العدد 17 يونيو 2004

العراق الشمري ليس أقلّ إخافة من العراق الشيعي والهاشمي!

السعودية وحيرة العلاقة مع الحرف (ش)

 د. خالد الرشيد

 أزمة المملكة مع حرف (ش) في العراق، هي امتداد لأزمتها معه (أي مع الحرف ش) في الداخل. وما لم تتم هيكلة الحكم وهويته وتجري الإصلاحات الشاملة، فستبقى المملكة رهينة ظروف تأسيس وحدتها، وقد تؤدي الى تمزقها.

 حائل ـ كما يصفها مارسيل كوربرشوك في كتابه (البدوي الأخير) ـ هي مركز جبل شمّر، موطن تحالف قبائل شمر التي تمتد نحو العراق وسوريا، وينتمي اليها حسب الشمريين أنفسهم نحو مليون فرد على الأقل، وبخلاف قبائل أخرى، فإن مركز الثقل لم يتغير في شمر على مر القرون... وكان جبل آجا حزام النجاة الذي طالما تشبثت به شمر بينما كانت القبائل الأخرى تجرفها رياح سكانية عاتية في البحر الصحراوي من حولها. ويلاحظ هذا حتى في اللغة: فلهجة شمر تتميز عن لهجات جميع القبائل المحيطة. وهذه المدينة الساحرة، حائل، المدهشة في نظافتها، وعروس الشمال كما تسمّى، لاتزال تقدم تحياتها الى قبر طي، أبي شمّر، ولاتزال تشعر بتميّزها القائم على خصائصها الذاتية، وتراثها السياسي الذي طبع الجزيرة العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين، وكان لها دورٌ مشهود في تاريخ الجزيرة العربية في جاهليتها وإسلامها.

تراث شمّر السياسي كما الثقافي، لايزال ممنوعاً في المملكة، حتى شعر المديح النبطي القديم لا يذكر في العلن، كقصيدة دندن الفهيم الذي يمتدح فيها مطلق الجربا ويطلب عونه، وكان للتوّ قد غادر حائل وقطن بأحد أفرع القبيلة في العراق. فلاتزال شمّر تصنّف عند السعوديين من بين ألدّ الأعداء وأخطر المنافسين. كيف لا وقد كانت القبيلة الحاكمة التي قهرت الأمراء السعوديين طوراً وقهرتهم أطواراً أخرى، ولم يكن هناك من منافس قوي في نجد للعائلة المالكة الحالية إلا (شمّر).

كانت نتيجة الهزيمة الأخيرة التي تجلت بسقوط حائل في عام 1922م، أن تدفقت الهجرة الثانية الكبيرة من نجد الشمال الى العراق، وسيقت القيادة الرشيدية أو من تبقى منها الى الرياض ليعيشوا فيها تحت نظر الأمير السعودي، الملك فيما بعد، عبد العزيز آل سعود. وتحوّلت (حائل) عاصمة نجد السابقة الى ما يشبه القرية، ورغم التطور الكبير الذي جاء به التحديث في المملكة خلال العقود الأربعة الماضية، لم تزد حائل عن محافظة صغيرة، ينظر اليها بعين الريبة من حلفاء آل سعود، وبالخصوص في (القصيم).

وحسب تعبير كوربرشوك، فإنه بعد الإستيلاء على جبل شمر (نزحت موجة جديدة من شمر الى العراق لمواصلة القتال ضد الوهابيين والسعوديين من هناك. وفي العربية السعودية الحديثة، فإن أي إشارة الى هذا الماضي المشحون بين شمر والسعوديين إنما هي من المحرمات، ولكن هذا ليس من شأنه إلا إبقاء الذكرى حيّة. والى نحو عشرين عاماً خلت لم يكن مسموحاً للشمري بالعمل، على سبيل المثال، في صناعة النفط في الخليج). ولهذا اضطر كثير من الشمامرة الى الإنتماء الى قبائل أخرى كعتيبة لينالوا في بطاقتهم المدنية الحرف (ع) التي يرمز الحرف اليها بدلاً من الحرف (ش) الذي يرمز الى شمر.

