دوري الكذب.. والكأس للحكومة

 فيصل الزامل

 في المسرحية المشهورة للفنان دريد لحام (ضيعة تشرين)، كان هناك مقطع يدور حول منافسة إفتراضية تدور رحاها بين الشعب والحكومة لتحديد من يكذب أكثر. وجرت فصول المنافسة على نحو تتاح فيه الفرصة لأفراد من الشعب وممثلين عن الحكومة، وقد أسفرت النتيجة عن فوز الحكومة في هذه المنافسة، حيث أظهر رجالها براعة فائقة في مضمار الكذب على الشعب.

حين يفقد رجال السلطة القدر على تقديم إجابات مقرونة بحلول يلجأون الى اللغة الدبلوماسية، تزويقاً للكذب. في بلادنا أصبح الكذب جزءا من مهمام المسؤولين ، كباراً وصغاراً إن لم يكن الكذب يأتي إمتثالاً لتعاليم وأوامر سامية. كما أن الكذب صار مستساغاً حتى بين الطبقة الحاكمة، ونزولاً الى الوزراء ووكلائهم والسفراء وصغار المسؤولين. ينقل أحدهم توصيفاً للكذب الشائع بين الأمراء، أن أحد الأمراء الكبار كان يكذب، وكان يعلم أنه يكذب وهذه ليست المشكلة، وأن الطرف الآخر (الذي ينتمي هو الآخر الى طبقة الأمراء) يعلم بأن صاحبه يكذب وهذه أيضاً ليست المشكلة، بل المشكلة تبدو مستغربة حين يعلم الأمير بأن الطرف الآخر يعلم بأن هذا الطرف يعلم بأنه يكذب..فهنا يحتاج المرء الى آلية مختلفة في تفسير هذه الاحجية الغريبة. إن ثمة توافقاً بين الامراء على أن الكذب المفضوح مستساغ كجزء من اللعبة الداخلية، وبالتالي يجوز للجميع ممارستها حفاظاً على الود والصلات القرابية، وهي في كل الاحوال من مستلزمات تقاسم السلطة. فإذا لم يكن الصدق قادراً على تحقيق هذه المهمة فإن للكذب دوراً يلعبه، لأن الصراع المحتدم على السلطة والمنافسة الشديدة بين أجنحة الحكم تتطلب شيئاً من ذلك. وحينئذ لابد من أن يعرب الأمير عن مشاعر مبالغة  تجاه نظيره الأمير..مشاعر مليئة بكل الحب والاحترام والحرص والوفاء..هكذا هي قوانين لعبة الحكم، ولابد من إتقانها من أجل الدخول في حلبة المنافسة والحصول على حصة من كعكعة السلطة التي تتطلب تسلّحاً من نوع خاص. هذا هي الصورة المكثفة داخل دائرة الطبقة الحاكمة.

في طبقة الوزراء هناك من تلقى العلم من لدن خبير فوقه، فأصبح متقناً ببراعة في الكذب على المواطنين، خصوصاً تلك الوزارات التي تحيط بها المشكلات من الزوايا الأربع. على سبيل المثال لا الحصر صرح وزير التعليم قبل فترة ليست ببعيدة بأن هناك مقاعد في الجامعات تفوق عدد المتخرجين من المرحلة الثانوية، وهو قول طموح ويستحق التقدير إذا صح، ولكن حين نضعه على المحك يصبح الكلام غير الكلام، فتلك المقاعد المزعومة ليست أكثر من توسيع هامش الانتساب في الجامعات بطريقة تكاد تجعل عدد المنتسبين يفوق العدد المقرر للطلبة الجامعين المنتظمين.

مثال آخر نورده من مقابلة صحافية مع وزير الاوقاف يقول فيه السيد الوزير بأن المساجد الشيعية تموّل من قبل الحكومة وهذا أمر جار من أيام الملك عبد العزيز. وهو قول طموح أيضاً، ونرجو أن تحظى كافة المساجد الموجودة في المملكة بنفس القدر من الرعاية والاهتمام كالتي تحظى بها مساجد بنيت بأموال بلادنا في أوروبا وأميركا، وفي قارات العالم كافة. ولكن كلام الوزير يخلو من شي واحد فقط وهو الحقيقة، فما نعرفه ويعرفه أبناء الاحساء والقطيف بأن مساجدهم تبنى بتمويل خاص أي عن طريق التبرعات، هذا إن رخص لهم ببنائها في الأصل، أما أن يكون هذا الحال جارياً منذ أيام الملك عبد العزيز فتلك يا سمو الأمير (قوّية) يصعب هضمها، ما لم ندخلها ضمن سياق التسامح الديني الذي يراد له أن يشاع بين أتباع المذاهب داخل المملكة، أو حمل تصريح معاليه على النوايا الحسنة المستحدثة قريباً. وهناك أمثلة عديدة على كذب الوزراء الباقين، وتبقى وزارة الداخلية تتربع على قمة الصدارة وهي صاحبة الضربة الذهبية في مضمار الكذب.

كذب الوزراء صار جزءا من مهامهم، ولذلك لابد من إخضاع تصريحاتهم والاحصائيات الواردة عنهم للفحص الدائم. فالتصريحات حول معدلات البطالة، مثالاً بارزاً، باتت متضاربة الى حد أنها تحولت الى مثار سخرية من الصغير والكبير، بالنظر الى الفارق الهائل بين الادنى والاعلى منها، بين 12 بالمئة الى 39 بالمئة، أضف الى ذلك أن الفارق الزمني بين التصريحات يتقلص الى أيام وليس شهور، إن لم يكن هذا الفارق عكسياً أي أن يكون الرقم الوارد في تصريح ما قبل سنتين أعلى من الرقم الوارد في تصريح اليوم، بما يوحي وكأن معجزة اقتصادية قد وقعت في بلادنا.

كذب الحكومة على الشعب بات معلوماً، وأن يدرك المواطنون بأن الحكومة تكذب فهو أمر ايضاً بات معلوماً ولا يحتاج الى دليل، ولكن أن تصل الحكومة الى المستوى الثالث من المعرفة بحيث تعلم بأن الشعب يعلم بأنها تكذب فهنا نصل الى مرحلة متقدمة في المنافسة التي بلا شك ستمنح الحكومة الكأس بل جائزة نوبل للكذب.