العدد 17 يونيو 2004

 إعادة هيكلة الدولة

 

لكثرة العطب في معظم أجهزتها وبنيتها وخطابها، فإن المملكة وصلت الى وضع لا تحسد عليه، ولا يمكنها حلّ أزماتها بالمسكنات أو بالحلول التدرجية.

ما يحدث هو أن كل مشاكل الدولة أخذت تنفجر دفعة واحدة بوجه المسؤولين، فأصبحوا مقيدين مذهولين غير قادرين على حلّ أي منها.

وكلما بدأوا بمشكلة اكتشفوا أنها مرتبطة بأختها وبابنة عمّها وصاحباتها الأخريات!

كلما حاولوا تقسيم المشاكل والبدء بالأسهل والأقل كلفة، ظهر حجم مهول من الصعوبات والعقبات في العقليات وفي أدوات الحل.

يبدأون بالحل الإقتصادي لبضعة أشهر ثم ينكفؤون، ويستلمون الملف السياسي ثم يهربون منه، ثم يعيدون الملف الأمني فيفشلون، ويفتح الملف الديني لكن ما يلبث أن يغلق بقرار، وتعطى الصحافة بعض الحرية ثم تسلب، وهكذا في عملية لا نعرف بدايتها من منتهاها.

بعض أنصاف المتعلمين يعتقدون بأن الأولوية للأمن، ومكافحة الإرهاب، وليس للإصلاحات. وهذا نابع من الجهل بالمشكلة، وبالتالي بطرائق حلّها.

فلو تدبّروا الأمر لوجدوا أن الإصلاحات السياسية والإقتصادية والفكرية هي أهم أدوات الحل لمشكلة العنف؛ وهي التي تمنع تفجّر الدولة من الداخل، وتحميها من الضغوطات الخارجية والتهديدات المستمرة بتكسيرها وتفتيتها.

ما تحتاجه المملكة هو إعادة هيكلة لكل الأفكار والإستراتيجيات والتصورات. إعادة هيكلة للذهنيات الحاكمة والمحكومة، وإعادة هيكلة العلاقة بين الدين والدولة، وإعادة هيكلة العلاقة بين مكونات المجتمع السعودي بعضها مع بعض وبينها وبين الحكومة، وإعادة هيكلة للسلطة السياسية ولخطط التنمية ولمناهج التعليم ولاستراتيجيات الأمن وغيرها.

الدولة السعودية بحاجة الى ولادة جديدة قبل أن تموت مختنقة بأمراضها الداخلية.

ولكن ماذا عسانا أن نصنع وهي محكومة بعقليات الماضي؟

كيف نقنع صانع القرار بأنه ودولته ونحن معه كمجتمع في خطر؟

هو لا يرى ذلك!

لا جيلهم القديم ولا جيلهم الجديد الذي يقولون أنه متعلّم!

أيعقل أن لا يوجد رجل رشيد، يخرجنا من عنق زجاجة العنف والفساد والتدمير والإحباط؟

نعم يعقل، وما علينا إلا مراقبة الآتي الأشد ظلاماً وسوداوية!