العدد 17 يونيو 2004

 أحداث السعودية: الأسباب والنتائج

  الاحداث الدموية التي شهدتها مدينة الخبر السعودية، قاعدة الصناعة النفطية، تؤكد ان تنظيم القاعدة خرج، وبعد اربع سنوات من الحرب الامريكية ضد الارهاب، اكثر قوة وقدرة على الحاق اكبر قدر من الخسائر، المادية والمعنوية والبشرية، بالولايات المتحدة وحلفائها، سواء داخل العالم الاسلامي او خارجه.

بعد ان نجح تنظيم القاعدة في اخراج القوات الامريكية من قواعدها في المملكة العربية السعودية، ها هو الان يسير بخطوات ثابتة لاخراج جميع المواطنين الاجانب، وضرب البنى الاقتصادية التحتية والفوقية للنظام، تمهيدا لنسف قواعده السياسية والامنية.

وصول خلية القاعدة الى مدينة الخبر واستهدافها تجمعا للاجانب من العاملين في الشركات الغربية، وبعد اقل من اسابيع معدودة من عملية مماثلة في ميناء ينبع قاعدة الصناعات البتروكيماوية والنفطية الاخرى، يعطي دليلا اضافيا على انها تخترق كل الحواجز والاجراءات الامنية المشددة المتبعة حاليا، وتستطيع الوصول الى الاهداف التي تريدها بسهولة ويسر.

وهذه الضربات الموجعة لتنظيم القاعدة، من حيث التخطيط والتنفيذ، تعود الى واحد من ثلاثة اسباب رئيسية، اولها ان الامن السعودي مخترق بالكامل. وثانيها ان رجال الامن غير مقتنعين وبالتالي غير راغبين في الدفاع عن النظام والموت في سبيله. وثالثها ان هذه القوات غير مؤهلة للتعامل مع اخطار يشكلها تنظيم عقائدي اصولي يملك خبرة عملياتية واسعة مثل تنظيم القاعدة، وربما لا نبالغ اذا قلنا ان فشل قوات الامن والجيش في القاء القبض على محتجزي الرهائن، ونجاحهم في مغادرة الموقع رغم الحراسة والطوق الامني المشددين، يعودان الى العناصر الانف ذكرها مجتمعة.

الحكومتان السعودية والامريكية خسرتا الحرب ضد تنظيم القاعدة ولاسباب مختلفة، ويمكن ايجاز اسباب خسارة النظام السعودي في ثلاثة اسباب ايضا:

اولا: الاصولية الاسلامية التي يتبناها تنظيم القاعدة، هي نفسها التي تبناها النظام السعودي على مدي السبعين عاما الماضية، ولهذا فالتنظيم ظل وفيا لعقيدة النظام، بينما تراجع النظام عنها بطريقة فجائية وتحت الضغوط الامريكية، وهو المعروف عنه بالتدرج والتأني في تغيير السياسات او استبدالها. ولذلك وجد التنظيم نفسه يعمل في بيئة مؤيدة، وليست رافضة داخل المملكة العربية السعودية.

ثانيا: النظام السعودي استخدم سياسات قصيرة النظر في التعامل مع تنظيم القاعدة وزعيمه، وساهم بدفعه الى العنف المسلح، سواء عندما فشل في استيعاب عناصر التنظيم بعد انتهاء مهمتهم في افغانستان، وعودتهم الى بلادهم، او ممارسة الضغوط على الحكومة السودانية، وتجاوبا مع الحاح مصري، لابعاد الشيخ اسامة بن لادن من الخرطوم، بعد سحب الجنسية السعودية منه، والتذكير بأصوله اليمنية. فالشيخ بن لادن كان يمارس عملا اصلاحيا سلميا في السودان، ويكتفي بارسال البيانات الى الصحف، ولو بقي في السودان، ولم يذهب الى افغانستان، لما وجد البيئة الملائمة للتطرف، والعودة الى العمل المسلح.

