أضواء على المستور

كيف تدير الحكومة حربها على الإرهاب؟

محمد الهويمل

ثمة معركة غير معلنة كانت ـ ومازالت ـ تدور رحاها على الحدود السعودية اليمنية بين قوات أميركية وسعودية ويمنية مشتركة ضد من يطلق عليها بالجماعات الارهابية التابعة لتنظيم القاعدة. هذا المقال يتابع تطورات الموقف الرسمي في مكافحة العنف، وأثر اعترافات رموز التيار المتشدد على الوضع الأمني.

أعلن مؤخراً عن اكتشاف شحنات أسلحة تم تسريبها عبر الحدود الجنوبية الى داخل السعودية، وكانت في طريقها الى مخابىء الجماعات المتشددة. كما وأعلن في وقت لاحق بعد ذلك عن إعتقال الرجل الثاني لتنظيم القاعدة في اليمن. القوات المشاركة في هذه المعركة تضم فرقة أميركية خاصة وطاقماً من الخبراء العاملين في وكالة الاستخبارات المركزية السي آي أيه وهيئة التحقيقات الفيدرالية الإف بي آي.

الاعلان عن إحباط عملية ارهابية في أول أيام عيد الفطر المبارك وتحديداً في الخامس والعشرين من نوفمبر الماضي، جاء نتيجة عمل مشترك بين فرق أميركية وقوات سعودية خاصة لغرض إفشال محاولتي تفجير عن طريق استعمال الشاحنات المفخخة والتي كانت الجماعات الارهابية والتي يزعم إرتباطها بتنظيم القاعدة تنوي القيام بهما في وسط الرياض. وبحسب ما كشفت عنه تقارير أمنية رسمية فإن السائقين  كانا يقودان شاحنتي نقل محمّلتين بطن من المواد المتفجرة، وهما باللون البني الغامق المشابه للون المستعمل في الشاحنات العسكرية التابعة للجيش السعودي. وبعد إعتقاله قام مساعد محمد السبيعي بفتح النار ضد القوة السعودية الاميركية المشتركة التي ردت عليه بنيران مضادة وقامت بقتله على الفور. أما زميله عبد المحسن عبد العزيز فقام بتفجير نفسه عن طريق اصبع ديناميت فور مصرع السبيعي وذلك لعدم تمكين القوة المشتركة من القبض عليه وانتزاع معلومات عن خلايا أخرى في التنظيم.

وتعتبر هذه أول محاولة تقوم بها الجماعات الارهابية لمهاجمة وسط العاصمة الرياض بعد أن كان التركيز منصّباً على مجماعات سكانية مغلقة ومعزولة. وكانت هناك شاحنتان مشبوهتان جرت ملاحقتهما في نفس اليوم الا أنهما نجحا في الافلات بعيداً عن رصد القوات الأمنية. وكانت القوات الاميركية العاملة قد قامت في نفس اليوم بنصب كمين في الشريط الجنوبي من الجزيرة العربية مدعومة من قبل قوات يمينية خاصة لالقاء القبض على حامد الأدهل، والذي يعتبر العقل المدّبر للهجوم الانتحاري ضد سفينة كول في أكتوبر 2000 والتي أودت بحياة سبعة عشر بحاراًَ أميركياً. وكان أبو عصام اليمني أو عصام المكي الاسماء المستعارة التي يحملها حامد الأدهل قد أعلن عن أن هجوماً ضخماً ووشيكاً ستتعرض له الولايات المتحدة، كما أصدر إنذاراً بالموت ضد الزميل عبد الرحمن الراشد، رئيس تحرير جريدة (الشرق الأوسط) الصادرة في لندن كرد فعل على جريمة إجراء مقابلة والتقاط صورة مع الرئيس الأميركي جورج بوش خلال زيارته الى لندن في نوفمبر الماضي.

