الموازنة الصعبة بين الاستقرار والتغيير

  نشرت صحيفة نيويورك تايمز في الرابع من مايو مقالاً حول المحاولات العسيرة التي تقوم بها السعودية في سياق احداث موازنة دقيقة بين الرغبة في التغيير والاستقرار.

 ذكر كاتب المقالة نيل ماكفركوهار بأن السعوديين، وهم يتابعون بث الجلسات الجديدة لمجلس الشورى قبل شهور قلائل، بدأوا اكتشاف مشرّعي العائلة المالكة الذين جرى إختيارهم بعناية وهم يناقشون بصورة ساخرة مشكلة تافهة: سرقة الخشب من غابات صحراء المملكة.

وهناك، في الواقع، أشجار معرّضة للخطر، ولكن البلاد تواجه معضلات أعظم بكثير والذي يبدو أن المجلس قد تعمد في تجاوز التعرّض لها. وتتضمن هذه المعضلات زيادة تشنجات العنف الديني، والذي بدأ لأول مرة يقترب من صناعة النفط، ويأتي في مقدمة هذه المعضلات معدل البطالة المتزايد والذي يصل الى 100 ألف ذكر سنوياً وتنامي الفقر والتشدد الى جانب حياة البذخ التي تعيشها العائلة المالكة.

فالهجوم على المركز البتروكيميائي الوطني والذي أسفر عن مقتل خمسة من المهندسين الاجانب وضابط سعودي، أدى الى زيادة التوتر الذي هو بدوره متفاقم عقب التفجير الانتحاري في العاصمة والاشتباكات الدامية بين متشددين وقوات الامن في الشهر الماضي.

إن المقابلات التي تمت خلال جولة صحافية دامت ثمانية عشر يوماًً والتي انتهت للتو في السعودية تشير الى أن المواطن العادي يبدو مطوّقاً بين رغبات متنافسة. فمن جهة، هناك رغبة تنازل أو نزع السلطة من العائلة المالكة، حيث يكون للمواطنين صوت فيما يتصل بحياتهم الخاصة. وفي المقابل، فإنهم يخشون من انتشار الفوضى بفعل الاسلاميين المسلّحين، وفيما يقوم هؤلاء بنشاطاتهم في الجبهة العراقية المضطربة، فإنهم يخشون من أن استبدال سلطة غير منضبطة ومنبثة قد تؤدي الى الفوضى.

هناك ما يمكن وصفه بالعداوة والكراهية تجاه أي شيء اميركي لأن الدعم اللامحدود لادارة بوش لاسرائيل وغزو العراق، قد تعزز بعد نشر الصور الصادمة لسوء معاملة الأميركيين للسجناء العراقيين والتي أعيد بثها لمرات عديدة من قبل محطات التلفزة الفضائية العربية. وعليه، فإن حقيقة كون واشنطن تدفع باتجاه الديمقراطية قد أعطاها رائحة كريهة.

إن الحاصل النهائي من ذلك هو أن الاصلاحيين السياسين في السعودية سواء من الاتجاهين الليبرالي او الاسلامي ليس لديهم بعد الآن ثقة بأن أمامهم أسابيع فقط كيما يؤدي الاصلاح الى تغييرات حقيقية، كمجلس شورى منتخب سيقوم بتسوية المشاكل الكبرى.

إن كثيراً من السعوديين يصرّون على أن العائلة المالكة تقرأ جيداً الغضب المتفاقم في المملكة، ولكنها ببساطة ترفض القبول بالتغييرات بعيدة المدى كحل نهائي. (وحتى الآن، فإن على الحكومة أن تتخذ قراراً واضحاً بأنها تريد الاصلاح) على حد القاضي المتقاعد والاسلامي المعتدل عبد العزيز القاسم والذي انخرط بصورة كثيفة في سعي من أجل إعادة تشكيل المنهج التعليمي للمملكة. (هناك قرارات جزئية أو خطوات جزئية، ولكن ليس هناك قرار مركزي واضح يدعم الاصلاح) على حد قوله.

