المراجعة المنتظرة في السعودية

إصلاح الأيديولوجية الدينية

 

حمزة الحسن

 

هل يعقد التيار الديني السلفي في المملكة مراجعة نقدية ذاتية؟

سؤال يتردد منذ أحداث 11 سبتمبر، وتصاعد بعد موجة العنف التي لا تزال تجتاح مناطق وأقاليم المملكة المتعددة.

السؤال بديهي، فالمذهب الرسمي للدولة (الوهابية) تعرّض منذ تلك الأحداث الى ضغوط حادّة خارجية وداخلية. الخارجية منها يتمثل في الموقف الأميركي الذي أصبح شديد العداء لكل ما هو إسلامي، فضلاً عن الوهابية نفسها التي اكتشفها مؤخراً بأنها (مفرخة الإرهاب). ويتناغم مع الموقف الأميركي، الموقف الأوروبي عموماً، وخاصة في العواصم الثلاث الرئيسية: برلين ولندن وباريس. فهذه العواصم ابتليت هي الأخرى بامتدادات (الوهابية) العنيفة في أراضيها، وأوصلت للرياض رسائل واضحة، كشف عن بعضها في وسائل الإعلام، تطالب بتقييد النشاط الديني السعودي الرسمي وقطع امتداداته الخارجية منها على الأقل. لكن واشنطن تريد ـ فيما يبدو ـ أكثر من هذا. فقد سعت بادئ الأمر الى توسيع الهوة بين العائلة المالكة وحليفها التاريخي والإستراتيجي (الوهابية) بحيث يتمّ تدجين الأخيرة الى حدّ إنهائها، ومن ثمّ إعادة صياغة النظام السياسي السعودي نفسه، وشرعنته على أُسس أخرى مدنية قائمة على إشراك الشعب السعودي في العملية السياسية. وبهذا يتمّ ـ من وجهة النظر الأميركية ـ قطع دابر أهم مصدر للفكر والممارسة العنفية التي بدأت تستهدف الولايات المتحدة نفسها، وقد كان هذا الفكر فيما مضى حليفاً في مقارعة الشيوعية.

لكن الممانعة السعودية كانت قوية جداً. فما يطلبه الأميركيون بدا وكأنه محاولة تجريم الوهابية دون العائلة المالكة في أحداث سبتمبر، بحيث تكون الأخيرة قادرة على التناغم والمساهمة الفعالة في تبني استراتيجية (مكافحة الإرهاب الديني أو الإسلامي).. أما الأمراء السعوديون فقد وجدوا المطالب راديكالية ومن شأنها أن تقضي على الحكم السعودي نفسه، والذي هو على قناعة تامة، شأنه شأن المؤسسة الدينية الرسمية، بأن نهاية الوهابية أو إضعافها يعني حتماً نهاية أو إضعافاً لحكم آل سعود.

إزاء هذه الممانعة، تحوّل الحديث واتجهت المطالب الى مواضيع أخرى تتمحور حول (تدجين) الوهابية، وإضعافها، عبر تقليص الدعم المادي، وعبر تخفيف سيطرة التيار السلفي على مؤسسات ومفاصل في الدولة. لكن العائلة المالكة رأت أن هذه الطريقة من شأنها أن تفتح معركة غير مستعدة لها وغير راغبة في وقوعها مع حليفها التاريخي. فإضعاف التيار السلفي النجدي، يعني إضعافاً لنظام الحكم، ويعني خسارة التحصين اللازم لها أمام استحقاقات وقوى التغيير.

