العدد 17 يونيو 2004

مصادر تهديد وشيكة

النـفـط والـعنـف

 نشرت صحيفة يو إس أيه توداي في العاشر من مايو مقالاً بعنوان (الحقول السعودية مصدر حيوي لتزويد العالم بالنفط) للكاتب جيمس كوكس وفيما يلي ترجمة للمقال:

تعتبر السعودية المزوِّد النفطي الوحيد في العالم الذي لا غنى عنه. ولكن هل هي جديرة بالثقة؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه عدد متزايد من خبراء صناعة الطاقة ومراقبي الشرق الاوسط.

إن المملكة ترقد على أكبر بحيرة نفط في العالم، وأن بإمكانها ضخ أكثر من أي دولة اخرى. وخلال الثلاثين سنة الماضية من الحرب والنهوض السياسي، حاول السعوديون دون تسرب الهلع الى الاسواق العالمية من خلال ادارة الحنفية.

وفي هذه الايام، حيث يضخ المنتجون الآخرون بدون توقف، وعليه فإن مليوني برميل من النفط يومياً كطاقة انتاجية احتياطية لدى المملكة يعتبران المظلة الواقية الوحيدة للعالم الذي يستهلك 80 برميلاً من النفط كل أربع وعشرين ساعة. فقد كانت الاسعار تحوم حول 40 دولار للبرميل عقب الهجوم الارهابي الذي أدى الى مقتل خمسة مهندسين أجانب اضافة الى مواطن سعودي في ينبع، المدينة النفطية السعودية. فقد أثارالحادث الشكوك حول آهلية المملكة لأن تبقى كمزوّد، ولكن الشكوك حول السعودية قد تنامت لشهور. إن ما يريده مدراء الصناعة النفطية وخبراء الأمن هو الاجابة عن ثلاثة أسئلة:

 1ـ الى أي مدى هي آمنة المنشآت النفطية السعودية؟

(إن تخريب البنية النفطية في السعودية كالهجوم على سمك في برميل) على حد قول ضابط السي آي أيه السابق روبرت بايير في كتابه الذي صدر مؤخراً (النوم مع الشيطان).

إن لدى السعوديين 262 بليون برميل من الاحتياطات الثابته، أي 25 بالمئة من الاجمالي العالمي، وأن تسعة بالمئة من البترول المستهلك في الولايات المتحدة يومياً يأتي من السعودية، أي بما يقدر بنحو 15 بالمئة من واردات الولايات المتحدة.

إن لدى المملكة خمسة حقول ضخمة ترتبط فيما بينها بنحو عشرة آلاف وخمسمائة (10.500) ميلاً من خطوط الانابيب، معظمها تقع فوق الأرض. إن هجوماً منسّقاً على خمسة أو أكثر من حلقات الوصل الرئيسية في هذا النظام قد تؤدي الى إخراج السعوديين من تجارة النفط لمدة عامين، حسب ما كتب بايير. يقول الاخير

(إن نقاط الاختناق كثيرة وغير قابلة للحصر). ويخلص استنتاجه بالقول (إن هجوماً ناجحاً على مجمَّع رأس تنورة الضخم سيكون كافياً من أجل تركيع الاقتصاديات المدمنة على النفط في العالم، وستكون أميركا من ضمنهم).

لقد كشف عبد الله جمعة الرئيس التنفيذي السري لفترة طويلة لشركة أرامكو كشف مؤخراً بعض التفاصيل حول الترتيبات الامنية للشركة النفطية المملوكة من قبل الدولة في جهد لطمأنة المشكّكين والمرتابين. وقال بأن منشآت الشركة محميَّة من قبل خمسة آلاف حارس أمن. وعلى حد قوله (ليس هناك مكان في العالم تكون فيه المنشآت النفطية محمية كما هو الحال عليه في السعودية، وفي ارامكو السعودية).

يقول المتحدث بإسم السفارة السعودية في واشنطن، نائل الجبير، إن المملكة أمضت عقوداً من أجل تعزيز الامن وتنويعه. وعلى حد قوله (إن نفطنا قد يصدر من الخليج (الفارسي) أو من البحر الأحمر.. لقد أقمنا بدائل من أجل ضمان وجود كميات كافية من النفط في العالم، ومن أجل دخلنا ومستقبلنا.

إن تلك التطمينات لم تحقق سوى قدراً ضئيلاً من التأثير بالنسبة لمصرفي الاستثمار المقيم في هيوستن ماثيو سيمونز والمتخصص في مشاريع النفط والغاز. يقول بأنه كان قلقاً بسبب الامن السعودي الهزيل في المعمل النفطي الضخم في بقيق. فمن أجل تحطيم شبكة النفط السعودية، يقول سيمونز (كل ما تحتاج فعله هو أن تشعل حريقاً هائلاً في بقيق.. فإنها تحاط بسور رابط حولها، إن الاسوار الرابطة هي ليست على وجه الدقة خط ماجينوت).

