هل يحسم ولي العهد السعودي خيار الإصلاح عبر الشعب؟

 حمزة الحسن

 من حق ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز أن يجأر بالألم، ويبوح بالشكوي، فهو يري أن بلاده تتعرض لأصعب خياراتها منذ التأسيس، بين جمود سياسي قاتل، وبين طموحات شعبية في التغيير الراديكالي تقفز أحياناً عن إطار الممكن.

 الأمير عبد الله الذي تحدث للمواطنين يوم 14/1/2003 عبر شاشة التلفزيون أكد على إيجابية ظاهرة الحوار التي يشهدها المجتمع السعودي بكل شرائحه والذي تساهم فيه الدولة وأجهزة الإعلام المحلية، ولكنه خشي من أن تتحول تلك الظاهرة الى (نقمة) و(فوضي) ملقياً باللائمة على جهتين، حددهما بقوله: (ان الدولة ماضية بعون الله في نهجها الاصلاحي المدروس المتدرج ولن تسمح لأحد بأن يقف في وجه الاصلاح سواء بالدعوة الى الجمود والركود أو الدعوة الى القفز في الظلام والمغامرة الطائشة، وأن الدولة تدعو كل المواطنين الصالحين الى أن يعملوا معها يدا بيد وفي كل ميدان لتحقيق الاصلاح المنشود، الا أن الدولة لن تفتح المجال أمام من يريد بحجة الاصلاح أن يهدد وحدة الوطن أو يعكر السلام بين أبنائه). وطالب الأمير المواطن (أن يتجنب ركوب الموجة وشهوة الظهور) وتعهد: (أننا لا نود التعرض لحرية الرأي المسؤولة الواعية ولكننا في الوقت نفسه لن نترك سلامة الوطن ومستقبل أبنائه تحت رحمة المزايدين الذين يبدأون بالاستفزاز وينتهون بالمطالب التعسفية. ان الغلو مذموم سواء جاء من هذا الفريق أو ذاك والتطرف مكروه سواء كان مع هذا الموقف أو ذاك).

من الواضح أن ولي العهد يشير الى طرفين: القسم المغالي المتطرف دينياً الذي يري في الإصلاحات خطراً على مصالحه الخاصة، والقسم الآخر: هو المغالي في تعديه على ثوابت الدين بحجة حرية الرأي، حيث (يجب ألا يغيب عن ذهن أحد أن هذا الوطن لن يرضي أبدا أن يمس أحد كائنا من كان عقيدته الاسلامية باسم حرية الرأي أو بأي اسم آخر).. وربما ضمّ إليهم أولئك الذين يطلبون إصلاحات لا يمكن للعائلة المالكة أن تقبل بها، كالدعوة الى الملكية الدستورية.

فولي العهد يشكو من هذين الطرفين، لكن رسالته الحقيقية تشير الى أنه واقع تحت ضغط شديد، تساهم فيه أطراف متعددة داخل العائلة المالكة لا تريد الإصلاحات السياسية من أساسها، وأنه ـ أي الأمير عبد الله ـ يحاول أن يشق طريقاً وسطياً بين الجناحين بإصلاحات متدرجة، لايزال حتي الآن غير قادر على تدشينها، فالجناح السديري يقف بالمرصاد لكل مشاريع الأمير عبد الله ويفرّغها من محتواها، ويمنع تطبيقها بآلية البيروقراطية السعودية.