ومن بين المؤشرات المقّلقة بالنسبة للاصلاحيين: فإن عدة مناصرين علنيين للتغيير قد جرى اعتقالهم في مارس، وليس هناك تحضيرات منظورة من أجل انتخابات بلدية موعودة في الخريف. ويقدّم السيد قاسم وآخرون ثلاثة أسباب أساسية من أجل التردد المتجدد (لدى الحكومة) أولاً: أن المناصرين الأقوياء للتغيير زادوا في المراهنة من خلال مناقشة موضوعات مثل الملكية الدستورية، وهذا من الواضح قد أخاف الامراء الكبار بأن التغيير قد يؤدي الى فقدان السيطرة على الاوضاع. ثانياً: إن كثيراً من الضغط من أجل التغيير جاء من واشنطن، ولكن بالنظر الى وضع مشروع الديمقراطية الاميركية في العراق، فإن الضغط كان له تأثير ضئيل. وثالثاً وأخيراً: أن اسعار النفط بقيت عالية، وهذا جعل الأمراء لا يشعرون بالحاجة للاستجابة لمطالب الناس حيث لم يكونوا في وضع يتطلب ذلك، كالتفكير، مثلاً، في نوع من الضرائب من أجل زيادة المداخيل.

ومنذ اعتقالات مارس، فإن الجرائد التي كانت تزيد من جرأتها في تناول موضوعات رئيسية قد توقفت عن التعرض لموضوعات من قبيل البطالة، وادارة الميزانية الوطنية بصورة منظمة، وتأسيس نظام قضائي مستقل. وقد لحظ المعارضون بأن اللجنة الوطنية لحقوق الانسان الحكومية قد قامت بفعل شيء قليل حول الاعتقالات، حيث لم تصدر سوى بياناً قالت فيها بأنها تتابع القضية.

وقد جاءت الاعتقالات عشية زيارة وزير الخارجية كولن باول، وكان ينظر اليها كرسالة واضحة الى كل من مناصري الديمقراطية والاميركيين من أجل رفع دعمهم. قال وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل في مؤتمر صحافي مشترك مع السيد باول بأن (هؤلاء الناس لجأوا للمعارضة فيما كانت البلاد قاطبة تبحث عن الوحدة والرؤية الواضحة، وبخاصة في وقت تواجه فيه البلاد تهديداً إرهابياً). لقد أخبر أولئك المعتقلون بأن حريتهم متوقفة على التوقيع على إقرار تدور فحواها حول العبارة التالية (إنني آسف ولن أفعل ذلك مجدداً). ثلاثة من المثقفين وهم علي الدميني وعبد الله الحامد ومتروك الفالح رفضوا التوقيع وبقوا قيد الاعتقال. وهؤلاء هم جزء من مجموعة تحضّر لبيان مناهض لمنظمة حقوق الانسان الجديدة (الحكومية) والتخطيط لإعلان تشكيل مجموعة حقوقية مستقلة مماثلة.

لقد أسس ولي العهد الأمير عبد الله (الحوار الوطني) في يونيو الماضي داعياً مجموعة منتقاة من المثقفين السعوديين للحضور لعدة أيام في مؤتمر لمناقشة القضايا الهامة. وقد إتخذ خطوة غير مسبوقة بضم النساء وأعضاء من الاقلية الشيعية المسلمة الذين كانوا في أوقات ما غير مقبولين. ولكن لم تظهر خطط عملية وحقيقية من تلك النقاشات.

فالانتخابات التي كان ولي العهد قد وعد بها والتي تشمل نصف مقاعد المجالس البلدية بقيت علامة استفهام. يقول صالح المالك، عضو مجلس الشورى بأن هناك خططاً قدّمت لاجراء الانتخابات في 178 بلدية، وأن وزارة الشؤون البلدية تعمل على وضع القوانين الخاصة بالانتخابات، ولكن هناك أسئلة رئيسية بقيت دون إجابة مثل الحد الأدنى لعمر المصوتين، وما اذا كان بإمكان المرأة التصويت، حسب قوله.

