هذه هي سعوديتكم

 

مشكلة بعض المواطنين السعوديين ممن صرعتهم الطائفية والمناطقية، وبينهم مسؤولون كبار، أنهم يريدون القفز على حقائق التعددية في البلاد، ثقافياً ودينياً وتاريخياً وجغرافياً واقتصادياً ومناخياً. ويحاولون الإنتقاص من (أكثرية) المواطنين وحقوقهم في المساواة والعدالة والمواطنة الحقّة.

ينسى هؤلاء أنهم أقليّة، وينسى هؤلاء أن ما بأيديهم هو أكثر بكثير من حقّهم، وينسى هؤلاء تاريخ توحيد (المملكة) وأن الإنتقاص لحق المواطنين (الأكثرية) ينذر بتذرّر الدولة وتفكيكها.

هل هي غلطة تاريخية أن كان سكان الشرقية يدينون بالمذهب الشيعي يوم سيطر عليها الملك عبد العزيز؟ فإذا لم يعجب (المسيطر) عليها شعبها حق له أن يستبدلهم بفلول من أصحاب الدماء الزرقاء المؤمنة، أو يستقدم كوريين وفلبينيين مكانهم؟! أم هي مصيبة أن سيطر السعوديون على الحجاز، فاكتشفوا أن شعبه لا يحفل بالقبلية، ولا يتمايز على أساس العرق.. فأصبح من الواجب على (الموحدين) أن لا يغيروا ديانة (البدعيين الصوفيين) فحسب، بل ويتخلصوا مما يسمونه (طرش البحر) و (بقايا الحجاج)، مع أن تاريخ هؤلاء المواطنين الأصلاء أقدم من قيام الدولة السعودية بقرون، وجذورهم ضاربة في أعماق الوطن قبل أن يكتشفه هؤلاء الطائفيون ويسيطروا عليه.

هذه هي السعودية.. متعددة الأعراق والمذاهب والثقافات.. فهل يريد الطائفيون المناطقيون استبدال الشعب بآخر (مستورد)؟!

هناك من اقترح عليهم، واقترح على بعض المسؤولين الطائفيين منهم، بأنه إذا لم يعجبكم السكان الأصليين لأسباب طائفية أو مناطقية أو عرقية، فارحلوا أنتم عن تلك المناطق، وفككوا دولتكم التي لم تعرف المساواة في تاريخها ولا العدالة، مع ملاحظة نسبية المفهومين.

وهناك في المقابل من بين الطائفيين من يقترح طرد (أكثرية المواطنين) من ديارهم، فالشيعي الشمري، والشيعي القحطاني والشيعي الخالدي والشيعي العجماني وغيرهم، يجب أن يرحلوا الى الطرف الآخر من الخليج، أي الدعوة الصريحة الى (التطهير الطائفي) وفي الحجاز يطرد البقية على أساس (التطهير العرقي).

ما يجمع المواطنين هو الأرض والنظام والمصير والمصالح المشتركة، لا المذهب ولا الأصل العرقي بالضرورة، وإذا كان هناك من يريد أن يعتبر أكثرية المواطنين من (الكفار) فهذا شأنه رغم سوئه، طالما بقي ذلك في إطاره النظري، أما أن يطبق ملحقات ومتواليات معتقده بحيث يرتب على ذلك وجوب إخراجهم (من جزيرة العرب!) فتلك دعوة لتدمير الدولة من أساسها، ليس لأن الطرد مستحيل التطبيق، بل لأنه يرسّخ قناعة (استحالة التعايش) مع الإختلاف، ويدفع بالمواطنين الى البحث عن خشبة خلاص من (الدولة) نفسها، وتكوين دولة (الخاصة) كحل نهائي، بدلاً من (وجع الرأس) الذي استمرّ منذ توحيد المملكة وحتى اليوم!

متعددون نحن ومتنوعون، كما هي كل شعوب الدنيا، حتى تلك التي تبدو أو تزعم أنها منسجمة Homogeneous دينياً وأثنياً. هذه هي الحقيقة التي قفزنا عليها منذ ان قامت الدولة. آن لنا أن نعترف بذلك، وأن نقبل بذلك، وإن كان بعضنا مضطراً مرغماً؛ ولنبحث عن المشترك ـ كما في كل الدنيا ـ فعلاقات الفرد بالدولة، وعلاقات الأفراد بعضهم البعض، قائمة على المواطنة ومستلزماتها في الحقوق والواجبات. في غير هذه الحال، وهو ما ينتج عن الفكر التكفيري والتطييف السياسي، سيذهب كلٌّ الى سبيله ـ بعد أن يخوض في الدماء ـ لتأسيس دويلات على أنقاض (سعوديتكم).