هذا هو ما جعل الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز، نائب رئيس الحرس الوطني، يصرح لصحيفة المدينة السعودية قبل أيام بالتالي: (والله العظيم ثلاثا، إن سمو سيدي ولي العهد بالكلمة الواحدة قال لي: أين الجماعة؟ نحن اهتممنا بالمجالس البلدية والانتخابات البلدية وحتي يومك هذا ما رأيتها ولا شيء صار). وأضاف: (كان ـ أي ولي العهد ـ يتكلم بألم ويقول كيف؟ نحن نفقد المصداقية بأشياء نحن نصدرها.. لماذا؟ يوجد من يحاول أن يترك هذا الموضوع.. يجب أن نبدأ بمحاسبة المنفذين إذا لم تكن عندهم صورة حقيقية عن إظهار أسباب التأخير ولماذا هذه الأشياء لم تنفذ حتي الآن). وتساءل الأمير متعب عن المقصر في الشروع بالإنتخابات البلدية وبرامج التدريب والتأهيل للعاطلين عن العمل، وتابع: (أنا سأذكر لك شيئا مهما. نحن استلمنا موضوع التدريب المهني وقال لي أيامها ـ يقصد ولي العهد ـ بالكلمة الواحدة: يا متعب للأسف نحن نفقد المصداقية.. قلت له كيف يا طويل العمر... قال لي: نحن نعد بأشياء وتصدر فيها مراسيم ولكن لا يوجد من يتعامل مع هذا الشيء... قلت له: يا طويل العمر إن شاء الله نحن ساعون وقائمون بالعمل ومستمرون.. قال: لا أريدكم أن تكونوا مثل المسؤولين عن الانتخابات البلدية. كثير من الناس يطالبون الآن بالانتخابات.. وضعنا انتخابات البلدية الآن كفكرة أساسية نبدأ بها ونري كيف تصير.. الآن ما تعاملوا معها ولا تفاعلوا معها.. فيجب أن يقوموا بهذا العمل.. لأن اللوم الآن يقع على الدولة التي أصدرت قراراً ولم تنفذه، بينما أنا أستعجلهم وأحاول أن أعرف من هو المتأخر وأسباب التأخير، هذه من الأشياء التي أريدك أن تتأكد منها فعلاً عندما يصدر أمر أو مرسوم ملكي أو شيء من الدولة إنهم فعلا يعتنون به عناية كاملة ويتمنون أن يحصل وبأسرع وقت، ولكن يوجد هناك من لا يستطيع أن يتعامل مع الموضوع).

من الواضح أن الأمراء الكبار المتنفذين هم من يعمل على إعاقة مشاريع الأمير عبد الله، في محاولة لإظهاره بمظهر العاجز، والنتيجة أن الدولة بكامل أجهزتها أصبحت معاقة وبدأت بالتحلّل. والجهاز البيروقراطي الذي يحفظ الدولة ويشدّ من ترابطها، بات هو الآخر أسير الأوامر والخلافات داخل العائلة المالكة، التي لم تتبلور لديها الإرادة السياسية حتي الآن في إمضاء الإصلاحات السياسية.

والأمير عبد الله لم يكن ليتحدث من فراغ، فهذه ليست المرة الأولي التي يقف فيها الجناح السديري ضد مشاريعه ويقوم بتعطيلها. فقد كتب قبل نحو عام رسالة الى الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع والطيران، ونشرتها الصحف السعودية في 23/8/1423هـ تساءل فيها عن أسباب عدم تطبيق الأوامر التي يصدرها وقال: (نظراً لما للوائح التنفيذية للانظمة من أهمية بالغة في قيام الجهات المختصة بشكل فوري ومباشر بتطبيق ما تقضي به الأنظمة الصادرة لتنظيم أي أمر من الأمور.. وحيث لاحظنا أن الأنظمة تصدر وتبقي اللوائح معلقة بين اللجان، ويتأخر إصدارها، وهذا أمر غير مقبول، وتعطيل لمصالح الوطن والمواطنين.. نرغب إليكم إعتماد ما يلي:

1) التأكيد على إنفاذ ما قضي به أمرنا رقم 584/م وتاريخ 2/8/1423هـ.

2) الاستعجال في إعداد وإصدار اللوائح التنفيذية في الفترة التي يحددها النظام، والرفع لنا بصفة عاجلة عما يستوجب التأخير من هذه اللوائح).

لقد تعدّي الأمر مسألة الخلاف العائلي حول الإصلاحات الى صراع شلّ كثير من إدارات الدولة وعطل مشاريعها. وفي حين ينفي الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية أن يكون هناك خلاف بينه وبين الأمير عبد الله ويؤكد أنه يعمل تحت إدارته، كما قال ذلك مؤخراً، فإن الحقيقة هي أن الأمير نايف يقف بالمرصاد لكل المشاريع السياسية الإصلاحية، وأنه أيضاً وراء تعطيل مشاريع الأمير عبد الله الأخري التي تحولت الى ما يشبه الفقاعات ولم تتجاوز الحبر الذي كتبت به. وقد سبق للأمير نايف أن نفي الخلاف بينه وبين ولي العهد في تصريح لجريدة عكاظ السعودية في 18 شباط (فبراير) 2003 وقال ما نصه: (مستحيل أن أعارض شيئاً تكلم به سيدي سمو ولي العهد) أو أنه يعارض مشاريع الأخير الإصلاحية. وفي ذات الإتجاه، فإنه من الملاحظ أن الأمير نايف يقوم بالإدلاء بتصريحات تتعارض مع مواقف الأمير عبد الله، فحينما استقبل الأخير موقعي وثيقة الإصلاح (الرؤية) قبل عام، وتم الإعلان عن قبول ولي العهد بمضامينها وسعيه لتحقيقها، وحين بدأت الصحافة المحلية بالكتابة عنها، انبري الأمير نايف فقال: (ان الآخرين فهموا مقصد سمو ولي العهد خطأ اذ ان سموه يقصد اصلاح علاقات العالم العربي واوضاع كل دولة)، وأضاف بأن: (اي مطالب في الداخل سيؤخذ بها عندما تكون حقاً وان المملكة لا يمكن ان تقبل أن يُملي عليها احد كيف تكون).