ومرة أخرى، رأى الأميركيون والأوروبيون أن أجنحة الوهابية الطويلة في العالم يجب أن تقطع على الأقل. فإذا كانت الوهابية داءً فلتكن إذن في البيت السعودي، وليقم السعوديون بضبطها في الداخل، دون العمل على تصديرها للخارج. ومن هنا جاء الحديث والإتهام للجمعيات الخيرية خاصة تلك الممولة من السعوديين وعلى رأسها مؤسسة الحرمين (مع أننا لا نشك مطلقاً بأن إيقاف العمل الخيري الإسلامي يستهدف أبعد من مقاومة موجة العنف السلفي/ الوهابي). ولذات الغرض أجبرت الخارجية السعودية قبل بضعة أشهر على إلغاء التمثيل الديني في سفاراتها، فهي الدولة الوحيدة في العالم التي لها (ملحقون دينيون!) كجزء من التمثيل الدبلوماسي. وفي ذات الإتجاه جرى التضييق وتعطيل المؤسسات التعليمية والدينية الملتصقة بالسعودية، حتى في العالم العربي مثل موريتانيا. وتتعرض المؤسسات التعليمية المدنية السعودية في الخارج الى ضغوط مشابهة (نموذج ذلك أكاديمة الملك فهد في ألمانيا).

بيد أن إبقاء الوهابية حيّة في الداخل السعودي، وحسب الرؤية الغربية، لا بد وأن ينعكس نتاجها الى الخارج أيضاً. ويبدو أن الحكومة السعودية قد قبلت على مضض بالتنازل الجزئي لحلفائها الغربيين، من جهة مراقبة النشاط الديني والمالي للمؤسسات الدينية السعودية، وتعديل المناهج الى الحدّ الذي لا يوتّر على العلاقة مع حليفها الديني، دون أن يعني ذلك بالضرورة ـ وفي المحصلة النهائية ـ تقليص نفوذ التيار الديني السلفي في جهاز الحكم.

أما الضغوط الداخلية التي أعقبت 11 سبتمبر، فتمثلت في شعور عام ساد الشارع السعودي بأن التيار السلفي قد ورّط البلاد وأهلها، وأن مسؤولية ما جرى من أحداث وعنف داخلي وخارجي كان نتيجة دعم الحكومة لذلك التيار حتى صعب عليها إعادته الى قمقمه. واستشعاراً للضغوط الخارجية، والخوف من المستقبل المظلم، تصاعدت الأصوات مطالبة بالإصلاح الديني والسياسي كخشبة إنقاذ للدولة والمجتمع، ووجهت السهام الى الوهابية بأنها ستقود البلاد الى التقسيم والتدخل الأجنبي. وهنا تمّ إحياء الدعوات الى إصلاح التعليم الديني الذي أدى الى الإحتراب الإجتماعي الداخلي، والى إصلاح المؤسسة الدينية ووضع القيود والضوابط عليها، والى إلغاء الواحدية الثقافية والتناغم مع طبيعة المجتمع السعودي المتعدد في ثقافاته ومذاهبه وتوجهاته السياسية.

أمام هذه الضغوط المتنوعة، وبسبب بروز العنف المحلي الذي استهدف الدولة والعائلة المالكة المطعونة في شرعيتها دينياً ووطنيّاً، قامت الحكومة هي الأخرى بتوجيه بعض الضغط على المؤسسة الدينية والتيار السلفي، كتناغم جزئي مع دعوات الخارج والداخل، وكطريقة للإلتفاف على تلك الضغوط المطالبة بالمزيد من التحرك (الإستئصالي أحياناً). وفي الحقيقة فإنه ليس في نيّة الحكومة السعودية اليوم ولا في الأفق القريب التخلّي عن حليفها الديني، ولا تنوي شطب امتيازاته المتضخمة، وكلّ ما ترجوه هو أن تذهب موجة الضغوط المتعددة بأقل قدر من الخسائر والتنازلات. بمعنى آخر، ليس من الوارد في الأفق المنظور، إعادة صياغة العلاقة بين الحليفين، ولا التخلي عن بعضهما البعض، ولا إشراك آخرين ـ من القوى السياسية والدينية ـ ضمن صناعة القرار.

وبرغم التوتر العنيف الذي أصاب العلاقة بين الحليفين، إلا أن ما يجمعهما هو سمة المحافظة وعدم التغيير، وتقوم نظرية الطرفين على أساس مشترك: التميّز عن الآخر الداخلي والخارجي، والشعور المتضخم بالمؤامرة، والإصرار على احتكار السياسة لفريق والدين لآخر دون إشراك أحد خارج الإطار المذهبي أو العائلي السعودي. فالطرفان ضد الإصلاحات السياسية، وضد الإصلاحات الدينية التي تشرعن فئات ومذاهب يعتبر المذهب الوهابي من صميم وجوده مقاومتها باعتبارها كافرة.