الهجرة الشمرية الأولى من حائل كانت في 1791م، وقد جاءت إثر هزيمة عسكرية قتل فيها القائد الشمري المعروف بلقب (حصان إبليس) حيث مزّق الوهابيون جسمه الى قطع، فاضطرت القبيلة الى الإذعان، إلا فرع (شمر الجربا) بزعامة مطلق الجربا الذي هاجر الى العراق، ثم تلتها موجات أخرى لم تستطع التعايش مع السعوديين الوهابيين. ولهذا، فإن هناك من بين النجديين من لا يضع حائل ضمن المحيط الجغرافي لنجد، كرهاً لأهل حائل وشمّر قاطبة، وقد قرأ شوربورك شعارات معادية لشمّر تقول: (اللعنة على كل شمر، حتى على جنينهم في بطن أمه). إن نجداً تنقسم الى ثلاث مقاطعات من الشمال حائل والوسط القصيم والجنوب الرياض. وقد تحالفت القصيم بتجارها ورجال دينها ـ الذين يتزعمون المذهب الرسمي للدولة ـ مع العائلة المالكة، حيث رأت أن خيارها ومصالحها مرتبطة بمصالحهم، وكان سكان حائل قد نافسوا سكان القصيم في التجارة المغادرة الى الشمال (دمشق وفلسطين) الأمر الذي سبب لهم صداعاً كبيراً.

الهويّة الشمرية لاتزال حيّة قوية جامحة، يزيدها الإقصاء السياسي، والتمييز القبلي، والقمع الثقافي تجذّراً وتشدّداً مقابل الهوية المذهبية الوهابية والسعودية. وقد اكتشف شوربورك في زيارته لحائل بأن هناك صمتاً يائساً قد يكون دليلاً ضمنياً (على أن النزعة الشمرية لم تُخل الطريق حتى الآن للهوية السعودية). ولعلّ الرقابة الحكومية على التراث القبلي الشمّري بوجه خاص، ما يؤجج النفوس، خاصة اذا ارتبط في الوقت نفسه بتشجيع الحكومة لتراث القبائل الموالية لها والمعادية لشمر مثل (عنزة) حليفة السعوديين. وفي الوقت الحالي لا يُسمح بنشر أي من شعر شمر، حتى لو لم يكن شعر حرب قديم، فأي شيء يرتبط بالقبيلة أو بزعمائها السابقين ممنوع، بل أن مجرد ذكر إسم (آل رشيد) يعد من المحرمات في حائل بالرغم من مرور ثمانية عقود على (قهر المدينة) حسب تعبير شوربورك، وبالرغم من أن ما تبقى من أفراد آل رشيد قد أجبروا على مغادرة حائل وتم نقلهم الى الرياض، وحين أفرج عنهم منعوا من مجرد دخول المدينة ـ حائل ـ فضلاً عن التدخل في الشأن السياسي، وقد هرب بعض زعماء القبيلة الى المنافي العربية والأوروبية.

لكن التراث الثقافي والسياسي العميق للقبيلة لا يمكن أن يموت بسهولة، خاصة اذا ما تواصل مع محيطه الطبيعي في الجوار الشمري في العراق وسوريا. فالتراث يحفظ عبر (التربية) المنزلية، والإجتماعات الخاصة المغلقة لأفراد القبيلة، والتي لا يفيد فيها التعليم الرسمي والتضليل الذي تحويه كتب التاريخ السعودي الحديث، كما لا تفيد معها وسيلة التستر والتمويه على المعلومات التي لا تتفق مع الصورة المثالية التي ترسمها العائلة المالكة. وحسب شهادة شوربورك فإنه وبغرض (الحفاظ على الإحساس بالمشاعر القبلية حيّة... تعقد شمر اجتماعات سرية يفضل أن تكون في كثبان النفوذ شمال حائل. وفي بقعة لا يستطيع أن يعثر عليها في ظلام الليل إلا البدو، تقام خيمة ضخمة مصنوعة من شعر الماعز، وفي الأمسية المتفق عليها تحضر سيارات الجيب من طراز تويوتا شاقة الطريق على إطاراتها العريضة المصممة للرمل. ويُزين الموضوع الرئيسي للمنتدى القبلي بالضأن المشوي وبراميل من الشاي والقهوة. ويجري إحياء المحاربين القدماء الذين عاش بعضهم في زمن معركة واترلو، ويُستثار الحاضرون بأفعال الغدر وخرق أعراف الصحراء المبهمة بقدر ما هي أزلية، لتبقى ذكراها حية بتوارثها من جيل الى آخر. وتُفتح جروح قديمة ويدعك فيها الملح بلا حساب، وتنهض ثعالب صحراوية صعبة المراس وتلقي أناشيدها في مدح قبيلتها وذم عنزة وسط تصفيق حاد داخل الخيمة. ولأمسية واحدة يعود الوضع كما كان عليه من قبل: شمر فوق الجميع). ومع أن الحكومة تعلم ما يجري، إلا أنها لا تستطيع منع كل شيء، كما لا تتدخل إلا إذا هددت الأمور بالإنفجار، فتقوم باعتقال (المغالين شعرياً!) ووضعهم في الزنازين.