 2 ـ ماهو مدى ثقة العائلة المالكة بقبضتها على السلطة؟

إن هجوم ينبع وقع في مصفاة تملكها شركة تابعة للدولة وشركة اكسون موبيل. وقد ألقت سلطات سعودية متعددة باللائمة على تنظيم القاعدة، وعلى سعودي مطارد كان يعتقد بأنه في لندن، وعلى الصهاينة وعناصر خارجية أخرى. إن الهجوم كان عملاً داخلياً: ثلاثة أو أربعة من المسلّحين عملوا في قطاع النفط في مدينة ينبع استغلوا بطاقات أذن التصريح بالمرور للتسلل الى المنشآت البتروكيميائية هناك.

لقد استهدفت القاعدة والمجموعة المسلحة السعودية المتعاطفة معها المنشآت النفطية في المملكة السعودية كوسيلة من أجل الاطاحة بالعائلة السعودية المالكة التي حكمت البلاد منذ العشرينيات.

يقول فؤاد ابراهيم محرر مجلة (شؤون سعودية) ومقرها في لندن: (حتى وقت قريب كانت حقول النفط تقع خارج أجندة ـ الجماعات المسلّحة، ولكن في الوقت الراهن فإنها وضعت المصادر النفطية كأهداف أيضاً). ويخلص ابراهيم (ليس هناك الآن مكان آمن في السعودية).

إن ابراهيم ومعارضين سعوديين آخرين يقولون بأن هجوم ينبع يثبت ما كانوا يرددونه لسنوات بأن الجماعات الراديكالية ربحت المتحوّلين من العمال في الشركة النفطية المملوكة من قبل الدولة (أرامكو السعودية) ومجالات أساسية من الحكومة.

يقول المتحدث بإسم السفارة ـ السعودية في واشنطن ـ الجبير بأن قوات الامن السعودية تطارد المتطرفين. والدليل؟ يجيب الجبير (إن هؤلاء ينتخبون أهدافاً أسهل وأسهل) وأنها تتباعد أكثر عن العاصمة الرياض.

إن انفجار قنبلة في مركز قيادة الأمن العام في الشهر الماضي أصاب غرفة تشغيل المكائن، وليس المنشآت الرئيسية لتعزيز القانون، على حد جبير.

يقول المعارضون بأن هناك خطيراً ضئيلاً من قيام ثورة شعبية ضد الحكام السعوديين. ولكن نقّاد المملكة السعودية مطمئنون تماماً الى أن المزيد من السعوديين أصبح مستاءً بدرجة عميقة من الحكم الملكي. إن مصدر هذا الاستياء يعود بدرجة كبيرة الى الاقتصاد. وبناء على احصائيات الأمم المتحدة، فإن الناتج المحلي الاجمالي السعودي كان 15.500 دولار للفرد في عام 1980، أي 2.500 دولار أعلى عن الولايات المتحدة. أما اليوم، فإن الرقم يحوم حول 7.500 دولار. إن 40 بالمئة من السعوديين هم أقل من سن الخامسة عشر، وأن مايزيد عن 30 بالمئة من البالغين المؤهلين للعمل هم عاطلون.

لقد أصبحت المساجد السعودية أرضيات للتدريب والتجنيد بالنسبة للمتطرفين، على حد قول علي الأحمد، مدير المعهد السعودي، وهي مجموعة داعمة للديمقراطية في واشنطن. ويقول الأحمد (في المسجد وفي يوم الجمعة تحديداً، فإن بإمكانك أن تلحظ ذات الشعور في مخيم القاعدة، أي الشعور بالسخط والغضب).

3 ـ هل يمكننا الاعتماد على تقديرات الاحتياطي السعودي؟

يناقش سيمونز بأن الحقول السعودية الكبيرة قد بلغت ذروتها. إن المملكة كانت قادرة فقط على المحافظة على الناتج من خلال حفر آبار جديدة واستعمال تكنولوجيا باهضة الكلفة من أجل الحصول على النفط الذي يصعب الوصول اليه بوسائل عادية. لقد ضخّمت أرامكو الاحتياطيات الثابتة للمملكة لأسباب سياسية وبالغت في تقدير ما يمكن تحصيله من خلال فرضيات تقنية خاطئة، على حد سيمونز. إن تحليل الأخير يُظهِر المملكة وكأنها متجهة الى انخفاض حاد في الناتج. يقول سيمونز (يمكنك القول، ياللهول، إنهم يسيرون نحو إنهيار).

قد تكون تلك صدمة فجّة بالنسبة للعالم الذي توقع بأن يرى زيادة بنسبة 50 بالمئة من النفط بحلول عام 2025. وحتى الخبراء الذين لم يتحققوا من الاحصائيات السعودية يقولون بأن المملكة يجب أن تشرع برنامجاً توسعياً ضخماً، وأن تفتش عن نفط جديد في حال أرادت الاستجابة للطلب المتزايد.

يقول مايكل سميث، المدير التقني في شركة أبحاث خاصة بملفات الطاقة في لندن (إن بإمكان السعودية انتاج أكثر بما هو عليه الحال الآن، ولكن سيطلب منها انتاج المزيد مما لا تستطيع تحمّله). ولكن ليس كل الاشخاص مقتنعين. يقول مانوشهر تاكين، محلل كبير في مركز دراسات الطاقة العالمية في لندن (نحن لا نعتقد حقيقة بأن الاحتياطات السعودية مبالغ فيها)، ويستدرك قائلاً (ولكن قائمة المشاريع كبيرة، والمتطلبات والتكاليف هائلة، وأن اللوجستيات تمثل تحديّاً).