وفار التنّور!

 

من مهاجمة الأميركيين الى مهاجمة الغربيين الى الهجمات المختلطة التي يروح ضحيتها مواطنون ومقيمون مسلمون وعرب.. يختلط الدم الأميركي والسعودي ـ على حد قول الحكومة ـ وتتنقل لقطات الكاميرا من الشوارع الى ردهات العمليات في المستشفيات.

ومن استهداف المقرات الأجنبية الى المؤسسات الأمنية المحلية، الى المنشآت الإقتصادية.. يهرب الأجانب (الغربيون) من البلد غير المستقر الذي كان يزعم أنه (الأكثر أماناً) في العالم، وتهرب الرساميل المحليّة، ويتراجع المستثمرون.

ومن الرياض والمنطقة الوسطى الى المنطقة الشمالية والجنوبية الى الغربية في جدة ومكة والمدينة وينبع.. تتسع دائرة المواجهة على مساحة المليوني كيلومتر مربع، وهي مساحة المملكة، وإن كان نصيب العاصمة منها كبيراً.

ومن التفجير بالسيارات المفخخة، الى الرجال المفخخين.. يتكاثر المستعدون للتضحية بأنفسهم، وتتقلّص قيمة التهديدات الحكومية باستخدام اليد الحديدية، فمن يلقي بنفسه في أتون الموت، لا يمكن لأي قوة خارقة أن تهدده به!

ومن الحواجز التي تملأ مدن المملكة وقراها، وطرقاتها السريعة، الى المطاردات في الشوارع والصحارى والجبال.. يتعود المواطن على الحرب الجديدة، على سماع تغريد الرصاص، وأنفجارات القنابل. وعلى وقع التفجيرات التي تسمع على بعد كيلومترات عديدة تصقل شخصيته، وتمتحن أعصابه وإرادته في عمله ومنزله.

ومن التهديد والتكفير الى بدء عمليات الإغتيال لمسؤولين أمنيين ومسؤولين حكوميين بينهم أمراء، فشل كثير منها.. يسود الترقب والحذر، وتُنتظر المفاجأة، ويختبئ المسؤول مقدّماً ضحايا آخرين من (أولاد العبدة) وتنشط سوق الشركات الأمنية المملوكة للأمراء والأميرات.

ومن الشراذم الخارجة القليلة ـ حسب التعبير الرسمي ـ أو الفئات الضالة التي لا تعبر عن الشعب السعودي ـ كما قال سعود الفيصل.. تنطلق موجات جديدة من التجنيد تكفي للإستهلاك المحلي، وتصدّر الفائض الى أماكن عديدة في العالم، وبينها العراق (الفلوجة) التي أنتجت نعوشاً ملائكية لعدد غير قليل من الشبان السعوديين ـ كما كتب أحد الصحافيين السعوديين مؤخراً.

ومن حديث الأمير سلطان قبل شهر ونصف، وهو يبرر ضرب الإصلاحيين، بأن 80% من العنف قد قضي عليه، الى حديث لنايف يشكك فيه بإمكانية القضاء التام على العنف في الرابع من مايو.. يفيض سيل من الدماء وتتصاعد المواجهات المسلحة، التي لم تبدأ بالعيينة وكهوفها، ولم تتوقف عند تفجيرات الأمن بالرياض، ولا يتوقع لها أن تهدأ بحادثة ينبع.

شعب الله (السعودي) المختار ينطوي على ذاته محاصراً بين عنفين ظالمين: حكومي يتلبّس عباءة وطنية جديدة ولكن مشوّهة، وديني يتلبّس الطهارة والنقاء وحور العين في جنان الخلد. فيما يتسرب الأمل بالإستقرار الأمني فضلاً عن السياسي، وتتبدد بقايا كأس الدولة الريعية أو دولة الخدمات.

الحديث في الغرب عن مولود جديد يسمّى (الحرب الأهلية) لا يتسق مع مفهوم المواجهة بين أكثرية حكومية مدعاة وشرذمة ضالة يقودها الشيطان كما تصور ذلك الأدبيات الحديثة والخطاب العبقري للحكم في هذه الأيام!

والحديث عن بداية النهاية للعائلة المالكة.. لا صحة له، فمن يقف وراء مثل هكذا إشاعات مجرد حاقدين في الداخل وأغبياء في الخارج لا يفهمون الواقع السعودي، كما يفهمه شيوخ الغفلة (الأبخص) دينيين كانوا أم سياسيين.

المملكة مستقرة، آمنة، والحكم فيها صامدٌ كالجبال، والشعب يقف من خلفه.

شكراً لكم على هكذا نتيجة!

 

  العدد السادس عشر - مايو 2004