ثالثا: النظام السعودي يؤمن مثله مثل ادارة بوش، بالحلول العسكرية في مواجهة التنظيمات المسلحة، وهي حلول اثبتت فشلها في افغانستان، ونجاحها في الجزائر استثنائي. فالجزائر دولة علمانية في الاساس، والاسلام العقائدي الثوري كان ردا على الفساد، بينما هو في السعودية اصيل ويمثل الاغلبية الساحقة، ويحظي بدعم الدولة منذ تأسيسها. النظام السعودي تعامل مع جميع معارضيه بالعنف، سواء المعارضة المسلحة، مثل تنظيم القاعدة، او جماعات المجتمع المدني المطالبة بالتغيير والاصلاح بالوسائل السلمية، فخسر الاثنين معا. ووجد نفسه دون اي غطاء شرعي حقيقي من القاعدة الشعبية، باستثناء بعض وعاظ السلاطين، واقلام معينة في الصحافة والاعلام الرسمي. بل ان بعض هؤلاء بات يخشى على نفسه، وسمعت الكثير منهم يرفض او يتهرب من اطلاق تسمية الارهابيين على مهاجمي الخبر اثناء مقابلاتهم مع قناتي الجزيرة و العربية.

الادارة الامريكية خسرت ايضا الحرب على الارهاب رغم توسيع نطاقها، وعشرات المليارات التي انفقتها عليها، لان غرور القوة أعمـاها عن اجراء تقييمات حقيقية لها، واستمعت الى بعض الخبراء العرب والمستعربين الذين يقـدمون لها النصائح والدراسات التي تناسب استراتيجيتها المعادية للعرب والمسلمين، وليست تلك التي تعكس الوقائع. ويمكن تلخيص اسباب خسارة امريكا لهذه الحرب في النقاط التالية:

اولا: توسيع دائرة الحرب على الارهاب بحيث تشمل العراق، الامر الذي صور الولايات المتحدة كدولة معادية تستهدف اذلال العرب والمسلمين. فالحرب لم تنجح في افغانستان من حيث القضاء على تنظيم القاعدة، واقامة نظام ديمقراطي قوي قادر على بسط الامن. والاكثر من ذلك ان الحرب على العراق هيأت مناخا افضل للقاعدة لمواجهة الامريكان مواجهة حقيقية، حيث يوجد 150 الف جندي امريكي وحوالي خمسين الفا من جنود تحالف الراغبين مما يشكل صيدا دسما للتنظيم وعناصره.

ثانيا: اثبتت الحرب في العراق وافغانستان ان قوة عظمى مثل الولايات المتحدة تستطيع ان تغير انظمة بالقوة العسكرية، ولكن من المستحيل هزيمة جماعات او منظمات متطرفة بالسهولة والسرعة نفسها وبالوسائل نفسها. فعندما توجد منظمة مثل القاعدة تملك خمسين فرعا في خمسين دولة، فانت لا تستطيع قصفها جميعا بقاذفات بي 52 او بصواريخ كروز.

ثالثا: العالم يعيش اليوم ديمقراطية التكنولوجيا وتجاوزها لسيطرة الدول ولحدودها. فمثلما استفادت المنظمات المعتدلة والانسانية من شبكة الانترنت مثل منظمة العفو واوكسفام، استخدمتها بنجاح ايضا تنظيمات عنفية مثل القاعدة، وهي على اي حال تكنولوجيا رخيصة جدا. فقد بات من السهل تبادل المعلومات والتوجيهات بين فروع تنظيم القاعدة في مختلف انحاء العالم في لحظات، كما سمعنا رواية عبد العزيز المقرن زعيم التنظيم في السعودية عن احداث الخبر بالصوت والصورة، الامر الذي اجبر الحكومة على تغيير روايتها حول اعداد القتلى والقبض على الخاطفين في دقائق معدودة.

