درس في الوطن

ليكن الافراج عن الاصلاحيين حدثاً استنثائياً

  إذا صدقت الانباء حول قرب الافراج عن الرموز الاصلاحية الثلاثة الدكتور عبد الله الحامد والدكتور متروك الفالح والاستاذ الشاعر علي الدميني، فإن ثمة مسؤولية كبرى تنتظر أفراد التيار الاصلاحي خصوصاً والوطن عموماً، وهي حق هؤلاء الابطال في التكريم والاستقبال بحفاوة الى جانب من سبق الافراج عنهم مثل الاستاذ محمد سعيد الطيب وزملاؤه.

ربما لم يشهد الوطن نشاطات مشتركة خلال العقود الماضية باستثناء ما نقرأه في التجارب الحزبية المحلية، بحيث يمثل الافراج عن رمز وطني في جدة حدثاً ابتهاجياً في الرياض والمنطقة الشرقية والعكس صحيح.. ومنذ عامين بدأنا نشهد روحاً وطنياً تسري أفقياً في الطيف السياسي والاجتماعي على امتداد الوطن، وهي روح صاغتها المحن العامة والمشاعر المتبادلة بالحرمان الاقتصادي والسياسي والتي جعلت من بروز رموز وطنيين ممكناًَ.

 وبهذه المناسبة، نحن امام حدث ـ امتحان لقدرة التيار الوطني الاصلاحي على إثبات جدارته ومصداقيته في ميدان المواجهة مع الحكومة.. لا يكفي مجرد تكرار العبارات الكلاسيكية المعلّبة من أجل الاحساس بالالتزام الادبي تجاه من أمضوا بعناد رائع فترة تحدي داخل المعتقل.. وبالرغم من أن الموقف الاصلاحي كان الى حد ما فاتراً ولم يصل الى مستوى الاحتجاج المسموع والمرئي خلال فترة اعتقال الرموز الاصلاحية، وهذا يستحق التأمل والعتب وبخاصة إزاء كل من لاذ بالصمت في زمن الكلام، ولكن يبقى حدث الافراج عن دعاة الاصلاح الثلاثة فيما لو تم إستثنائياً، ويتطلب من الجميع المشاركة في تحويله الى حدث وطني، كيما يشعر هؤلاء الرموز بأنهم يستحقوا كل التقدير لموقفهم التضحوي من أجل الوطن، وأن يعطى درس لكل الذين يلحقوا بهم في المستقبل بأن الاعتقال مصنع الرموز الوطنيين، وأن من يحمل قضية وطنه يملي على أبنائه واجب الوفاء له في غيابه والاحتفاء به حال الافراج عنه..

كان الرهان القديم يقوم على أن اعتقال الناشطين السياسيين يمثل نهاية طبيعية لحياتهم السياسية، أو أن حدثي اعتقالهم والافراج عنهم سواء من حيث رد الفعل الشعبي، بإستثناء الخسارة المحدودة التي يستشعرها المقرّبون ومن يتقاسمون معهم همّاً حزبياً أو فكرياً موحّداً، ولذلك فقد الوطن كثيراً من الناشطين السياسين والمصلحين لأنهم قضوا نحبهم داخل المعتقلات او أنهم شعروا بالاحباط الشديد والانكسار النفسي بعد الافراج عنهم حيث وجدوا أنفسهم غرباء وكأنهم لم يضحّوا من أجل قضية هؤلاء الذين تنكّروا لهم بعد خروجهم.

لاشك أن الحال اختلف كثيراً في السنوات الأخيرة لا لأن الدولة فقدت القدرة على استعمال القبضة الحديدية فحسب في التعامل مع دعاة الاصلاح، بل ولأن ثمة وعياً عاماً بضرورة تحقيق درجة عالية من التعاون الجماعي والتعاضد الذي يمنح لدعاة الاصلاح الثقة بأن تضحياتهم مأمونة العواقب لأن هناك من يسندهم في الضرّاء.. وليكن خروج هؤلاء الرموز دافعاً آخر لاثبات بأنهم يستحقوا الاسناد في السرّاء أيضاً.

  العدد السادس عشر - مايو 2004