العدد 17 يونيو 2004

تردد في تعريف هوية حلفاء الدولة!

معركة السعودية مع الإرهاب

 د. أحمد بشارة*

 العملية الإرهابية الأخيرة في الخبر، نقلت موضوع الإرهاب في السعودية إلى مراتب جديدة، ويجب ان تحظى بالتحليل العلمي الهادئ، وبعيداً عن الشحن الإعلامي. فجرأة الإرهابيين في عملية الخبر، رغم عددهم المحدود وسيطرتهم على ساحة المعركة لأكثر من ست وثلاثين ساعة، والإمساك بأعداد كبيرة من الرهائن، ونجاحهم في الإفلات رغم الطوق الأمني الكبير وبأقل الخسائر.. جميعها مؤشرات تدل على تدريب محكم وقنوات اتصال آمنة وثقة كبيرة بالقدرات الذاتية.

بعد عملية الخبر، يستدعي التطور النوعي والكيفي للعمليات الإرهابية التي تشهدها ساحات المملكة العربية السعودية، المواجهة الصريحة والمكاشفة والتحليل. فإن كانت الحكمة في الماضي لدى كبار المسؤولين السعوديين تدعو إلى الصمت تارة والإنكار والتكذيب وحجب الحقائق تارة أخرى، فقد كشفت الأحداث الأخيرة عمق الأزمة. ولا ينفع إلقاء اللوم على الصهيونية أو المخابرات الأجنبية، أو تبريرها بأحداث العراق وفلسطين. فالمشكلة داخلية في الأساس ومعقدة ولا ينفع معها إلا مواجهة جذورها وقطع السبل على القنوات المغذية لها.

الملاحظ على السياسات الحكومية السعودية هو التعاطي الأمني مع الإرهاب بشكل أساسي. وهو لم يأت بالثمار المرجوة، بدليل استمرار العمليات الارهابية في وسط المدن الرئيسية وبطء القبض على المتهمين، رغم مرور أشهر طويلة. والجانب الإعلامي الرسمي والتعبوي يحمل إشارات خجولة في تعريف الإرهابيين. فتارة يُنعتون بـ (الشباب المغرر بهم) أو (أصحاب الفكر المنحرف)، وأخرى بـ (الفئة الضالة).. وهي تعريفات عمومية لا تفيد ولا ترشد الناس إلى هوية الإرهابيين أو التعريف بالفكر الذي يحملونه والذي يقود أتباعه من الشباب السعودي إلى الانتحار مع قتل الأبرياء وتدمير المصالح العامة.

ومن غير التعريف الدقيق والواضح بهؤلاء الإرهابيين وقاعدتهم الفكرية ودحضها واستنهاض المواطنين والمؤسسات الأهلية في المعركة.. ستظل غالبية المواطنين السعوديين، ومثلهم أبناء دول الجوار، في حيرة وقلق وبلبلة قد تقود إلى الحياد السلبي تجاه الأحداث. ومهمتهم ستقتصر على الشجب والاستنكار دون معرفة كافية ووافية. وستبدو المعركة مع الإرهاب وكأنها بين نظام الحكم وأجهزته الرسمية من جهة، والإرهابيين وأنصارهم من جهة أخرى، وهذا غاية ما تتمناه هذه الفئة، أي ان يتحول الصراع بين طرفين، كل منهما يستخدم أدواته المتاحة، ويستقطب فيها الإرهابيون الأنصار في حين تبدو السلطات الرسمية وحيدة.