رابعا: الادارة الامريكية الحالية تعيش حالة افلاس من حيث الافكار الخلاقة والرؤية الواضحة. فهي تتخبط في العراق، وتتكلس في فلسطين، وتناقض نفسها في احاديثها عن الديمقراطية، بحيث باتت مكروهة في العالم الاسلامي بأسره. فقد توقفت عن حديث الاصلاح الديمقراطي في السعودية بعد قبول حكومتها بالمشاركة بفاعلية في الحرب على العراق، وتخفيض اسعار النفط لتحسين حظوظ الادارة في الفوز في انتخابات الرئاسة، وخففت ضغوطها على النظام المصري بمجرد استئنافه الاتصالات مع حكومة شارون، وتعهده بضبط الامن في قطاع غزة. اما في العراق فبعد وعود بحكومة عراقية جديدة تستلم السلطة في اول الشهر المقبل، فاجأت العراقيين والعالم بانها لا تستطيع التعامل الا مع عملائها في مجلس الحكم.

نستطيع ان نقول، وباختصار شديد، ان الحرب الامريكية على الارهاب هي مثل مبارزة التنين الاسطوري (Hydra Monster) كلما قطعت له رأسا نبتت له ثلاث رؤوس اخرى. فامريكا قتلت 300 من اعضاء القاعدة في تورا بورا على اكثر تقدير، لكنها فوجئت بانضمام الآلاف الى التنظيم، وفوق هذا ما زال زعيمه ونائبه وادمغته الرئيسية احياء يرزقون ويخططون. وعندما تفضل الاغلبية الساحقة في الاردن وباكستان ـ وهما دولتان صديقتان لواشنطن وتتعيشان على مساعداتها ـ الشيخ اسامة بن لادن على الرئيس بوش، وفق استطلاعات رأي امريكية، فاننا نستطيع ان نعرف وبوضوح شديد من كسب الحرب على الارهاب.


عبد الباري عطوان

(القدس العربي، 1/6/2004)

 

******

جريمة (الخبر) تكشف اختراق الأجهزة الأمنية

 

لا تزال الأوساط السياسية والشعبية تعيش أجواء الأزمة التي خلقتها مجموعة منظمة من الإرهابيين عند احتجازهم لعدد من الرهائن في مبنى في منطقة الخبر شرقي المملكة العربية السعودية، والتي راح ضحيتها أكثر من عشرين قتيلاً و25 جريحا. الذهول الذي يعيشه الناس لم يأت، كما عبر أحد المراقبين، من بشاعة العملية وجرأة وتنظيم الإرهابيين فحسب بل أتى من قدرة أغلبهم على الفرار من المبنى الذي تحاصره قوات الأمن السعودية التي أخلت المباني المجاورة له وطوقت المنطقة بأكملها، وهو ما أثار الكثير من التساؤلات حول قدرات قوات الأمن وكفاءتها من ناحية واحتمال اختراقها من قبل المنظمات والجماعات الإرهابية من جهة أخرى. وترى الأوساط السياسية المراقبة في المنطقة أن أمر فرار عدد من الإرهابيين، وعدم تمكن قوات الأمن السعودية سوى من إلقاء القبض على أحدهم وهو جريح يعد أكثر أهمية من الحدث نفسه، رغم خطورة وبشاعة تفاصيله، هذا الأمر يعد مدعاة للمراجعة التامة لهذه القوات ومنتسبيها وأساليب عملها ليس في المملكة فحسب بل في جميع دول المنطقة.

