السعودية ومواجهة خيار الأكثرية

 

كشف في الآونة الأخيرة عن جملة من المعلومات تشير الى انغماس سعودي أكبر مما كان متصوراً في الشأن العراقي. لم يكن الدور السعودي مستقلاً كما تراءى للباحثين والمحللين عن نهج الإدارة الأميركية عشية الحرب على العراق، إذ أن صورة الموقف الرسمي السعودي الإعلامي كان يخفي موقفاً آخر مختلفاً تماماً.

منذ البداية ظهرت السعودية أنها ضد الحرب كطريقة للتخلص من صدام حسين، وقالت أنها لن تساهم فيها، بيد أن ذلك الموقف لا يستقيم والمعلومات التي رشحت من أن مطارات السعودية على الحدود العراقية شهدت نشاطاً أميركياً مكثفاً الى حد أن المطارات المدنية الشمالية توقفت من الناحية الرسمية عن العمل لبعض الوقت. في تلك الفترة أعلن وزير الدفاع العراقي بأن قاعدتي H2 و H3 في غرب العراق واللتين احتلتهما القوات العراقية تمهيداً لشن الحرب انطلقت من مطارات السعودية. المعلومات التي نشرت خلال الشهر الماضي تفيد أن السعودية كما قطر كانتا مركزي قيادة للقوات المسلحة الأميركية التي احتلت العراق، وأن إخفاء الدور السعودي ـ حسب كتاب بوب وودورد ـ كان شرطاً ومطلباً سعودياً مسبقاً للتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، منعاً للأضرار المتوقعة في حال إعلان ذلك. ومن المعلومات التي رشحت خلال الشهر الماضي، ان الحكومة السعودية اقترحت خطة لإسقاط صدام بديلة عن الحرب الأميركية تقضي بدفع مائتي مليون دولار لقيادة الجيش كيما تقوم بانقلاب عسكري. ومن الواضح ان الإعتراض السعودي على الحرب لم يمنع العائلة المالكة من المساهمة فيها، بصور مختلفة، وسبب الإعتراض هو على الوسيلة، فالحرب من وجهة النظر السعودية آنئذ ستفضي الى تغييرات جذرية ستنعكس آثارها على الوضع السعودي الداخلي كما على جيران العراق الآخرين.

السعودية كانت تبحث عن جراحة موضعية، تبقي الوضع العراقي على حاله من حيث القيادة السنيّة لذلك البلد العربي، وتحفظ له وحدته السياسية، وتقلّم أظافر جيشه حتى لا يهدد جيرانه. ومن وجهة نظر السعودية، وهي صحيحة الى حد بعيد، فإن الحرب ستحدث ولادة جديدة للدولة العراقية بعد ولادتها الأولى سنة 1921م، وقد تعيد الحكم للأكثرية المضطهدة، وقد تزيد من النزعة الإنفصالية فيه، كما أنها ـ وهذا هو الأهم ـ تقرب الخطر الأميركي للسعوديين أو لجيرانهم في المستقبل.

أما وأن الحرب قد وقعت وحدث ما حدث، فالسعوديون اليوم، وبعض جيران العراق، فإنهم لا يريدون الإستقرار السياسي للعراق بالشكل الذي يفضي الى حكم الأكثرية الشيعية، وقد شعروا بانزعاج كبير من أن وجود حلفاء جدد للولايات المتحدة في ذلك البلد قد ينتقص من مكانتهم لدى حلفائهم في واشنطن. ولعلّ أفضل ما يجسد هذه السياسة التصريحات التي نشرتها الصحافة العربية والعالمية والمحلية على لسان وزير الخارجية السعودي في زيارته لواشنطن الأخيرة (24/4/2004) من أن بلاده ترى أن الوضع الأمني لا يحله إلا جيش عراقي قوي (وهذا خلاف ما كان يراه المسؤولون السعوديون سابقاً) وأن سياسة إنهاء حزب البعث يجب التخلّي عنها، والأكثر من ذلك قال سعود الفيصل أنه يجب ضرب مقتدى الصدر ـ قال ذلك بالإسم ـ حتى لو أدّى الى بعض التعقيدات والمشاكل، ورأى التعجيل في القضاء عليه!

ما يفهم من هذه السياسة السعودية التي يوافق عليها الأردن والى حدّ ما سوريا، هو ان السعوديين وجدوا في تقليص الجيش العراقي وفي سياسة محاربة البعث ورموزه إضعافاً للسنّة في العراق، وهو كذلك بالطبع، فقيادة الدولة العراقية في عهد صدام كانت بيد رموز الجيش وقادة البعث، ولم يستطع السنّة حتى الآن توليد قيادة جديدة بعد تصفية الرؤوس الكبيرة التي كانت مهيمنة على الدولة. المعنى من هذا، إن الحكومة السعودية بدعوتها وصراحتها التي عبر عنها وزير الخارجية العراقي، لاتزال تتعامل مع العراق وفق الحالة المذهبية، وبنفس الطريقة التي تدير بها شؤونها الداخلية مع مواطنيها غير السلفيين، وهذا ما سيجعل علاقة المملكة متوترة مع الأكثرية الشيعية والكردية التي تمثل أكثر من ثمانين بالمائة، خاصة اذا ما أخذت صفة التحريض على ضرب فعاليات شيعية، تقاوم الإحتلال كما يتمنى السعوديون، ونقصد بذلك التحريض على مقتدى الصدر (إضافة الى الجلبي وغيره) وبشكل علني وفجّ.

  العدد السادس عشر - مايو 2004