العدد  18 يوليو 2004

 

مجتمع محبط ويأس من الحكومة
قراءة اتجاهات الرأي العام المحلي

 محمد الهويمل

 هناك مشاكل ومصاعب في قياس الرأي العام السعودي، كونه مشكلا من عدّة جماعات سكانية مختلفة الثقافة والشعور والموقف. المسألة الثانية أنه لا توجد جهات مختصة ترصد تحولات الرأي العام في المملكة، كما تخلو البلاد من مراكز بحثية متخصصة تراقب التطورات التي تنشأ في المجتمع، ولهذا فإن المملكة هي واحدة من الدول القليلة في العالم التي تعاني من قلة الإحصاءات في شتى المجالات، ويكفي للتدليل على ذلك، أن عدد السكان نفسه غير معلوم، على وجه الدقة، وبالتالي فإن معالجات المشاكل لا تتم وفق الضوابط العلمية، كاحتساب حجم البطالة ومعدلات الجريمة، ومعدل الدخل الفردي، فضلا عما يطرأ من مشكلات في توفير الخدمات. هذه المقالة تحاول البحث فيما هو متوفر من معلومات تستقرئ ظاهرة العنف في المملكة.

 في استطلاع جرى بين يوليو ونوفمير عام 2003 شارك فيه 75 باحثاً غطى مناطق المملكة الثلاث عشرة، وقد بلغت عدد الردود ما يربو على 15 ألف منها 62% من الذكور و38% من الاناث. وكانت موضوعات الاستطلاع تدور حول أربعة محاور أساسية: الاصلاح السياسي، المؤسسة الدينية، تعزيز دور المرأة، الارهاب. هذا الاستطلاع الذي يجرى لأول مرة في السعودية وبصورة علنية قام به نواف عبيد المتخصص في الدراسات الامنية والاستخباراتية ونشره في جريدة انترناشيونال هيرالد تروبيون في الثامن والعشرين من يونيو الماضي.

يزعم معدّو الاستطلاع بأن 4.7 % من الذين شملهم الاستطلاع يؤديون قيادة بن لادن، وأن 48.7% لديهم رأي إيجابي في خطابه. وقد فسّر القائمون على الاستطلاع التناقض في الردود وخصوصاً حول الموقف المزدوج من زعيم تنظيم القاعدة بوصفه قائد تحرري يناضل من أجل كرامة العرب والمسلمين من جهة وشخصية تتسم بالدموية والتطرف من جهة ثانية، كما تظهر ذلك صور الضحايا من الابرياء الذين سقطوا منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر وصولاً الى تفجيرات الرياض في نوفمير ومايو وما تلاها.

النتيجة الاخرى التي يصفها معدّو الاستطلاع بالمدهشة هي تلك المتعلقة بدعم الاصلاح السياسي في المملكة. وبحسب نتائج الاستطلاع فإن نحو 85 % من الذين شملهم الاستطلاع يعتقدون بأن الاصلاح السياسي مفيد للبلاد، وأن أكثر من 90 % يريدون منح المرأة المزيد من الحقوق، وأن 63 % يعتقدون بلزوم السماح لهن بقيادة السيارة.

يعتقد نوّاف عبيد المدير التنفيدي لمشروع تقييم الأمن الوطني السعودي، القائم على عملية الاستطلاع بأن هذه العملية كشفت عن مستوى الثقة التي يضعها السعوديون على المؤسسة الدينية الرسمية أو العلماء. فهناك أقل من 59 % دعمت هذه المؤسسة. وأن أكثر من 79.6 % يعتبرون البطالة الموضوع الأشد إلحاحاً . وفي الوقت نفسه بحسب عبيد فإن ليس هناك قضية أخرى ـ مثل الفساد، الاصلاح السياسي، التعليم، التطرف الديني ـ تجاوز العشرة بالمئة.

ثمة نقطة أخرى أتى عليها الاستطلاع حسب عبيد وهي انخفاض شعبية أو درجة المقبولية التي يتمتع بها الاصلاحيون الليبراليون حيث كان 11.8 % فقط ممن يحملون نظرة ايجابية إزاءهم، وهذا يتعارض مع التأييد الواسع للاصلاح السياسي. وقد أرجع عبيد هذا الفارق الى كون الاصلاحيين الليبراليين هم جهة غير معترف بها في المملكة شعبياً. أما الفارق الآخر حسب زعم عبيد وهو ما يستحق التأمل طويلاً أن (القيادة الحالية قد بذلت جهداً إصلاحياً واسع النطاق)!!. وبحسب تحليل عبيد للفارق الكبير بين تأييد الاصلاح السياسي وانخفاض مستوى التأييد للاصلاحيين (فبينما يدعم السعوديون فكرة الاصلاح، فإنهم كما يبدو يريدونها أن تدار من قبل القيادة الحالية). وقد نقل ما يوحي بتأييده لهذه الفكرة حيث ذكر بأن أحد المشاركين في الاستطلاع قال بأن لديه انتقادات عدة للعائلة المالكة، ولكن لا يعني ذلك بأنه يريد زوالها.   

في الواقع ان ثمة عمليات استطلاع أخرى قد جرت وإن لم تقتفي ذات المنهجية والاليات الدقيقة في مثل هذه العمليات، ولكنها بلا شك تقدّم صورة ولو نسبية عن إتجاهات الرأي في السعودية. فمن خلال انتقاء بعض عمليات التصويت التي جرت حول بعض الموضوعات ذات الاهتمام الخاص، والتي رعتها شبكة الاسلام اليوم، يمكن مقارنتها مع ما توصل اليه السيد نواف عبيد من نتائج لقياس اتجاهات الرأي العام في المملكة.