وكان المحققون الأميركيون قد أبدوا قلقاً بالغاً حيال فحوى التهديد الذي أطلقه الأدهل، حيث قاموا برصد معلومات كافية حول نشاطات الجماعات الارهابية لدرء ما أسماه الاهدل (بالهجوم الكبير على اميركا) وملاحقة المشتبه بإحتمال كونهم الاشخاص المرشحين للقيام بهذا الهجوم.

تفيد مصادر خبرية وأمنية عديدة بأن الحرب المتصاعدة في الجبهة السعودية اليمنية المعزولة والوعرة قد حصدت عدداً كبيراً من الارواح رغم أنها لم تجلب سوى إنتباهاً ضيئلاً بالنسبة لوسائل الاعلام المحلية والدولية. وقد كشفت بعض المصادر بأن ثلاثة أميركيين لقوا مصرعهم على أيدي القبائل المعروفة بولائها لعائلة بن لادن، في اليوم الذي تم فيه إعتقال الأدهل في السادس والعشرين من نوفمبر الماضي. وبسبب التعتيم الإعلامي المفروض من قبل القوات الأميركية والسعودية في هذا الهجوم فإن ما يتسرب من معلومات حول طبيعة العمليات وأعداد القتلى والجرحى يبدو قليلاً ويخضع للتبدلات المستمرة، إضافة الى ما يحيط بنشاطات هذه القوات من سرية تامة تحول دون الحصول على ما يؤكد أو ينفي بعض الانباء الواردة من الحدود الجنوبية.

في الاجتماع السري الذي جرى على الحدود السعودية اليمنية فإن قيادات عسكرية من البلدين شكّلت قوات خاصة لتنظيم عمليات لملاحقة أفراد الجماعات الارهابية وإحباط عمليات تهريب الاسلحة عبر الحدود الجنوبية بين البلدين حيث كشفت تقارير سابقة بأن الجماعات الارهابية نجحت في إدخال كميات كبيرة من الاسلحة عن طريق منافذ جنوبية جبلية غير خاضعة للرقابة. وقد ناقشت هذه القيادات مسألة تسليم عضو قيادي من أصول يمنية في شبكة القاعدة والذي تم اعتقاله في مكة المكرمة في أكتوبر الماضي. وقد تم ترتيب هذه المهمة من قبل قيادات في القوات الأميركية الخاصة، والتي تندرج ـ أي المهمة ـ في سياق وعد من قبل الرئيس الأميركي علي عبد الله صالح بالعمل الجاد والحثيث من أجل تعقّب أفراد الجماعات داخل وعلى تخوم اليمن.

والمثير للدهشة بالنسبة للوسطاء الأميركيين الذين كانوا يراقبون المواجهات الحدودية، فإن الضباط اليمنين الذين كانوا يقومون بالتثبّت من الوثائق التي قدّمها السعوديون، طالبوا برؤية المعتقل ولكنهم رفضوا بوضعه رهن الاعتقال، وقد تم إبلاغهم لاحقاً بأن المقبوض عليه نجح في انتزاع سلاح من أحد الضباط وقام بقتل نفسه.

وقد ذكرت تقارير خبرية بأن تبادلاً لاطلاق النار جرى مع جماعات مسلحة يعتقد بانتمائها لتنظيم القاعدة على الحدود السعودية اليمنية وقد استغرقت عمليات التبادل لمرات عديدة قدّرت بين أربع الى خمس مرات يومياً، وقع خلالها عدد من الضحايا في الجانبين. وفي ظل غياب إحصائيات مؤكدة حول عدد القتلى والجرحى من الجانب الأميركي، فإن مصادر خبرية محايدة تؤكد بأن ثمة تعتيماً إعلامياً صارماً تفرضه كافة المصادر على هذا الجانب. من جهة ثانية، تفيد مصادر أخرى بأن الجماعات الارهابية تملك من الخلايا النشطة والمجهّزة لتنفيد عمليات انتحارية في المدن الرئيسية في السعودية واليمن وخصوصاً في الرياض وجدة ومكة المكرمة وصنعاء وعدن.

