الحراك الإصلاحي.. تحديات وتطلعات

 مما لا يدع مجالا للشك بأن الحراك الإصلاحي بمختلف حيثياته قادم لا محالة؛ وكل المؤشرات تدفع باتجاه هذا القادم الذي لن يكون مجهولا طالما أجمع الكل على أن الإصلاح بات من الضرورة بمكان أن يأخذ حيزه البارز في ظل ظروف لا تحتمل التأجيل دون النظر فيها.

وما الإصرار الشعبي على رهان التغيير إلا مؤشر دافع باتجاه تعميق القناعة وتصليبها للوقوف جنبا إلى جنب مع القرار السياسي، وذلك من أجل الخروج من الأزمات الطاحنة عبر تبنّي مسار إصلاحي تتدافع إليه كافة فئات الشعب وطبقاته ومذاهبه واتجاهاته؛ عبر تعددية متسقة بحجم المساحة الجيو سياسية؛ وبواقع حراك مؤسسي يخرج الأغلبية من صمتها المطبق! ويدفع الأمور باتجاه مشاركة شعبية صحيحة.

إلا أن الهاجس الشعبي حيال المتغيرات المتلاحقة داخلياً وإقليمياً ما يزال في صيرورته التاريخية وانغلاقاتها فلم يخرج منها إلا مشدوها لواقع غير مستعد له، مما جعله حبيسا لأزماته النفسية تارة وعدم التفاؤل تارة أخرى.. لقناعته بأن كل هذا الحراك الاصلاحي ما هو إلا رجم بالغيب! وبسبب ضغوط خارجية أكثر من كونها داخلية.. لذا يكون المترجي من كل ذلك مجهولا لا يعول عليه بشكل أساسي في عملية التغيير المرتقبة!

الضاغط الخارجي ليس هدفه التغيير من أجل التغيير بقدر ما هي المصلحة التي تتقدم المشروع الغربي الأمريكي على وجه التحديد. فأمريكا تبحث عن ضمانات لهذا التغيير القادم بغض النظر عن الكيفية التي تمارسها من أجل تحقيق مخططاتها والتي لا تقف عن حدود معينة من أي من دول المنطقة. والإدارة الاميركية لن تتوانَ في تغيير وجه المنطقة المتداخل وتغيير الخارطة الجيوبولوتيكية وبالتالي تغييرات تكاد تكون جذرية على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

كذلك ثمة حراك داخلي قد لا يوازي من حيث القوة الضغط الخارجي، إلا أنه في طور النمو والحضور الناضج في تقديرات مقومات البناء للوطن وتعزيز الثقة في المواطنين ليتسنى لهم إدراك المرحلة وتثبيت القدم على الغالب من المكتسبات الإصلاحية في حال تحققها.

وقد جاء الحراك الداخلي متحليا بالمرونة والتعاطي مع امكاناتها بشكل مقبول إلى حد ما، وقد اتخذ أشكالاً متعددة كان أبرزها في العرائض السياسية التي قدمت للحكومة من لدن التيارات المختلفة الديني والليبرالي الوطني، والتي تضمنت مطالبة صريحة بإجراء إصلاحات سياسية واضحة، وهي بذلك تختلف اختلافا نوعيا عن العرائض التي قدمت في التسعينات والتي كانت تفتقر لعنصر المطالبة الواضحة. ويضاف لذلك ما يمارسه الكتاب المثقفون عبر الصحف المقروءة؛ وما يقدم من ندوات وحواريات سواء كانت على حيز الواقع أو الافتراض كشبكة الانترنت، والتي كان لها اليد المبسوطة لدفع وعي الإصلاح إلى فضاء أكثر تبلوراً وإيضاحاً. كل ذلك أدّى إلى رفع سقف المطالب في حدودها القصوى المملكنة؛ ومما لا شك فيه بأن العاملين الضاغطين الخارج والداخل على الرغم من تفاوت القوة والأثر.. إلا أن ذلك انعكس بشكل إيجابي على الوضع السياسي لمعظم دول الخليج العربية والتي من جملتها بلادنا، وما القرارات الأخيرة في تأسيس مركز للحوار الوطني والبدء بفعاليات انتخابية (المجالس البلدية) ووعود المشاركة الشعبية في صناعة القرار السياسي، إلا إفراز لتلك الضغوط الداخلية والخارجية.

لقد استضاف (منتدى الساحل الشرقي – واحة سيهات) (http://www.saihat.net/vb/) في شهر رمضان الكريم الفائت مجموعة من المثقفين السعوديين ممن يحملون الهمّ الإصلاحي للنقاش حول مواضيع إصلاحية حاضرة، كان من بينهم الأساتذة: (جعفر الشايب، محمد العباس، علي الدميني، توفيق السيف، الشيخ فيصل العوامي، فؤاد إبراهيم) كانت حصيلته هذا الملف المتميز والذي حوى الكثير من الآراء المختلفة والمتنوعة، والتي لا شك تشكل إضاءة في الطريق نحو مشاركة شعبية فاعلة في صناعة القرار السياسي في البلاد.

لقد تحدث المشاركون عن أشكال التعبير التي مرت بها المملكة، ودوافع التغيير، ونواقصه، وتجادل المتحاورون حول دور النخبة في قيادة الرأي العام ومدى التصاقها بجمهورها، كما ناقشوا الخطوة التالية التي يمكن للإصلاحيين القيام بها. وفي حين عدد الأستاذ الدميني إنجازات العمل المطلبي الوطني، ركّز الأستاذ محمد العباس على ضرورة التجذير الثقافي الذي بدونه لا يمكن للإصلاحات ان تقوم، كما أن الأستاذ توفيق رأى أن نقطة البداية تكمن في تشكيل التجمعات السياسية، بعيداً عن الحكومة، واعتبرها أمراً أهليّاً. اما الأستاذ جعفر الشايب فوضع يده على نواقص العمل الوطني المطلبي، في حين تحدث الأستاذ فؤاد إبراهيم عن تحدي الذات ومشكلة العنف الذي يختطف العمل الوطني وإشكالية التنوع والتعدد والقبول به، وأخيراً فإن الشيخ فيصل العوامي انتقد فوقانية العمل الإصلاحي وابتعاده عن نبض الشارع، وطالب بإصلاحات (على مقاس الجمهور) وليس (مقاس السلطة).

لقد قدم منتدى الساحل الشرقي خدمة جزيلة باستضافته مجموعة من المهتمين بالإصلاح، نشكره عليها، ونقدمها لقراء (شؤون سعودية) التي هي مهتمة في الأساس بهذا النمط من النقاش الواعي والحضاري.