من المشاريع التي تقدم بها الأمير عبد الله وتمّ تقزيمها، أو تعطيلها او تحويرها بحيث ارتدت فعلاً ضد المصلحة والهدف الذي قصده ولي العهد، قراره بتيسير معاملات المواطنين وتحديد فترة زمنية لا تتعدي يومين. هذا التوجيه (القرار) الذي علق في كل الدوائر الرسمية لم ينفذ، بينما قرار آخر للأمير نايف يمنع من خلاله إنجاز معاملة أي مواطن يدخل الدوائر الرسمية دون الزي الوطني، أصبحت له القوة القانونية والنظامية الفورية التي تفرضه على المراجعين. ومن القرارات المعطلة، ما سمي بالمشروع (الوطني) لتوفير أجهزة الحاسب الآلي للطلاب في المدارس الحكومية، وكذلك مشروع (الملك عبد العزيز ورجاله) لتشجيع الموهوبين.. أصبح هو الآخر حلماً.. ويضاف الى ذلك مشروع مجلس العائلة، الذي أصبح منسيّاً، إضافة الى مشروع سعودة سائقي سيارة الأجرة والليموزين، والذي حدد الأمير عبد الله فرصة تطبيقه في فترة ثلاثة اشهر الى ستة كحد أعلي، لكن فريقاً برئاسة الأمير نايف توصل الى ان فترة ثلاث سنوات كحد أدني من شأنها ان تفي بالغرض، وكان واضحاً ان ضغط لوبي الامراء والاميرات اللواتي يمتلكن مؤسسات تشغل أكثر من ثلاثين الف سائق سيارة ليموزين أجنبي قد نجح في تفريغ قرار الامير عبد الله من محتواه. ومن بين المشاريع المعطلة مشروع إقراض السعوديين من أجل توفير سائقي أجرة سعوديين.. ومشروع مكافحة الفقر ووعود بتسليم عشرة آلاف بيت للفقراء سنوياً، والمجلس الإقتصادي الأعلي.. الى آخره.

ما يمكن استخلاصه من خطاب ولي العهد الأخير، ومن تصريحات إبنه متعب، ومن التقييم العام لأداء جهاز الدولة، هو ان الخلافات داخل العائلة المالكة تثقل كاهل الأمير عبد الله، وأن الأطراف المتنفذة في العائلة تريده ملكاً ضعيفاً، وأن تطيح بسمعته وتفقده مصداقيته بين شعبه، بتصويره غير قادر على إنجاز شيء غير الوعود. وفي حين لا أحد يرغب بتفاقم الأزمة بين أمراء البيت السعودي، ولا بتحلل الجهاز البيروقراطي نظراً لآثاره السلبية على المواطنين، فإن استمرار الوضع على ما هو عليه ينذر بكارثة وفوضي تصعب السيطرة عليها.

ومن هنا فإن الجهات الإصلاحية مدعوّة اليوم الى تقييم الوضع والأشخاص بالقدر الذي يمكن من ترجيح الطرف الداعي للإصلاح، وإخراج البلاد من جمودها الذي لازمها منذ إصابة الملك بالجلطة الدماغية في منتصف التسعينات الماضية. إن عدم قدرة أي طرف في العائلة المالكة على حسم الصراع لصالح خياراته السياسية الخاصة به، نظراً لتوازن القوي وتساويها تقريباً، يستدعي تدخلاً شعبياً مكثّفاً قبل ان يتسع الخرق على الراقع. ولعلّ هذا هو ما أراده ولي العهد من الشكوي الصريحة ومخاطبة الشعب بشكل مباشر في أكثر من مناسبة.

وعلي الرغم من أن كبار الأمراء لا يميلون الى نشر غسيلهم وخلافاتهم، إلا أن حقيقة وجود صراع صار من الأمور المعروفة، وإن الشعب ليس بعيداً عما يجري، وهو يعتقد بأن ما يظن بأنه شأن خاص بالعائلة المالكة، هو في جوهره شأن عام يؤثر على كل مواطن، وبالتالي فإن هناك استعداداً، بل رغبة شديدة، تتملكه لممارسة دوره في النهوض بالبلاد بعد حسم مسألة الصراع الداخلي.