وبحسب بعض المصادر، فإن هناك نقلة نوعية في مسلسل التفجيرات بعد الهجوم على مجمع المحيا السكني في السابع من نوفمبر الماضي، حيث يتم مضاعفة الجهود من أجل الوصول الى كبار الأمراء في العائلة المالكة وهكذا مسؤولين كبار في اليمن. إن عمليات إغتيال القيادات وضرب مصالحهم سيتم إعتمادها في حال نجحت القوات الأمنية المكلّفة بمهمة ملاحقة الجماعات الارهابية في قتل أحد من أفرادها القياديين. وكانت علامات استفهام كبيرة قد أثيرت بعد بدء عمليات الجماعات الارهابية داخل المملكة حول السبب الذي يجعلها تنأى بعيداً عن استهداف أمراء كبار في العائلة المالكة، مما جعل بعض المراقبين يعتقد بأن ثمة تواطؤات غير معلنة بين جهات رسمية وتحديداً أمنية وقيادات الجماعات الارهابية. الا أن التطورات الأخيرة تفيد بأن ثمة تصعيداً في عمليات العنف قد تمتد الى قصور الأمراء وكبار المسؤولين.

ولهذا السبب فإن الاجراءات الامنية قد جرى تشديدها في كل من السعودية واليمن حول القيادات السياسية والعكسرية حيث يقضى هؤلاء معظم أوقاتهم خلف جدران مضادة للانفجارات داخل مجمعات مغلقة. وكان كبار الأمراء قد إعتادوا في السنوات الماضية، وخلال الاحتفال بالأعياد على الذهاب للأماكن العامة والترحيب برعاياهم في وسط المدينة، ولكن كثيراً منهم قد تخلى عن هذه العادة  في هذا العام. فليس هناك أي من الأمراء يُرى في شوارع الرياض خلال العيد الماضي. وقد شوهد الأمير سلطان في مكان عام وهي المدينة العسكرية المحصّنة في تبوك بالقرب من الحدود الأردنية، حيث قام بالسلام على القوات من أجل تبديد المخاوف من التغييرات الفجائية في تحركات الأمراء. هذا وقد لوحظ خلال افتتاح الجامعة الاهلية التي يرأسها الامير فهد بن سلطان أن عدد الحضور كان قليلاً فيما كانت المقاعد الشاغرة تفوق بمرات المقاعد المشغولة رغم أن المكان كان صغيراً. وكانت زيارة الأمير سلطان الى المنطقة الشرقية وصفت بأنها تظاهرة امنية بسبب الاجراءات الكثيفة التي أتبعت رغم أن المنطقة المقصودة تشهد هدوءا نسبياً قياساً الى المناطق الأخرى.

 خلفية أخرى لاعترافات الخضير

 وُصِف الشيخ علي الخضير بالمرشد الروحي للتيار الجهادي في المملكة، ولعدد من السعوديين الذين قاموا بتفجير الشاحنات المفخخة خارج ثلاث مجمعات سكنية للاجانب في الرياض في 12 مايو والتي أدت الى قتل 35 شخصاً.

بعد إسبوع من الانفجارات، تم اعتقال الخضير بعد مواجهة مسلحة وعمليات اطلاق نار عنيفة في المدينة المنورة بين قوات الأمن السعودي ومحاربي القاعدة. وقد تم الافراج عن الشيخ الخضير لاحقاً بعد موافقته على الظهور العلني على شاشة التلفزيون والاقرار بتراجعه عن فتاوى سابقة له بالجهاد ضد العائلة المالكة كما وعد بالمساعدة في تمهيد لمفاوضات مع قيادات تنظيم القاعدة. وقد ذكرت تقارير بأن العائلة المالكة قدّمت عرضاً مغرياً للخضير مقابل الخدمات التي قام بها.

