السعودية تتخذ القرار الصحيح حول الإصلاح

الإعتقالات تبلور قيادة للمعارضة الوطنية

 

د. عبدالوهاب الافندي

 

أكبر مشكلة تواجه حركة الاصلاح العربي هي صعوبة تبلور بدائل سياسية واضحة تلتف حولها الجماهير، ولم يكن هذا مصادفة، لان الحكومات كانت تتعمد ضرب العمل السياسي الجاد، وتتربص بالحركات السياسية الواعدة والشخصيات ذات الجاذبية الجماهيرية، وذلك اما بالقمع والارهاب، او الاغواء والافساد. وهناك استراتيجيات اخري تتبعها الحكومات، تتمثل في ضرب المعارضين بعضهم ببعض، واثارة النعرات من طائفية وقبلية وغيرها.

هذه الاستراتيجيات نجحت الي حد كبير، خاصة من حيث جعل الجماهير تفقد الثقة في النخب السياسية والفكرية، اما لانها تلوثت بعطايا النظام، او لانها حصرت نفسها في قالب حزبي او طائفي ضيق، واصبحت تقدم المصلحة الجزئية علي الكلية، ولهذا غابت عن الساحة العربية او غيبت الحركات والقيادات التي تتمتع بالجاذبية الجماهيرية والصلابة الاخلاقية، بحيث تلتف حولها الجماهير، وتقود بذلك النضال من اجل الديمقراطية الي نتيجته الحتمية وهكذا لم يبرز نيلسون مانديلا عربي، ولا ليش فاليسا، ولا فاسلاف هافيل. ولم نر حركات عربية مثل التضامن والمؤتمر الافريقي وغيرها.

السعودية لم تكن بدعا من الدول العربية في هذا الصدد، حيث اجتمع التضييق الرسمي علي كل نشاط عام ذي معني، مع التشرذم الطائفي، والنفوذ المالي الطاغي لتضييق الخيارات الشعبية المتاحة وبالتالي اضعاف قدرة التحرك الشعبي، وانحصرت المعارضة لفترة طويلة في الاوساط الشيعية ثم تحولت الي التيار السلفي بعد برهة ليبرالية قصيرة في مطلع التسعينات، ولهذا لم تحدث الانطلاقة الشعبية التي طال الحديث عنها.

ولكن هذا الامر بدأ يتغير منذ العام الماضي، حيث برز لاول مرة تيار معتدل، ضم الليبراليين والاسلاميين الوسطيين من السنة والشيعة، وبلور مطالب شعبية محددة تمثلت في التحرك نحو الملكية الدستورية والشفافية واحترام القانون والحقوق الاساسية للمواطنين الذي كان ينقص هذا التيار لكي يتحول الي حركة شعبية هو بروز رموز وشخصيات ذات وزن اخلاقي وسياسي تتصدي للقيادة، وتلتف حولها الجماهير شأن غاندي ونهرو مع حركة المؤتمر في الهند، وسعد زغلول ورفاقه في الوفد المصري، ومانديلا، في المؤتمر الوطني الافريقي الخ.

وحتي مطلع هذا الاسبوع، كانت الحركة الاصلاحية السعودية تفتقد هذه الرموز الوطنية، اما الان فان الحكومة السعودية زودت الجماهير بـ (الوفد) المطلوب حين اختارت حوالي ثمانية من قيادات الاصلاح قامت باعتقالهم، وبالتالي اشهارهم علي الملأ، والدعاية لقدراتهم القيادية، وتنصيبهم قيادة رسمية للمعارضة.

هذا التصرف الرسمي الاحترازي ليس مستغربا كذلك، فهو جزء من الاستراتيجية العربية المجربة لـ الانذار المبكر لتحديد اي خطر محتمل واحتوائه في الوقت المناسب. لكن الزمان غير الزمان، والتكتيكات القديمة المتمثلة في تصفية المعارضين، او ايداعهم السجن لسنوات طويلة او حتي التعتيم الاعلامي عليهم، لم تعد متاحة اليوم. وفي ظل الضغوط الخارجية والداخلية المتصاعدة على الانظمة، فان مثل هذا الاجراء الضعيف والمتأخر هو اشبه بالضغط علي فرامل السيارة بعد ان تجاوزت سرعتها المئة ميل حيث النتيجة المتوقعة هي انقلاب السيارة لا توقفها.

من وجهة نظر الاصلاحيين فان القرار الذي اتخذته السلطات السعودية هو بالقطع القرار الصحيح، لانه يعجل بوتيرة الاصلاح ويختصر الزمن الذي كان سيستغرقه تبلور البديل واشهاره علي الملأ والتفاف الجماهير حوله.

كل الانظمة العربية القائمة تعيش الان في الزمن الضائع لان هناك اجماعا علي ان استمرارها بشكلها الحالي لم يعد ممكنا، ولا تشذ الانظمة نفسها عن هذا الاجماع، كما نري من كثرة حديث قادتها عن الاصلاح، ولكن بعض الانظمة تستغل هذا الوقت الاضافي لتطبيق استراتيجيات ايجابية تحسن من فرصها المستقبلية كما هو الحال في قطر والمغرب والي درجة اقل الاردن والبحرين، بينما هناك اخرى تتبع استراتيجيات ذات مردود عكسي تعجل بالانهيار شأن سورية التي تحارب ابسط المبادرات المدنية وتمارس القتل الجماعي ضد اقل احتجاج، ومثل مصر التي تقود حربا هي اول من يعترف بأنها خاسرة ضد الاسلاميين المعتدلين هذا اذا تركنا التخبط الكارثي الذي تمثل في الهجوم علي مركز ابن خلدون ثم التراجع المذل عنه.

البديل الذي يواجه الانظمة الحالية ليس هو الاصلاح او الاستمرار كما هو الحال بل الاصلاح العاجل او الانهيار الكامل. واذا كانت الشواهد تدل علي شيء فانها تشير قطعا الي قرب الانهيار، لان كل الانظمة عاجزة عن الاصلاح، فضلا عن الصراعات الداخلية المحترمة التي قد تعصف بها قبل اي تحرك اصلاحي.

 

عن القدس العربي، 20/3/2004