في الجزء السياسي لا تكتفي العائلة المالكة بتهميش سكان حائل وشمر عامة من المناصب بشكل شبه كلّي، ولم تكتف بتطفيش قيادة القبيلة وأفرادها الى خارج الحدود أو وضعهم تحت الإقامة الجبرية، ولم يكفها أنها جعلت إمارة حائل ومن يديرونها في الجملة من غير أبنائها على رأسهم أمير سعودي.. بل أن شمر التي تحول معظم ابنائها الى سكنى القرى ومالوا الى الإستقرار بسبب تغير المناشط الإقتصادية، عمدت الحكومة ولاتزال الى إناطة الإدارة المحلية في القرى (في الشرطة والبلديات وغيرها) الى (غرباء لا يدينون بالولاء إلا لها) وغالباً ما تتسم نظرة مشايخ القبيلة المحليين الى هؤلاء بالإستهجان، ويحاولون توسيع دورهم المحلي وتهميش دور ممثل الحكومة قدر الإمكان في التدخل في شؤونهم الخاصة.

وفي المجمل لا ينظر الشمريون الى الملوك والأمراء الحاليين والماضين بعين الحب والتقدير. الفرد الوحيد الذي شذّ عن هذا التصنيف هو الأمير عبد الله ولي العهد السعودي، بالنظر الى أن أمه شمرية وهي الفهدة بنت العاصي بن شريم، والذي يتعمّد أحياناً الإشارة الى ذلك في لباسه للعقال مائلاً منكساً بعض الشيء نحو المقدمة، وهي الطريقة الشمرية في لبس العقال، في حين لا يراه كثير من الشمريين أحد أمراء البيت السعودي، وأن سياساته لا تختلف عن الآخرين، خاصة فيما يتعلق بأبناء شمر. ويبرهنون على ذلك بأن عدداً من مشايخ القبيلة وأفرعها، من الذين تعودوا قطع الحدود العراقية السعودية حيث مضارب شمر، لم يعودوا قادرين على العودة الى ديارهم في حائل حيث يقطن نصف أبناء القبيلة الكلي الموزع بين السعودية والعراق وسوريا. ولازال الكثير منهم يعيش على الحدود والقليل منهم منحوا مجرد (حق الإقامة) وليس الجنسية؛ عكس هذا حدث لعنزة حليفة السعوديين حيث يحظى أفرادها القادمون خاصة من سوريا بالترحيب ومنحهم الجنسية بسرعة بالنظر الى ولائهم السياسي.

 العراق الشمّري ـ الشيعي

 منذ سقوط النظام العراقي في ابريل 2003، ونظراً لضعف المؤسسات المدنية والحزبية السياسية، كان من المتوقع أن يحتلّ مشايخ القبائل ومشايخ الدين موقعاً طاغياً في الخارطة السياسية، ريثما تقوم مؤسسات المجتمع المدني، ويعاد تثقيف الجمهور سياسياً. الإنتماءات الطائفية والقبلية انفجرت بانفجار الدولة العراقية، ولم يكن هناك من انتماءات تلملمها سوى الإنتماءات الطبيعية (القبلية والعرقية والطائفية) وإن بدت للبعض بأن تلك الإنتماءات تمثل عنصر أزمة كامن في الثقافة العراقية ومعوق كبير للإنتماء الوطني العراقي.

