لتتوجه الضغوط الشعبية من أجل تقليص صلاحيات الأمراء

 العائلة المالكة حين تتحول الى عبء على الدولة المجتمع

 

حين قال الإصلاحي محمد سعيد طيب في قناة إل بي سي أن العائلة المالكة هي حزب سياسي، وربما حزب سياسي وحيد، غضب قوم وسخر آخرون من التوصيف، رغم أنه توصيف عام صحيح. فالعائلة المالكة تتحرك كحزب سياسي، ولها كما للحزب هيكلية وقيادة ومشروع عمل وأهداف ومحازيب وأدوات سلطة وغير ذلك. لكنه حزب غير مفتوح العضوية للعامّة، وكأنه يشبه تلك الأحزاب الضيقة بالمنطقة أو بالعنصر أو بالفئة المذهبية.

العائلة المالكة حزب، بل هي أكثر من حزب في بعض النواحي. إنها عائلة مالكة إضافة الى كونها حاكمة، وقاعدتها عريضة من الأعضاء يصلون الى أكثر من عشرين ألف أمير، الأمر الذي يجعل منها حزباً وحيداً حاكماً مالكاً مسيطراً قائماً على فلسفة الإحتكار لكل شيء بما فيها السلطة.

هنا يكمن جوهر أزمة العلاقة بين العائلة والمجتمع السعودي.

يجب أن تُضبط مواقع وتصرفات العائلة المالكة ويُكسر احتكارها للمال العام وللسلطة السياسية. يجب أن تتغير مفاهيم المجتمع ومفاهيم العائلة المالكة للعلاقة التقليدية التي كانت سائدة في الماضي. أي تتحول من علاقة تبعية ورعية الى علاقة شراكة ومواطنة. بدون هذا لا يمكن ان يكون هناك إصلاح سياسي، ولا ضبط للفساد المالي، كما لا يمكن أن يعيش المواطن تحت ثقل العائلة المالكة الأمني والمادي، ولن يكون هناك مستقبل لأبنائه بدون الوصول الى تفاهم من نوع ما يقلّص دور العائلة المالكة في الشأن العام السياسي (في الوزارات ومواقع القرار العليا) كما يقلص ما تعتبره حقوقها المالية التي أوصلت البلاد على شفا الإنهيار الإقتصادي.

ماذا تبقى للعامّة من مناصب في الوقت الذي تحتل فيه العائلة المالكة بصغارها وكبارها ونسائها كل المواقع المهمة ونصف المهمة بل وربع المهمة؟! وكيف يمكن للعائلة المالكة أن تقدم نفسها كـ (حزب قائد) للمواطنين، ما لم تصلح نفسها، وتتخلص من العناصر التي غرقت وأغرقت البلاد في أوحال الفساد والتخلف، وما لم تضع قانوناً يحكم نشاطات أبنائها، ويوضح العلاقة بين جميع أفرادها وبين الشعب؟

هناك إجماع في الرأي تقريباً، يقول بأن استحواذ الأمراء على كامل الكعكة في الجهاز السياسي والإقتصادي والإداري والعسكري وحتى الإعلامي والأمني، لا يمكن أن يستمر الى ما لا نهاية، وإن أي فجوة للتغيير إذا ما قيّض للنشاط المتعاظم المطالب بالإصلاح أن يستمر وينجح، فإن مقداراً من التغيير سيفرض على العائلة المالكة، حيث سيصبح تحديد موقعها من النظام السياسي ضرورة ملحة، وسيكون من اللازم عليها التخلي عن بعض ما في يدها وأن تشارك الآخرين في المواقع التي تحتلها بالكامل.

العدد الهائل من الأمراء الذين يتسنمون مواقع قيادية في كل هياكل الدولة، اصبح يشكل أداة ضغط على بقية افراد الشعب، فهم ليس فقط يستحوذون على كل المناصب السياسية ويصنعون وحدهم قرار البلاد الداخلي والخارجي، بل أصبحوا أكبر التجار والملاك وأصحاب الشركات ومالكي الأراضي والعقارات. إن المراكز الأولى في الدولة لم تعد تلبي الطلب الكبير من الأمراء الذين احتلوا المراكز السياسية والفنية والرياضية والعلمية والثقافية وحتى الدبلوماسية. ولذا تم تحويل الكثير منهم من الفاشلين سياسياً او الضعفاء في حلقات التحالف داخل الأسرة الى جني الأموال وجمعها، وقد كانت تلك خطة ابتدعها الملك الأسبق فيصل الذي رأى ان أفضل وسيلة للتخلص من ضغوط عائلته على ميزانية الدولة يكمن في تحويلهم الى القطاع التجاري والإقتصادي والمالي، ومنحهم آلافاً من الكيلومترات من الأراضي (الرحمانية) لتكون كرأسمال كبير يمكن الإنطلاق منه.

وإذا كان اليوم لا يجرؤ أحد علناً على المطالبة بوضع حدود وضوابط على نشاط أمراء العائلة المالكة، رغم وجود بعض الإشارات الخجلى المتوارية في أوراق الصحف.. فإن المستقبل القريب سيطلق الألسن عالياً لإيقاف الأمراء عن التضخم على حساب لقمة عيش المواطن العادي.

في الوقت الحالي يتم تداول الحديث حول تخفيف (ملكية) العائلة المالكة كما تخفيف (حكمها). في مجال تخفيف الملكية تطرح قضايا مثل أن لا تكون هناك مخصصات للأمراء عدا القليل منهم، بحيث تكون هناك ميزانية متواضعة بالقياس الى الوضع الحالي. كما أن هناك من يطالب بصوت بدأ بالإرتفاع بالتدقيق على حسابات الأمراء، وعزل سلطاتهم عن المصادر المالية للدولة، وإيقاف نهب الأراضي التي تباع على المواطنين بأغلى الأثمان، ومصادرة الأملاك الكبيرة من الأراضي والتي تشمل عشرات الالاف من الكيلومترات والتي (سرقها) كبار الأمراء وصغارهم.

اما ان تصبح العائلة (حاكمة) بصورة مخففة، فظهرت مطالب (الملكية الدستورية) أي فصل السلطة السياسية عن العائلة المالكة وإبقائها رمزاً. وهذا الطلب لن يتحقق في المدى المنظور، لكن ما هو ممكن، هو أن تُحصر سلطاتها في بعض المواقع الوزارية، على النحو الموجود في الكويت مثلاً. وأن تلغى كافة المجالس العليا التي يعبر من خلالها الأمراء الى السيطرة على الوزارات الأخرى، كالمجلس الأعلى للإقتصاد والمجلس الأعلى للتخطيط والمجلس الأعلى للجامعات، والمجلس الأعلى للإعلام (ألغي مؤخراً) والمجلس الأعلى للحج، وغيرها.

امتيازات الأمراء لن تتوقف بدون تقليم أظافر الأمراء سياسياً، وبدون أن يكون للشعب قولاً في القرار السياسي عبر المشاركة السياسية في اختيار البرلمان القوي القادر على المحاسبة ووضع القوانين، وعبر قضاء قوي ومستقل وعبر حرية تعبير واسعة الهامش، وعبر منظمات المجتمع المدني.

لتضبط تصرفات وصلاحيات العائلة المالكة قبل أن يقتلع البلاد الطوفان.