الهاجس المشترك بالمؤامرة الداخلية والخارجية، جرى تضخيمه بعيد أحداث سبتمبر من أجل حشد الشارع السعودي ضد الدعوات الغربية لدمقرطة السعودية، ومن اجل حشد الشارع النجدي ـ السلفي وراء آل سعود، فهناك مؤامرة ـ حسب رأيهم ـ تستهدف الوهابية وضد الإسلام. وقد اتخذ بروز التنوع المذهبي في السعودية وكذلك التنوع الفكري والثقافي والسياسي، اتخذ كذريعة وكدليل على وجود تلك المؤامرة.

بيد أن هذا لا يلغي حقيقية أن أحداث سبتمبر وما تلاها، قد غيّرت الخارطة النفسية لدى المواطنين السعوديين جميعاً؛ كما لا يلغي حقيقة أن رموز التيار السلفي ومشايخ الوهابية يقعون تحت ضغط إيجاد التبريرات لفكرهم الحاد والإقصائي والعنفي (باتجاه الداخل والخارج). وبسبب هذا، ظهرت اتجاهات ثلاثة للتعاطي مع المستجدات كاستجابة للضغوط آنفة الذكر.

الإتجاه الأول: جزء من التيار السلفي وفي مواجهته لاتهامات تفريخ العنف وتحفيزه، حاول أن يقوم بإعادة تفسير (Reinterpretation) بعض مقاطع من التراث الوهابي خصوصاً والسلفي عموماً، وكان من الطبيعي في هذه المحاولة أن يتم التركيز على بعض الجوانب القليلة المهملة والمتسامحة؛ وقد انبرى عدد من المشايخ الرسميين كوزير الأوقاف ورئيس مجلس القضاء الأعلى وبعض المشايخ المقربين من السلطة عموماً الى القيام بهذا الدور، والذي لا شك في أهميته. بيد أن النزعة الذرائعية بدت قويّة وبدون إسنادات قويّة؛ فحين يقال بأن الوهابية لا تكفر المسلمين المختلفين معها، يؤتى بنصوص من التراث الوهابي تفيد بما يعني (أننا لا نكفر إلا من كفره الله ورسوله) وهذا في الحقيقة لا يفيد بشيء بقدر ما يرسخ الفكرة، خاصة وأن معظم التراث الوهابي هو تراث احترابي مشحون الى ما فوق الإمتلاء بهذه النزعة التكفيرية. ومثل ذلك اعادة تفسير موضوع (الولاء والبراء) وفكرة (الخروج والجهاد) وإعادة ترسيم الحدود لـ (دار الحرب ودار الإسلام) وموضوع (إمامة المتغلّب) والعلاقة مع الكافر وفق مصلحة يراها ولي الأمر، وغيرها من الموضوعات التي تشغل الساحة السلفية هذه الأيام. ورغم صعوبة إعادة تفسير النصوص الوهابية كونها مترسخّة، وكون النصوص المعتدلة وشروحاتها تمثل (أقليّة) في ذلك التراث، إلا أنه ينبغي القول، أن الخضّات الفكرية مدفوعة بالتوجهات السياسية لا بدّ وأن تبرز توجهاً يميل الى الإعتدال (بمقاييس السعودية) غرضه الخروج من مأزق أيديولوجيا العنف السلفي، وتوفير خيارات للدولة ولصانع القرار تعينه على تجنيب الدولة أزمات داخلية وخارجية قد تؤدي الى تفتيت أصل الدولة نفسها وإعادتها الى مكوناتها التاريخية.