بيد أن الصورة ليست بتلك السوداوية، فالإنتماء الوطني تمّ تحطيمه قبل أن تتحطّم الدولة العراقية ويسقط النظام العراقي الذي كان يرفع شعاراً وطنياً ويعمل من تحته على تقوية الإنتماءات القبلية والطائفية بممارساته، حتى أصبح الأمر سياسة رسمية خاصة بعد ما سُمي بحرب تحرير الكويت. ولهذا فإن من الطبيعي ـ أو لنقل المتوقع ـ أن تعاد هيكلة الهوية العراقية بالعودة الى مكوّناتها المجتمعية، بالشكل الذي يحفظ وحدة العراق السياسية.

بهذه المقدمة يمكن تفسير وصول الشيخ (الشمّري) غازي عجيل الياور الى رئاسة الدولة العراقية. أما لماذا شيخ شمّر وليس شخصاً من صلب المؤسسة السنيّة العراقية (مثل عدنان الباجه جي) أو حتى شيخ آخر من شيوخ القبائل العراقية، فإن ذلك قد تفسره عوامل عديدة ومتشابكة، لها ارتباط بطبيعة تركيبة مجلس الحكم العراقي، والإنتماءات التي تتناوشه، وكذلك لطبيعة شمّرالتي تحتضن أفرعها المنتمين طائفياً (شيعة وسنّة) فضلاً عن قربها وعلاقاتها الحسنة مع القبائل الكردية.

نقدم هذا كمدخل لفهم تأثيرات الوضع في العراق على المملكة العربية السعودية. فبعض أفرع شمّر تحولت أثناء هجرتها الى العراق الى المذهب الشيعي، ونخص هنا بالذكر (شمّر طوگه) الفرع المشهور؛ وبالتالي لم يكن وارداً لشمّر ـ حتى في المملكة ـ أن تكون متطرفة دينياً ضد الشيعة، بالرغم من أن واحدة من أدوات الحشد لضرب شمر والتي قام بها السعوديون في العشرينيات الميلادية من القرن العشرين هي تأجيج المشاعر الوهابية لوجود بعض التجار (المشاهدة) في حائل، وبالتالي أصبح كل سكان حائل كفرة يجوز قتلهم. ومعلوم أن هناك ـ حتى في المملكة ـ في المنطقة الشرقية، عائلات من أصول شمريّة تعتنق المذهب الشيعي.

حين سقط النظام العراقي، كان من المتوقع أن يحدث تأثير على الوضع السعودي على خلفية الإنتماءات القبلية والمذهبية (إضافة الى تأثيرات دولية واقتصادية واقليمية عامة كبيرة ومؤثرة). فتحرير إرادة الأكثرية الشيعية في العراق، وإدماجها في السلطة بعد أن كانت مهمّشة، واعتبارها اللاعب الأكبر في السياسة العراقية القادمة.. كان لا بدّ أن تعطي زخماً قوياً لنظرائهم الشيعة في مناطق اخرى من العالم، وخاصة في المملكة، ممن يعيشون أوضاعاً مماثلة تتسم بالتأزم مع السلطات القائمة، بفعل عوامل التمييز الطائفي والتهميش السياسي.

كذلك فإن صعود دور القبيلة وشمّر بالذات، عبر تولي الشيخ غازي عجيل الياور لرئاسة الجمهورية، وما ينتظر القبيلة في المستقبل عبر الإنتخابات، أذكى وسيذكي مشاعر الشمريين في المملكة الذين يشعرون بالإضطهاد وثقل التاريخ المليء بنوازع الزهو والفخر القبلي من جهة وكذلك نوازع الغضب والألم وربما الإنتقام التي تراكمت على مر العقود الثمانية الماضية، من جهة أخرى.