من الخطأ ان يظهر النظام السعودي وكأنه يواجه المعركة وحيدا ومدافعا عن الحكم فقط. بكل اسف، هناك اشارات لهذا النهج من خلال التصريحات المنسوبة لكبار المسؤولين، خصوصا الامنيين، بأن التعامل مع الارهابيين سيكون بـ (السيف الباتر) و|(النزول الى الشارع)، وبغيرها من الوسائل الامنية الصرف. كما يرفض المسؤولون مساهمة الاصلاحيين السعوديين في المعركة من خلال التوعية والاعلام، بينما هؤلاء هم الرصيد الحقيقي للنظام، واستثمرت فيهم السعودية من خلال التعليم والبعثات والتأهيل، فالاعتقالات في الآونة الاخيرة لبعض الناشطين السياسيين من التيار الاصلاحي، وتعنيف الآخرين او حجب كتاباتهم، تنم عن تردد في تعريف هوية الحلفاء الطبيعيين للدولة، وابعاد غير مبرر للتيار الحريص على تطورها واستقرارها في مواجهة الارهابيين والتيارات السلفية المتشددة.

وفي مقابل هذا الاقصاء لقوى المستقبل، وجموع الشعب المسالمة، لا تزال الساحة السعودية مفتوحة على مصراعيها للمتزمتين، وغلاة الدعاة الذين يتسيدون على منابر المساجد وفصول المدارس والمؤسسات الاهلية المختلفة، ويجيرون اموال الزكاة والتبرعات لأغراضهم. وخطاب المتزمتين لا يختلف كثيرا عن الخطاب الذي يزينه الارهابيون للشباب، من حيث المفردات والاستعارة من التراث الديني والاسقاطات الفقهية. ولا نستغرب ان اختلطت الامور على الانسان العادي، وتبلبلت افكاره، وصار في حيرة من امره، مثلما بينت احداث الخبر سلبية المواطنين تجاه الحدث، الامر الذي يخدم الارهابيين كثيرا. ولا تكفي في هذا الصدد بيانات الاستنكار والشجب، ولا الادعية في المساجد، فالمعركة اكثر تعقيدا من هذه المواقف اللفظية، وفي جانب الاعلام السياسي والتوجيه الوطني، يلحظ المراقب خلطا مثيرا ومتناقضا حول العمليات في فلسطين، بين استنكار ودعم وتمجيد. فمنذ فترة دعا كبير خطباء السعودية بالنصر (لمجاهدي الفلوجة)، نعم، هكذا نعتهم! وتمنى عليهم الصمود، وبعد ان استنكر اعمال الارهاب في السعودية، عرج على الشيشان وافغانستان وغيرهما، وبارك اعمالهم، ودعا لهم بالنصر والشهادة، ومن المؤكد ان هذه الرسالة تتكرر في آلاف مساجد المملكة كل جمعة. كيف للانسان العادي ان يميز بين قتلة في الفلوجة يعرفهم خطباء المساجد الرسمية بالمجاهدين، بينما قتلة الرياض والخبر يعرفهم الخطيب بالمجرمين؟

والسعودية تملك ادوات اعلامية متعددة، مثل (الشرق الاوسط) و(الحياة) وعشرات المجلات. وهي تمتلك قناة (العربية)، المعروفة بمواقفها المنحازة للارهابيين في العراق، في الوقت الذي تسهم عبر اكثر من وسيلة في تأجيج مشاعر مشاهديها في كره الاميركان، وترويج اخبار بن لادن وبقية المنظمات الارهابية، وهنا يكمن التناقض: كيف يمكن للسعودية ان تحارب الإرهاب والفكر المتطرف على أراضيها بينما الخطاب الإعلامي المحسوب عليها، وعلى بعض المؤسسات التابعة لها، ينتصر للإرهاب والعنف ويحرض على البغضاء؟

لا شك ان السعودية تواجه تحديات كبيرة في المعركة مع الإرهاب. لكن المعركة الأكبر هي في تفكيك النفوذ الحالي للقوى الدينية، وإعادة صياغة العلاقات بين الدولة ومواطنيها، وإعادة بناء السلطات والمؤسسات والمجتمع وفق أسس ومتطلبات الدولة المدنية الحديثة، وتعديل الخطاب الإعلامي والسياسي كي يتوافق مع مصالح الدولة. لا خيار في هذا المصير، ولا توجد وصفة سحرية لتفادي المواجهة والتغيير.

* الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي في الكويت

(نقلاً عن القبس الكويتية، 1/6/2004)