وتضيف الأوساط بأن خشيتها هذه تأتي من كثرة الحوادث التي اشتبه وفي أحيان أدين فيها رجال أمن، وهي تتعلق بحوادث إرهابية كتلك التي حدثت في الكويت وراح ضحيتها عدد من الأجانب، بل، تضيف الأوساط، إذا ما أخذنا في الحسبان تلك القضايا الأمنية التي اتهم وأدين فيها رجال من القوات المسلحة سواء كانت أعمالا أخلاقية أو سرقات أو تهريب مخدرات وغيرها من الأعمال التي لا يمكن أن يتصف بها أناس أوكلت لهم مهام حفظ الأمن وقيل لاحقاً أنهم مختلون عقلياً لتخليصهم من تبعات أفعالهم. لذلك ترى هذه الأوساط أن على حكومات المنطقة إجراء مراجعة تامة ودقيقة لأجهزة الأمن فيها وإعادة بنائها بشكل ينسجم والمتطلبات الحالية بعد انتشار الإرهاب المبني على الفهم الديني والعقائدي، إضافة إلى تفكيك البيئة التي استند ولا يزال عليها دعاة التطرف والغلو وإلغاء الآخر بحجة تطبيق الدين، وهو الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في كثير من جوانب حياة هذه المجتمعات بما فيها التعليم والإعلام والأدوار التي يقوم بها كثير من المؤسسات الاجتماعية كالأسرة والمسجد والمدرسة والجمعيات الأهلية، وفي مثل هذه الأمور لا مجال، كما تؤكد الأوساط، إلى مواقف تبدو وسطية في نقدها للإرهاب وهي في الحقيقة تدافع عنه بحجج واهية وتبرر سلوك القائمين به لكونهم فئة ضلت الطريق فحسب.

الطليعة 3/6/2004

 

*******

 

كيري يحذر السعودية ويتهمها بدعم الإرهاب

 

في 29/5/2004، عبر المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية جون كيري عن تصميمه على مكافحة الارهاب اذا انتخب رئيسا للولايات المتحدة ووعد الامريكيين خصوصا بتدمير تنظيم القاعدة وضرب الائمة السعوديين الذين ينشرون ما أسماه عقيدة الارهاب الاسلامي، داعيا الرياض الى اتخاذ اجراءات عملية ضد رجال الدين هؤلاء، ومهددا ببساطة: لن نقيم العلاقات المعتادة مع السعودية.

وقال كيري في خطاب له: (لدي رسالة اليوم الى القاعدة او الى كل ارهابي يختبيء وراء اوهامها: نخوض انتخابات في امريكا، لكن ليس لأحد ان يشك في ان هذا البلد موحد في تصميمه على القضاء عليكم). واضاف: (ليكن ذلك واضحا جدا: عندما اصبح القائد الاعلى، ساطلق كل قوى الامة من اجل تحديد مكان شبكاتكم وتدميرها. سنستخدم كل الموارد المتوفرة من اجل تدميركم). وتابع: (عندما اصبح رئيسا سيكون هدفي الاول منع الارهابيين من الحصول على اسلحة للدمار الشامل ومهمتنا الاساسية ستكون شل وتدمير خلاياكم الارهابية) مؤكدا ضرورة نقل المعركة ضد العدو الى كل قارة.

ورأي كيري ان الوقت حان للجد في مسألة دور السعودية في تمويل القاعدة ومجموعات ارهابية اخرى ودعمها عقائديا، متهما ادارة بوش بالتساهل فيما يتعلق بتمويل الارهاب وتبييض الاموال المرتبطة به. وقال لا يمكننا الاستمرار في سياسة الادارة الحالية التي تتعامل بقفاز مخملي مع قضية تمويل الارهاب وتبييض الاموال المرتبطة به. واشار كيري خصوصا الى رجال الدين السعوديين الذين يشيدون بالعقيدة الارهابية. وقال: (ببساطة: لن نقيم العلاقات المعتادة مع السعودية)، داعيا الرياض الى اتخاذ اجراءات عملية ضد رجال الدين هؤلاء. واضاف ان العالم يريد اليوم امريكا محترمة وليس امريكا مخيفة فقط، داعيا الى بدء مرحلة جديدة من التحالفات في جميع انحاء العالم الذي تغير منذ هجمات 11/9.