غرض هذا التيار من اعادة التفسير هو ديمومة المعتقد وفتح منافذ له أمام الإنسدادات التي وصل اليها؛ إضافة الى إيجاد مخارج للدولة والتنفيس المؤقت للإحتقانات، فإذا ما مضت موجة الضغط قد (تعود حليمة لعادتها القديمة) على اعتبار ان ما يقدم بشأنه إنما هي تنازلات مؤقتة فرضتها ظروف قاهرة. بمعنى آخر، فإن إتجاه اعادة التفسير يميل بشكل كبير الى عدم مناقشة التراث السلفي الوهابي، وإنما ملامسة السلوك والتمظهر الخارجي لذلك الفكر. أي مكافحة النتيجة غير المحبذة (العنف والقلاقل واستعداء الخارج وتوتير الوضع الإجتماعي الداخلي) دونما المساس بأصول المعتقد وجوهر الفكر.

الإتجاه الثاني: وهو إتجاه يبحث بصورة أكثر جذرية في دور الوهابية كأيديولوجيا للدولة ويمارس نقداً (Rethinking)  لأصولها ومسارها وفي بعض الأحيان خطرها وأيضاً لطبيعة العلاقة القائمة بين الدين والدولة في المملكة. من بين الكتابات الدينية في هذا الإتجاه ما قام به الشيخ حسن بن فرحان المالكي، ومن الزاوية السياسية ظهر هناك مشاري الذايدي ومنصور النقيدان وعبد الله بن بجاد العتيبي، وخالد الغانمي. وفي الزاوية الفكرية الإستشرافية ظهرت كتابات محمد علي المحمود الرائعة، وبصورة أقلّ نقداً كتابات عبد العزيز الخضر، كما وردت إشارات محدودة في ذات الإتجاه من عبد المحسن العواجي، طرحها أولاً في لقاء له مع قناة الجزيرة ثم في مقابلة صحافية محلية. ترى هذه الكتابات أولاً أن الوهابية أصبحت عبئاً على المجتمع والدولة، وأنه يمكن بل ويجب تجاوزها، وإن لم يكن ذلك فيجب أن تجري عمليات جراحية لها لتتواءم مع معطيات الراهن؛ كما وترى أن الإنكباب على التفسير السلفي وحده يمثل مشكلة ترتد على الجميع عنفاً وتخلفاً. أضافة الى ذلك فإن هذه الكتابات ترى في الوهابية نقيضاً للوحدة الوطنية ولتآلف النسيج الإجتماعي، سواء كانت الوهابية تقليدية (سلفية تقليدية) أم (إصلاحية صحوية، حسب التعبير الشائع).

وتتفق هذه الكتابات في النتيجة، وإن اختلفت في التحليل مع بعض كتابات تركي الحمد الذي يرى أن (الأيديولوجيا عبئاً) على الدولة، وهذا عنوان مقالة له نشرت العام الماضي، أشار فيها الى أن كيان الدولة والمحافظة عليه لن يتم بدون التخلي عن ايديولوجية الدولة (الوهابية). كما تتفق مع بعض الإشارات التي ترد في كتابات أساتذة الجامعة السعوديين والليبراليين بشكل عام، مثل كتابات حمزة المزيني وغيره الذين يرون بأن الوهابية نقيض للوطنية والتلاحم الوطني.

الإتجاه الثالث: وهو اتجاه موجود ويعتقد أنه سيتشكل وسيتعزّز أيضاً في ظل التجاذبات الفكرية المناكفات السياسية والمواجهات العنفية، وهذا الإتجاه يميل الى المزيد من التقليدية (Traditionalism) ويقوم عليه (حراس المذهب) والساهرون على حمايته نصاً وروحاً، تراثاً وأساطير. وقد وجد ويوجد على الدوام بين المذاهب الإسلامية والفكرية عموماً من يقوم بهذا الدور، فهو ليس حكراً على اتجاه معين. هذا الإتجاه غير المحدد بالأسماء حالياً وغير المتبلور في تشكيلات واضحة، يقوم بالدفاع عن المذهب ومواجهة السهام الآتية إليه من (التجديديين) أو (الإلغائيين) وعماد فعله نشر فكر المذهب والتأكيد على كل نصوصه. ولهذا ظهرت في الأسواق إعادة طبع وتوزيع الكتب القديمة من التراث الوهابي بما فيها من كم هائل من التكفير والفتاوى التي لا واقع لها، ونخص بالذكر هنا الطبعات المتكررة لكتاب (الدرر السنيّة في الأجوبة النجدية) والذي يقع في 16 مجلداً ويباع في الأسواق بأسعار زهيدة الغاية منها حماية النصوص التراثية من العبث، (وإن جرى على بعضها الحذف فعلاً). كما يظهر (حراس العقيدة) هؤلاء في إحياء الفتاوى القديمة ونشرها على النت، ووضعها في كتب. إن المنهج الذي يقوم به هؤلاء يمكن وصفه بـ (الحمائي) وهو منهج لا يهتم بالسياسة، وقد يكون منفصلاً الى حد ما عنها وعن مجرياتها، كما أنه لا يعير اهتماماً لمؤديات الفكر ونتائجه، فيكفي أنه بنظرهم صحيح، شاء من شاء وأبى من أبى.