ففي الرد على سؤال حول ما اذا كانت اعمال العنف في السعودية ستتوقف بعد مقتل عبد العزيز المقرن وقد شارك في العملية 9181 صوتاً وجاءت النتيجة على النحو التالي: 3 % يعتقدون بأن اعمال العنف ستتوقف فيما يعتقد 93 % بأن العنف سيستمر، فميا تردد 5 % في اعطاء اجابة حاسمة.  إن هذه النتيجة لا تعكس رغبة المشاركين في استمرار وتيرة العنف فحسب، بل هي تكشف عن إنهيار خطير في الثقة في قدرة الحكومة على إنهاء ظاهرة العنف، وخصوصاً اذا ما تذكرنا بأن المشاركين في عملية التصويت هم من الناس القريبين من التيار الديني السلفي، ولربما تربطهم بجماعات العنف علاقات من نوع ما.

إن نتيجة التصويت بالدلالة التي يحملها فيما يرتبط بموضوع الثقة في الحكومة يتناقض مع ما اقترحه عبيد حول تعويل غالبية المشاركين في التصويت على القيادة السياسية في البلاد في ادارة عملية الاصلاح.

ثمة عمليتان أخريان، من بين عمليات تصويت عديدة يقوم بها الموقع المذكور، تكشفان عن موقف الرأي العام السعودي من الخطوات الاصلاحية الشكلية التي رعتها القيادة السياسية. فقد جاءت نتائج التصويت الذي شارك فيه 5565 صوتاً حول المؤمّل من جولات الحوار الوطني الثلاث وما اذا كانت ستخرج بنتائج عملية ملموسة في المجتمع السعودي على النحو التالي: 2.0 % أجاب بنعم فيما أجاب 94.0 % بـ لا 

من جهة ثانية، شارك 4005 في التصويت على مستقبل الخطاب الوسطي في السعودية بعد الأحداث الأخيرة وأجاب 98 % من المشاركين بأنه محبط فيما اكتفى 2.0 % بالاجابة بـ (لا أدري).

 تطمين قبل انفراط العقد

 عقد إثنان من أمراء العائلة المالكة لقاءً في إحدى الصالات بجدة مع ممثلين لمجتمع الوافدين في المملكة من أجل مناقشة المخاوف الامنية بعد شهرين من الهجمات المسلّحة التي أدت الى مقتل نحو 30 أجنبياً.

وبحسب مشاركين فإن اللقاء ضم  نحو 50 دبلوماسياً ومديراً في شركات أجنبية بحضور كل من الامير سعود الفيصل وزير الخارجية والامير محمد بن نايف نائب وزير الداخلية والمسؤول الأول عن مكافحة الارهاب في الوزارة، وقد اتسم اللقاء بالدبلوماسية أكثر من مقاربة مباشرة للتهديد الأمني الذي يتعرض له الاجانب في المملكة. وبحسب مسؤول اداري في المدرسة الدولية الاميركية في جدة السيدة جورجين ويد (أعتقد بأن الخطوة كانت رائعة ولكن جرى التقليل من شأن خطورة المشكلة لدى الحضور) وقد لاحظت بأن عدداً من كبار المدراء الاميركيين الكبار لم يخبروا الامراء بأن شركاتهم قد أصدرت أمراً لعوائل الموظفين بمغادرة البلاد. 

وفي مؤتمر صحافي قصير بعد جلسة الاحد، والذي استغرق مدة ساعتين قال السفير الاميركي جيمس أوبرويتر بأن الموضوعات تشتمل على حاجة ملحة لتدريب أفضل وتجهيز لقوات الامن السعودية، ونظام أمني أفضل في بعض المجمعات، والمزيد من المعلومات من قبل وزارة الداخلية حول التهديدات والهجمات، وهكذا تزويد الوافدين الاجانب بوسيلة ما للاتصال بقوى الامن السعودية بصورة مباشرة في الحالات الطارئة.

ويقول السفير الأميركي بأن الكثير من الوافدين سيبقون ويريدون البقاء ولكنهم قلقون حيال أمنهم، وقلقون إزاء الكفاءة النوعية لحياتهم. ولكن هناك من قال بأن رؤوساء الشركات،  في ظل فرصة نادرة مع الاميرين للاعراب عن ملاحظاتهم النقدية والمظالم التي يشعرون بها، استغلّوا اللقاء لتسليط الضوء على المشاكل الأقل أهمية مثل العقبات البيروقراطية المتبعة في الحصول على فيز العمل لموظفي الشركات.

واحدة من الموضوعات التي جرى التداول فيها كانت تدور جول ما اذا كان بالامكان وجود حرس مسلّحين داخل المجمعات السكنية المغلقة حيث يقطن عشرات الآلاف من الغربيين، والتي اختارتها الجماعات المسلّحة باعتبارها أهدافاً لعملياتهم العسكرية. وكان الامير نايف قد صرّح عقب سلسلة الهجمات التي تعرض لها الاجانب في الرياض مؤخراً بأنه سيسمح للوافدين من بلدان أجنبية في الحصول على رخص حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم حيال هجمات مسلّحة محتملة قد يتعرضون لها.