المقابلة التلفزيونية التي أجريت مع الشيخ الخضير كانت أشبه ما تكون بتحقيق أمني يديره رجل دين، كانت بمثابة اعلان توبة سياسية علنية وتقديم فروض الولاء والطاعة للحكومة. فقد سئل الخضير عن جواز السفر الى العراق لإعلان الجهاد، فقال بأنه لم يصدر فتوى تسمح بذلك دون موافقة ولي الأمر. وحين سئل عن الفتاوى التي صدرت وتدعو الشباب للسفر للعراق، قال الخضير بأن هذه الفتاوى قديمة وأنه تراجع عنها. وأن الجهاد مسموح في حال تطابقه مع فتاوى صادرة عن العلماء.

وفي سؤال حول (من يقوم بتفجير نفسه بين المؤمنين يعد منتحراً وليس شهيداً) جاءت تعليقات الخضيرة ناقصة ومترددة حول حظر نوع الهجمات الانتحارية التي تجري في العراق وتركيا والسعودية وحتى وإن أدت الى قتل مسلمين. إن الرسالة المشوّهة التي أوصلها الخضير للخارج هي أن دعوته للشباب جاءت على النحو التالي: إذا أردت الحصول على مرتبة الشهادة فإذهب وفجّر نفسك في الكفار مثل الأميركيين في العراق.

لقد أحدثت المقابلة ردود فعل متباينة، حيث أرسلت الادارة الإميركية سؤالاً ايضاحياً للحكومة السعودية حول دعوة الشباب لعدم مهاجمة العائلة المالكة بما يجعل الأميركيين صيداً مباحاً لأفراد التيار الجهادي التكفيري. ولكن الحكومة السعودية لم تقدّم إجابة من أي نوع.

وبالرغم من التزام الحكومة السعودية بالتعامل بالبنادق والسيوف مع المتطرفين الذين يهدفون الى الاطاحة بالعائلة المالكة، فإن قياداتها منخرطة بدرجة كبيرة في مفاوضات مع العناصر المحلية التابعة لتنظيم القاعدة. بيد أن هذه المفاوضات لا تحول دون استمرار هذه العناصر في خططها لتطهير المملكة من الاشرار عبر عمليات إرهابية أخرى. من جانبها تظاهرت الحكومة برفض مبادرات لثلاثة من المشايخ المحسوبين على التيار الديني المعتدل وهم الشيخ عبد الله ناصر الصبيحي والشيخ محسن العواجي والشيخ سليمان درويش من أجل الحوار مع القاعدة وعدد آخر من المتشددين في التيار الديني الجهادي، ولكن وصف ذلك بأنه مجرد استعراض تقوم به الحكومة. فالأخيرة تتطلع بحرص شديد الى وقف لإطلاق النار، ولكنها في الخفاء تقوم بتحريض رجال الدين على مواصلة الحديث بنفس الوتيرة الدينية المتشددة.

فقد توصل الأمراء الى أن محاولاتهم لاستعمال المقابلات التلفزيونية هي من أجل إقناع الشباب السعوديين بخطأ الانضمام الى التنظيمات المتشددة وإيواء الارهابيين، ولكن هذه المحاولات لا تعدو كونها خطوة أولى باتجاه إعادة تثقيف الشباب ومن أجل إعادة الهدوء للمملكة المضطربة. وفيما تتولى جهات أخرى غير رسمية إعادة تفسير المقابلات التلفزيونية بطريقة تؤدي الى إحباط التأثيرات النفسية على الشباب والمتعاطفين مع نشاط الجماعات المتشددة، فإن الحكومة نجحت الى حد ما في إقناع هؤلاء المشايخ لتثبيت أسمائهم في كتاب قامت المخابرات العسكرية السعودية بإعداده تحت عنوان (نهر الذكريات)، وموضوعه الرئيسي هو استنكار مهاجمة العائلة السعودية المالكة فيما يكون العدو الحقيقي للمملكة هو خارج البلاد.