الأجنحة المتصارعة وصناعة القرار

 

ليس هناك آليات فاعلة وحقيقية في صناعة القرار السياسي السعودي، وهناك جنوح شديد الى إعطاء الزمن فرصته الكاملة في صياغة قرارات سياسية غير محسومة أو في حالة انتفاء القدرة على أو الرغبة في صناعة قرارات مكلفة.

كل ذلك صحيح، ولكن الصحيح أيضاً أن ليس هناك في هذا البلد آليات حقيقية وفاعلة لصناعة قرار يجسّد الارادة السياسية العليا لدولة، فهناك قرار متشظ تتقاسمه القوى النافذة. فقبل إصابة الملك بجلطة دماغية عام 1995 كان الملك هو صانع القرار النهائي، فكان الملك عبد العزيز يدير الدولة على طريقة زعيم العشيرة، فهو يقرر السياسات الداخلية والخارجية والمالية وحسب أحد المؤرخين للدولة السعودية كان إبن سعود يقرر من يدخل ومن يخرج من بلاده. وحتى بعد مأسسة الدولة، وتقاسم مهامها من قبل وزارات متخصصة سيما في عهدي الملك فيصل والملك سعود فإن الملك ظل صانع القرار شبه الوحيد في الدولة. فكان الملك يرأس مجلس العائلة المغلق على كبار الأمراء وكان يدير المجلس بأسلوب زعيم القبيلة، فالأمر كله عائد إليه، وإليه يرجع من كان في المجلس لا يعدونه خطاباً، ولا يجرأ أحد مهما علا أو دنا أن ينبس ببنت شفة بعد أن يهزّ فنجان القوة الأخير، حسماً للمجلس، والكلام، والقرار.

اليوم وبسبب مرض الملك فإن القرار خضع للقسمة على إثنين: السديريين وعبد الله ولي العهد

وهناك يقال لجنة خماسية يحضرها كل من الامراء سلمان وسلطان ونايف وعبد الله وآخر من جناحه، وهذه اللجنة مكلّّفة بإختيار الوزراء وأعضاء مجلس الشورى، وهذه اللجنة تدير الأمر بطريقة القسمة بين الشركاء في المغنم.

ولأن هذه الترويكة غير منسجمة في داخلها، فإن صناعة القرار تواجه دائماً طريقاً مسدوداً فالصراع على المصالح لم يتوقف على جناح ضد آخر، بل بات كل عنصر فيه يمثل جناحاً مستقلاً، فهناك جناح سلطان، وجناح نايف، وجناح سلمان وكل هذه الاجنحة المتصارعة لا تقل انفرازاً وحدّة عن الجناحين الرئيسيين: الجناح السديري وجناح عبد الله. إشتداد صراع المصالح بين هذه الاجنحة يعكس نفسه بوضوح على أداء الدولة، كما يعكسه أيضاً على صناعة القرار السياسي فيها. ولعل هذا ما يفسّر جزئياً على الأقل تأخر صدور قرار بالاصلاح السياسي تتوصل اليه الاجنحة المتصارعة، فطالما أن قسمة نهائية لم تحسم في الأعلى، بين هذه الاجنحة، فسيبقى الادنى في حالة إنتظار ما لم يتجه الضغط منه الى الاعلى حسماً للموقف، وفتحاً للطريق المسدود.