العدد  18 يوليو 2004

 

إتهامات للإصلاحيين بترويج العنف: عنزة ولو طارت

 تكشف الأنباء المتسرّبة عن محاكمة الإصلاحيين، بأن إحدى التهم الموجة لهم هي ترويجهم للإرهاب!

هل يعقل هذا؟

نعم.. في مملكة اللامعقول واللاقانون!

أساتذة جامعات ونخب مثقفة، يكتبون عرائضهم وينشرون مقالاتهم على الملأ مطالبين بالإصلاح تجنّباً للعنف وانزلاق البلاد الى مهاوي الإرهاب.. يصبحون بين ليلة وضحاها دعاة عنف ومروجين للإرهاب!

لو اتهم بذلك المفتي نفسه وأعضاء هيئة كبار العلماء بذلك، لوجدنا مخارج عديدة (وليس مخرجاً واحداً) يبرر الإتهام، كون هؤلاء ـ بوعي منهم أو بدون ـ يروجون لفكر التطرّف والعنف، ويؤسسون أيديولوجيا القهر والإرهاب، وأنهم يحتضنون ويحثون في فتاواهم على كثير من الأفعال التي تدخل في إرهاب المجتمع والتحريض على الدولة.

أما أن يُتهم الإصلاحيون هؤلاء، الذين ما قدّموا عرائضهم ومطالبهم إلا إشفاقاً على المجتمع من تغوّل العنف والعنف المضاد، هؤلاء الذين عرضوا دواءهم السلمي لأزمة الدولة والمجتمع، ولتجنّب العنف القادم بسبب انسداد الأوضاع السياسية والإقتصادية.. أن يتهم الأكاديمي والناشط السياسي وهو يضع حلوله للأزمة بأنه صانع لها، فهذا ما لم يكن بحسبان أحد!

لو وجه الإتهام للعائلة المالكة، ولوزير الداخلية نفسه، بأنه يحضّ على العنف، باحتضانه جماعاته، وبرعايته بالدعم والمال، وبعقده الإتفاقيات والصفقات المريبة من تحت الطاولة، إذن لكان الإتهام صادقاً، على الأقل فإن الإتهام سيكون صادقاً من جهة أن العائلة المالكة وعبر وزارة الداخلية وغيرها، رعت العنف وجماعاته وأفراده، ولم تدرك آثار ما تفعل. إن الدولة كلها متهمة بانتاج العنف، وعلى رأسها العائلة المالكة. وهذا اتهام صحيح لأبعد الحدود.

وإزاء الأدلة التي تورّط الدولة ووزارة الداخلية والأجهزة الدينية المختلفة وكذلك الإعلام والمؤسسات التعليمية السلفية وصناع القرار السياسي، تورطهم في صناعة العنف، وتوفير مفرخة الإرهاب وبيئة التطرف، وتورطهم في استخدام العنف ضد الآخر داخل الحدود وخارجها.. ما هي أدلّة السلطات الأمنيّة على أن الإصلاحيين يقفون وراء العنف، في الوقت الذي ندرك جميعاً بأنهم غير أثيرين لدى التيار السلفي المتطرف وحتى المعتدل منه فضلا عن الوسطي ممثلا في العواجي الذي تبرع بالتنديد بهم، رغم أنه أحد الموقعين على العريضة الدستورية!، وزيادة على ذلك فإن الموقف الديني الرسمي يقف ضدهم؟ كيف نضع ضحايا العنف والتطرف ممن أفتوا بقتل الإصلاحيين وممن حمتهم الدولة ولم تحاسبهم على أفعالهم الماضية والحاضرة، بل كافأتهم بالمزيد من الدعم والرعاية، كيف نضع أولئك في خانة واحدة مع العنفيين أو أن يصبح الضحايا رعاة لأولئك، ومحرضين لهم؟!

هذا ما لا يقبله العقل، ولا المنطق السليم. خاصة وأن الجميع يعلم ان العنف مصدره واضح، وتوجهاته ومستهدفاته واضحة، إنه عنف وهابي نشأ من وسط البلاد برعاية السلطة. وهو عنف يكفر معظم الإصلاحيين ويفتي بقتلهم في فتاوى معلومة ومنشورة.

الدليل الذي تلوح به الحكومة أوهى من بيت العنكبوت، وهي تعلم بضعف الدليل، ولكنها تريد بأية حال اعتقال الإصلاحيين ولا تهمها التهمة. دليلها (القوي) هو أن العريضة الدستورية حوت هذا المقطع:

(إن الإخلال بالشورى الشعبية أدى إلى مفاسد كبرى حاضرة، على المجتمع والدولة، وسيؤدى إلى مخاطر عظمى متوقعة، وكل ما يضر بالأمة والدولة، فإنما هو مضر بالملة، وكل ما أخل بالملة، فإنما هو إخلال بأصل عظيم من أصول الدين).. وقد استند الأمير نايف ومحققوه على هذا النص في اتهام المعتقلين بأنهم يحرضون على العنف!

ها هنا تتجلّى العبقرية السعودية والعدالة السعودية بأوسع معانيها!

الغريب أن العريضة الدستورية نفسها حوت هذا النصّ اللافت، الذي يردّ على وزير الداخلية والمحققين:

(إن مناخ الانفتاح للمشاركة الشعبية، ولا سيما حرية التفكير والتعبير المسئولة، هو التربة الطبيعية لنمو الاعتدال في الأفكار والأعمال، وهو المحضن الذي يسمح بانتشار خطاب ديني أصيل يتسم بالاعتدال، عندما يعاد تأسيسه على الكتاب والسنة، لأن الإسلام مشروع سمو روحي ومدني معا، لخيري الدنيا والآخرة معا،، فيحقق الشورى والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية والوطنية، والتواصي بالحق وكل مكارم الأخلاق، وعندما يعاد التأسيس في أفق مفتوح؛ يتحقق في المجتمع رفض الغلو في التكفير والتبديع ونبذ العنف، وتترسخ فيه ثقافة التسامح والتعددية، في إطار الهوية الوطنية الجامعة. لن نستطيع عمليا أن نقول: لا للعنف إلا إذا قلنا: نعم للمشاركة الشعبية والتعبير الأهلي المدني السلمي، تعبيرا وتجمعا حرا سلميا مسئولا).

إن ما يجري للمعتقلين الإصلاحيين مهزلة بكل المعاني، ونتمنى أن يطلع العالم على الإتهامات الموجهة ومحاضر التحقيق ليكتشفوا كم هو القضاء السعودي مستقل، وكم هي العائلة المالكة راغبة في الإصلاح!