من بين هذه الأصناف الثلاثة، يبدو أن جناح (اعادة التفسير) المدعوم أصلاً من الدولة ومن كثير من المشايخ الرسميين هو الأوفر حظاً بالنجاح، خاصة اذا ما اعتمد على سياسة تنقية (التراث النجدي الوهابي) من بعض مقاطعه الصارخة شديدة الحدّة. بيد أن هذا النجاح سيكون محدوداً ومؤقتاً، لأن عملية اعادة التفسير الحالية تبدو انتقائية، إذ لا يمكن التطرق لكل الموضوعات وإنما بعضها، وهذا البعض في مجمله مرتبط بتقييم الدولة وحاجاتها، خاصة تلك المواضيع المرتبطة بشرعية النظام الدينية، وبعلاقاته مع الخارج (الكافر او المشرك).

أما القسم الثاني الذي يميل الى التمرد، فلاقى العنت من الجهتين الرسمية والدينية، وكل أتباعه نالوا حصتهم من فتاوى التكفير والطرد من الوظيفة أو الإيقاف عن العمل؛ ولكن هؤلاء وإن كانت حصتهم من الشارع أقل، إلا أن تأثيرهم سيكون أكبر بكثير من أعدادهم، خاصة وأنهم في مجملهم ليسوا شيوخاً أي أنهم من خارج (التراتبية الدينية). يذكرنا هذا بما يناظره من كتابات كان لها أثر كبير على فكر التشيّع في إيران، ونخص بالذكر كتابات علي شريعتي، الأب الفكري للثورة الإسلامية في إيران، ومن ثمّ كتابات عبدالكريم سروش، عبد المحسن كديور، ومجتهد شبستري. الذين بكتاباتهم اضطروا الفئات المحافظة الى تقديم إجابات وأحدثوا خضّة ولازالوا في الوسط الثقافي والديني الإيراني، والشيعي عامّة.

أما (الحمائيون) أو حرّاس العقيدة، فموقعهم قد يكون ضحية لأحد التيارين السابقين أو كليهما، فرياح التجديد أو الإنتفاض قد تعصف بما يعتقد أنه ثوابت لديهم، وستدمغ الطبعات الإصلاحية والتجديدية بصمتها على النتاج السلفي القادم بصورة من الصور.

يبقى أن نذكر، بأن الوهابية كمذهب عقدي (وليس فقهي) أقلّ ميلاً الى التجديد والتغيير وإعادة التفسير والقراءة؛ فالعقائد لا تتغير بسهولة، خاصة بالنسبة لمذهب نشأ وأقام دولته على أسس الإختلاف العقدي واستباحة دم ومال وعرض مخالفه. إن التجديد سيكون محدوداً جداً ولو تمّ بشكل واسع فـ(قد) يغير وجه المذهب، وهذا من غير المحتمل وقوعه. ولكن الزمن قد يفرز رجالاً ومفكرين من داخل المذهب نفسه، يستجيبون للتحدي السياسي والفكري، ويكون لهم الإقدام والجرأة على نزع فتائل النفور منه وقتل نزعات العنف والتمرد من داخله.