخل الوهابية وبين الوهابية ونظرائها المذهبيين، تصدّع الإجماع الداخلي السياسي والفكري، وبروز النزعات الإنفصالية.

لا يمكن التخفيف من المخرجات السلبية أو القضاء عليها إلا حين يتم تعديل ميزان المدخلات الفكرية والسياسية والإقتصادية، وإذا ما كان العنف الذي ابتدأ منذ عام 1995 قد أُسيء فهمه في البداية، أو أُسيء فهم مضامينه ومؤدياته، فإنه قد كشف عن نفسه لاحقاً بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001، وحتى أولئك الذين لم ينتبهوا للخطر إلا متأخراً، فإنهم استيقظوا على صدى انفجارات الرياض في 12 مايو 2003.

الطرف الذي لم يستيقظ بعد، هم شرائح من التيار السلفي، ورموز السلطة السياسية؛ فهؤلاء وإن أدركوا حجم الكارثة، إلا أنهم لم يفهموا أبعادها السياسية والإجتماعية، وإنما حصروا الأمر في (فئة قليلة خارجة عن الدين والنظام) وهي ذات الأوصاف التي أطلقت من قبل على حركة جهيمان في نوفمبر 1979. الحل الأمني سحر المسؤولين، فشددوا على استخدامه كحل أول ووحيد، وحين جاءت النتائج الأولية بانخفاض مؤشر العنف بعد مقتل عبد العزيز المقرن، زعيم القاعدة في السعودية، تباهوا وافتخروا بكفاءتهم.

لكن ما حدث خلال الشهر الماضي كان مخيباً للآمال من جديد: هجوم على القنصلية الأميركية في جدة، وبعدها مقتل فرنسي في نفس المدينة، ومصادمات في الرياض، تلاها مصادمات في بريدة ومقتل عديدين، وكذلك مصادمات في الأحساء ومقتل ثلاثة. المهم إن دائرة العنف لا تكسر بالأمن وحده، كما قيل ذلك مراراً، وعلى المسؤولين أن يبحثوا عن حلول (مكملة) على الأقل للخيار الأمني. إن الإصلاحات الإقتصادية والاجتماعية والسياسية هي التي توفر ديمومة للإستقرار، وتخمد العنف في المدى البعيد. ومن أراد أن يعتمد على الحل الأمني فسيفاجأ المرة تلو الأخرى بنتائج تخيب الآمال.