ومن المحتمل أن تكون الحكومة بانتظار التعداد السكاني المقرر اجراؤه في سبتمبر المقبل قبل البدء بدورات تسجيل التصويت والتي قد تعني تأجيل الانتخابات المقررة لشهر أكتوبر. يقول السيد مالك (لقد إنتظرنا طويلاً، ولن يضر لو انتظرنا شهرين آخرين أيضاً).

الاكثر أهمية أن العقيدة الدينية الوهابية الطهرانية لا تشجع على التغيير. وقد لحظ جعفر الشيخ ادريس، الاستاذ السوداني في السعودية، والذي يؤلف كتابا حول الاسلام والديمقراطية، بأن العلماء الأشد محافظة يقولون هنا (إذا قبلنا الديمقراطية بمعنى حكم الشعب، فإن ذلك يسير عكس عقيدة الاسلام لأن في الاسلام الحكم هو حق الله).  وتدعي السعودية بأن القرآن هو الدستور الوحيد الذي تستمد منه حاجتها. يقول أستاذاً جامعياً متقاعداً رفض استعمال إسمه بسبب الاعتقالات الاخيرة في لغة تهكمية اعتراضية (إنهم يقولون القرآن، القرآن، هل تريد شيئاً آخر غير القرآن؟)، يرد الاستاذ (من الطبيعي أن تقول لا).

وتشعر المؤسسة الدينية بأنها قد خسرت جولة واحدة في هذه السنة الاكاديمية حين تمت ازالة درس يوّجه المسلمين لعدم التعرض لغير المسلمين في الكتب المدرسية الدينية. أراد بعض السعوديين مسحها لأن المبدأ قد تم استعماله لتبرير الهجمات الارهابية، ولكن العلماء المحافظين صوّروا التغيير كخطوة أولى من قبل الغرب لتفكيك دين الدولة عبر النظام التعليمي.

(القول بأن اليهود والمسيحيين هم كفار هو جزء من عقيدتنا الدينية) على حد صالح الوهيبي المتخرّج من الولايات المتحدة والسكرتير العام لرابطة الشباب المسلم. فأي تغييرات في الطريقة التي تم بها التعليم يجب أن تقرر من قبل السعوديين على حد قوله، مضيفاً (لا يعني ذلك بأننا نحاول اثارة الكراهية ضد الآخرين، ولكن ديني له مبادؤه الخاصة التي لا يجب إنتهاكها أو تغييرها).

يقول قلة من السعوديين بأنهم يريدون إستبدال العائلة المالكة، مشددين على ضرورة وجود قوة قادرة على حفظ الاستقرار، بالنظر الى ما يدور في العراق. ولكنهم يعتقدون بأن مؤسسات حكومية قوية قادرة على تسيير البلاد ستكون أكثر تأثيراً من عدة أمراء معمّرين.

وليس هناك من يعتقد بأن الهجمات الارهابية الأخيرة، والتي تنسب الى (الخوارج) في البيانات السعودية الرسمية، تفرض تهديداً حقيقياً لازالة العائلة المالكة، أي آل سعود. وحسب السفير الأميركي في السعودية جيمس سي أوبرويتر (كل المؤشرات التي أراها تخبرني بأن الحكومة قوية وأن تعداد هؤلاء الذين يعارضونها بالعنف هم قلة).

وعلى أية حال، فإن الاصلاحيين يحذّرون بأن أمراء العائلة المالكة يخدعون أنفسهم بالجدل بأنهم بحاجة الى قتل أو القبض على أولئك الذين يحرّضون على الارهاب قبل التفكير في فتح المجال السياسي. وطالما أن الشباب لا يستطيع الحصول على فرص عمل، فسيبقون محبطين إزاء مستقبلهم، وفيما تنعدم وسيلة التعبير عن مشاكلهم، فإن هناك مشاكل عميقة هنا ستصل أصداؤها الى خارج الحدود السعودية حسب قولهم.

يقول القاضي السابق السيد القاسم (لو كان الاصلاح قد بدأ، فإننا لم نكن نصل الى هذا المستوى من العنف).

  العدد السادس عشر - مايو 2004