ورغم أن تعيين الياور استهدف منه، تقوية اللحمة بين مكونات المجتمع العراقي، واعطاء إشارة الى دول الجوار لما سيكون عليه العراق في المستقبل، خاصة وأن الياور قد قضى سنوات من عمره في المملكة وتعلم في إحدى أهم جامعاتها (البترول والمعادن في الظهران).. إلا أننا نميل الى أن وصول الياور قد لا يكون مرحباً به في المملكة، نظراً لما يثيره صعود قبيلة شمر السياسي في العراق من تأثيرات جادّة على الوضع المحلي السعودي. صحيح أن الياور بهدوئه وانتقائه لكلماته قد سعى لطمأنة دول الجوار في تصريحاته، وصحيح أن حكومة المملكة كانت من أول المبادرين الى تهنئته برئاسة الجمهورية، إلا أن الحكومة السعودية تدرك حقيقة مشاعر شمر الداخلية، ولا بدّ انها لمست عظم الفرحة بين الجمهور الشمري، والإحتفالات غير المكتومة في البيوتات الخاصة في حائل، وعودة الروح المتحدية بعد أن أصبح العراق بنظر هؤلاء ظهراً وسنداً سياسياً، وملجأً نفسياً وعملياً في الشدائد.

المملكة تظهر نفسها أنها غير قادرة على التعايش مع العراق بنسخه المتعددة على مر الأزمان، منذ أن قامت الدولة العراقية.

فهي لم تكن على وئام مع العراق الهاشمي الملكي، لأن الأشراف ـ خاصة عبد الإله في العراق ـ ظلّ يناضل للعودة الى الحجاز (السليب) كما يذكر وزير العراق المفوض لدى السعودية آنئذ، أمين المميز. فالعائلة الهاشمية تريد العودة الى منبعها وجذورها في مكة، وحتى هذا اليوم لم تمت أحلامها، ولا أحلام بعض مؤيديها من الحجازيين. وحين ظهر الشريف علي كمرشح لحكم العراق قبل سقوط صدام، كانت المملكة تقدم رجلاً وتؤخر أخرى في دعمه، وكأنها لم تكن تريده سوى أداة لضرب صدام وليس لحكم العراق، وهو كابوس لم تكن تريده أن يقع.

والمملكة كما هو واضح لا تريد عراقاً تحكمه أكثريته الشيعية، قد تنثر الملح على الجراح الشيعية المحلية. كما لم تقبل أن يكون للعراق وجه تعددي بحضور كردي، خشية تصاعد النزعة الإنفصالية، ولهذا اتسمت علاقاتها مع الأكراد ـ كما الشيعة ـ بالسلبية والفتور حتى اليوم.

كان الخيار الطبيعي هو أن يكون العراق السنيّ العربي حليفها الإستراتيجي. ولكن هذا لم يحدث على مر تاريخ العراق. فالنخبة السنيّة كانت منافسة منذ نوري السعيد، ومتحالفة مع الهاشميين. أو أنها كانت ثورية قومية حاولت تصدير روحها الى الخارج منذ عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف الى صدام حسين.

وهكذا فإن المملكة تبدو غير مرتاحة لكل مكونات الشعب العراقي مع تفاوت في المواقف.

والحقيقة فإن الأزمة ليست في العراق بل في المملكة نفسها. إنها الأزمة التي تتمظهر في العلاقة مع الآخر العراقي. المملكة لاتزال بعد عقود من تأسيسها مرتعبة من التقسيم ومن احتمالات أن يعيد التاريخ نفسه. والمملكة وبسبب ضعف هويتها الوطنية تلتقط الخوف مبكراً ومكبراً على الصعيد السياسي، وقيادتها تعيش أزمة الإرتهان الى الدين بنسخته الوهابية الأمر الذي خلق لها عبوات تفجير بين مكونات المجتمع السعودي، وبين تلك المكونات ونظام الحكم، بل وعقد علاقة النظام مع جيرانه.

لو كان وضع المملكة مستقراً لحدث استرخاء وقلّت المخاوف على الذات مما يجري في العراق؛ لو كانت اللحمة الداخلية قويّة، وعلاقة النظام بفئات المجتمع صلبة ما خشيت تأثيرات تأتي من الخارج تتضخم في رأس صانع القرار ورؤوس أبناء المجتمع على خلفيات غير وطنية.

باختصار.. أزمة المملكة مع حرف (ش) في العراق، هي امتداد لأزمتها معه (أي مع الحرف ش) في الداخل. وما لم تتم هيكلة الحكم وهويته وتجري الإصلاحات الشاملة، فستبقى المملكة رهينة ظروف تأسيس وحدتها، وقد تؤدي الى تمزقها.