أجندة التيار الجهادي

مع الدولة وجهاً لوجه

 الهجمات ضد العمال الغربيين في المدينة النفطية ينبع في بداية مايو قد تكون تمت من قبل مجموعة مستقلة لا تربطها علاقات مع الخارج. وهذا يرمز الى أن السعوديين والمسلّحين قد دخلوا في معركة طويلة المدى فيما لا مجال فيه لأي طرف بالتراجع. وكنتيجة لذلك، فإن مستوى التهديد ضد الاهداف السعودية والغربية لن ينخفض في الوقت القريب بل من المرشح أن يتمدد على مساحة جغرافية واسعة.

 طالب السفير الأميركي في السعودية جيمس اوبرويتر الأميركيين المقيمين في السعودية المغادرة عقب الهجوم العسكري في المدينة ـ الميناء على البحر الأحمر ـ ينبع في الأول من مايو. فقد هاجم أربعة من المسلّحين مكاتب شركة سويسرية لخدمات النفط والهندسة (أيه بي بي لوموس جلوبال) ممطرين المكاتب برصاص كثيف أدى الى مقتل أميركيين إثنين، وبريطانيين إثنين، واسترالياً ومواطناً سعودياً، فيما تحدثت تقارير الجرحى عن اعداد تراوحت بين 25 و50 شخصاً.

وقد ذكر مسؤولو أمن سعوديون بأن المهاجمين الاربعة قتلوا في ملاحقة بالسيارات واطلاق نار والتي أدت الى جرح عشرة من ضباط الشرطة السعوديين. وقد استغل ثلاثة من المهاجمين والعاملين في شركة سويسرية آيه بي بي لوموس بطاقات العبور اضافة الى معرفتهم بخارطة الموقع من أجل تنفيذ هجماتهم، وقد قررت الشركة اخلاء عمالها المائة من السعودية.

وفي اليوم نفسه، رميت قنبلية أنبوبية من فوق جدار المدرسة الدولية في ينبع محدثة ضرراً بسيطاً وأدت الى جرح الحارس، حسب المجلس الاستشاري الامني الاميركي في الخارج.

وتأتي أحداث ينبع وسط ارتفاع متزايد في المواجهات بين المتشددين وقوات الامن السعودية، وبعد أقل من أسبوعين على السيارة المفخخة التي تفجّرت أمام مركز قيادة الامن العام في الرياض. ويظهر أن الهجمات هي من صنع الجهاديين السعوديين الذين نشأوا في الداخل والمتعاطفين مع شبكة تنظيم القاعدة، ولكن ليس بالضرورة أن تكون لهم رابطة مع قيادة القاعدة في الخارج بأي صيغة، سواء عبر التمويل المباشر أو العمليات المخططة والمنتقاة. فهذه الجماعات قد تقوم بصناعة قراراتها الخاصة حول الاهداف المراد تدميرها، ولها أيضاً منظومة أهداف خاصة قد تلتقي في المؤديات النهائية والسياق العام لعمل الشبكة الدولية الواسعة للجهاديين.

وهذا مائز مهم، فلو كانت العمليات السعودية قد جرى تنظيمها والتخطيط لها من الخارج من قبل القاعدة الأم، فإن الجهاديين قد يعملوا من أجل هدف انتقالي مثل مواجهة قوات الأمن السعودية من اجل دعم هجومهم الحالي بما يجعل القاعدة قادرة على استعمال بعض المناطق في السعودية من أجل جمع التبرعات والمأوى. وهذا قد يفتح الباب من أجل نوع من صفقات تحت الطاولة بين العائلة المالكة والمسلّحين، وقد يتم التفاوض فيها بين وسطاء معينين.

وعوضاً عن ذلك، فإن الرياض تبدو وكأنها تتعامل مع مسلّحين محليين لديهم أجندة خاصة مصممة تحديداً للداخل أي للدولة السعودية. إن أهدافهم النهائية كما يبدو هي أولاً: اخراج القوات الاميركية من المملكة، وثانياً اسقاط نظام الحكم السعودي، والذي يعتبر في نظرهم نظاماً مرتداً وغير شرعي.

الدلالات على ذلك هي أن السعوديين والمسلّحين مقفلة على معركة متصاعدة حيث لا يوجد سوى هامش قليل لأي منهما للإطاحة بالآخر. فالمسلّحون ليس لديهم سبب للتفاوض أو التوصل الى إتفاق تساومي ينقلهم الى منطقة وسطى، فهذه المنطقة بالنسبة لهم لم تعد باقية. وفي الوقت نفسه، فإن الحكومة تحارب من أجل بقائها، والذي يعتمد بدرجة كبيرة على التدفق المتواصل للمداخيل النفطية. وهذه المداخيل، في المقابل، متوقفة بدرجة كبيرة على عدد كبير من الشركات الغربية والعمال المهاجرين بما يشمل 30 ألف اميركي من بين نحو 100 ألف غربي.

وفيما يواصل المسلّحون تعقّب العمال الغربيين والحكوميين بصورة عفوية، فإن الحكومة السعودية ليس لديها خيار سوى الاستمرار في مداهماتها العنيفة لهؤلاء، وحتى وإن أدت هذه المداهمات الى زيادة العمليات المسلحة والعكس صحيح.

إن رد الفعل والحاصل النهائي بالنسبة للغربيين المتواجدين في السعودية هو أنه الى جانب الانتصار الحكومي المدهش ضد المسلّحين الجهاديين فإن مستوى التهديد الكثيف في البلاد ليس مرشحاً للانخفاض في الوقت القريب. في حقيقة الأمر، إن هذا المستوى مرشح للزيادة خصوصاً وأن المسلّحين يلحظون إرتفاع عمليات الاخلاء للغربيين وخروجهم من السعودية في رد فعل على زيادة عدد الهجمات وأنهم يصرّون في الحفاظ على ايقاع يفضي الى المزيد من عمليات الاخلاء وفي الوقت نفسه يشكل ضغطاً على العائلة المالكة.

فبعد أحداث ينبع، فإن مستوى التهديد قد ازداد بصورة محددة على طول ساحل البحر الأحمر، والذي يشمل جدة ومكة بالرغم من أن الخطر المتعاظم يبقى في وحول الرياض. وهذا يصعّد من مستوى التهديد لدى العمال الغربيين وخصوصاً العاملين حول هذه الاهداف السهلة. وفي هذا الصدد، فإن الحفاظ على ايقاع العمليات قد يتطلب عدداً من العمليات الصغيرة مثل حادث اطلاق النار في ينبع، اكثر من هجمات كبيرة على بعض المجمعات الضخمة.

إن التحذيرات التي أطلقتها حكومات أميركية وغربية مؤخراً لمواطنيها الذين يقيمون في المملكة ومناطق أخرى من الخليج شددت على احتمال وقوع هجمات على أهداف محدودة. وأيضاً قد يميل المسلّحون بصورة أكبر الى ضرب عمال النفط بدلاً من ضرب البنية التحتية النفطية. إن الهدف بعيد المدى هو الحفاظ على البنية التحتية كيما تدار من قبل حكومة اسلامية شرعية في السعودية.

المشكلة بأن الكثير من الشركات الأجنبية التي ستتصارع مع هؤلاء ستؤدي الى اخضاع قوة العمل العربية والسعودية الى تفتيش دائم من أجل محاولة معرفة من يكون المخترقون المحتملون. فالعلاقات الداخلية بين الغربيين والعرب في صناعة النفط السعودية والتي غالباً ما تكون مقلقة، وأن الشركات تناضل من أجل تحديد أين يمكن أن يكون الخصم بين عمالهم.

وهذا يضع الشركات الأجنبية والسعوديين في موضع صعب. فكلاهما غير قادر على القيام بعملية غربلة واسعة وكبيرة للعمال المحليين من قوة العمل، ولكن حادث ينبع يشدد على أن حضورهم يمثل خطراً غير معروف. بالنسبة لبعض العمال، فإن مغادرة السعودية لبعض الوقت قد تكون خطوة حكيمة، بالرغم من أنها قد تزيد في التصميم الكلي لدى المسلّحين.

 

إتهامات متبادلة

 

في تصريحات متزامنة، وجّهت وزارة الداخلية في بيانها عقب عملية ينبع اصابع الاتهام الى المعارضة الدينية في لندن التي يتزعمها كل من سعد الفقيه ومحمد المسعري، بالرغم من إنفصالهما قبل عدة سنوات. وقد بني الاتهام على أساس أن مصطفى الانصاري كان من بين الاعضاء العاملين مع لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية التي كان يقودها الفقيه والمسعري. وكان الانصاري قد غادر المملكة في جمادى الأول عام 1415 ـ 1995 الى لندن للانضمام الى للجنة الشرعية ثم عاد الى البلاد مؤخراً متسللاً عبر الحدود، والقيام بعملية ينبع التي لقي فيها حتفه. وتعد هذه المرة الأولى التي توّجه فيها وزارة الداخلية أصابع الاتهام بصورة مباشرة الى معارضة خارجية مع ذكر أسماء محددة.

في مقابل هذا البيان، صرّح ولي العهد الأمير عبد الله بأن الصهيونية تقف وراء أحداث ينبع، وقد كان هذا الاتهام مثيراً للجدل في وقت تكاد تكون فيه المواجهة والأطراف الضالعة فيها معروفة.. ومن الغريب أن يصدر تصريح معاضد لوزير الخارجية الأمير سعود الفيصل يؤكد فيه على دور الصهيونية في هذه العملية متهماً الفقيه والمسعري بأن (لهم اتصالا وحتى تمويلا من جهات مرتبطة بإسرائيل) دون أن يحدد هذه الجهات ما اذا كانت خليجية او عربية او حتى دولية.

وقد نفت حركة الاصلاح أي علاقة لها باعتداء ينبع وقالت في بيان أنها (ملتزمة التزاماً كاملاً بالنهج السلمي) وأنها (مطمئنة بعون الله أن أحداً لن يستطيع إلصاقها بأي علاقة بأعمال العنف). وأكدت الحركة في بيانها (أما بخصوص عبد الرحمن الأنصاري فكل ما نستطيع قوله إن شخصا بنفس الاسم كان في بريطانيا أيام لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية وكان آخر عهد الدكتور سعد (الفقيه) به هو بدايات سنة 1996 أي منذ أكثر من ثماني سنوات، وعلى كل حال لم تكن طبيعة العلاقة معه مقاربة لأي توجه للعنف).

اما الدكتور محمد المسعري فقال لـ (القدس العربي) الصادرة في لندن في الرابع من مايو بأن هذه الاتهامات والتصريحات هي محض افتراء وكذب وتلفيق وعلاقتنا بالانصاري انقطعت منذ عام 1997 حيث ان الانصاري ذهب الي افغانستان في ذلك العام، وذكر ان الانصاري كان احد المطلوبين على القائمة الامريكية. وقال إن تصريحات الامير عبدالله مضحكة فمن يتعاون مع الصهيونية هو من يفتح قواعده ومطاراته للقوات الاجنبية لضرب إخوانه وأن استقرار السعودية هو من مصلحة الصهيونية وليس العكس. واضاف كما أنني لا اعتقد ان القاعدة كانت خلف هذا العمل وانما هو عمل فردي عائلي.

  العدد السادس عشر - مايو 2004