السعوديون ودورهم فيما يجري في العراق

ثقافة الحقد والعنف الأعمى

  

(1) في المملكة مخزون هائل من العنف والبارود لم ينفجر بعد. لم نرَ سوى قمة الجبل، والكثير لم يظهر بعد.

المملكة بلد العصبيات القبلية والطائفيات والمذهبيات والمناطقيات. بلد قام في الأصل على الحروب الدينية، واعتبار الآخر كافراً احتلّت بموجبه الإمارات وأُسقطت الدول والإمارات، وأُقيمت المجازر في العديد من المدن والقرى، وهجّر الملايين خارج الحدود.

هذه المملكة، قامت في الأصل على ثقافة العنف والبغضاء الدينية، وقامت على سياسة الإصطفاء الديني، وتغليب المذهبية وتمزيق المجتمع الى فئات وأحزاب، واستمرت في تغذية هذه الثقافة الى يومنا هذا، عبر المناهج والإعلام ومؤسسات الدولة الدينية، والكتب والصحافة.

لقد تربّت ولازالت تتربى أجيال متعاقبة على ثقافة واحدية تمتلك، زعماً، الحقيقة المطلقة وتستهجن ما لدى غيرها، وتعمل على تغييرها بالقوة، وترى أن العضلات والعنف وسيلة لتغيير الأفكار والعقائد والتوجهات السياسية وهي الحل لكل حالة اختلاف طبيعية موجودة في المجتمع.

 (2) تريد الحكومة السعودية اليوم مسح تلك الثقافة أو تدجينها، ولكن استعصت على التدجين، وما عادت بحاجة الى دعم رسمي، والحكومة لا تود إستخدام سياسة البتر، أو لا تستطيعه، وهي بحاجة الى سنوات طويلة لإحلال ثقافة الإعتدال والتسامح، كما أنها بحاجة الى مناخ سياسي معتدل موائم لحركة التغيير والإصلاح. والحكومة تنفي عن نفسها التطرف، وكأنها تستطيع أن تتفادى المصائب التي تترى على رأسها بمجرد (سحب الجنسية) وهو عمل غير قانوني ولا يترتب عليه استبعاد للمسؤولية. الحكومة تنزّه مناهج التعليم، والمذهب الوهابي، وتنزّه مشايخها وخطباء مساجدها، ومفتيها، وهيئة كبار علمائها، وإعلامها، عن أي مسؤولية في تأجيج ثقافة الموت والتحريض. كما أنها حتى الآن لا تعترف بأن نظامها السياسي الأحادي، وفشلها الإقتصادي والإجتماعي، والأزمة الفكرية والثقافة التكفيرية، تخلق مناخاً للتطرّف والإرهاب. إذن من هو المسؤول؟! يقول الموالون: ابحثوا عن المسؤولية في كل الدنيا: في الجزائر وفي أفغانستان، وفي مصر وفي غيرها! ولكننا لم نرَ أفغانياً يقاتل خارج حدود بلاده، وقلّة هم الجزائريون والمصريون الذين يمارسون العنف الطائفي والديني والسياسي خارج بلادهم، ولم يجبنا هؤلاء عن سؤال: لماذا توجد في كل قائمة إرهاب وعنف مواطنون سعوديون؟ حتى اليوم لا يعترف وزير الداخلية بمسؤولية (سعوديين) في أحداث نيويورك! أو غزوة مانهاتن كما يسميها بعض مشايخ الوهابية! فكيف به سيعترف بما يفعلونه في الأماكن الأخرى؟!

 (3) الحرب أولها كلام! والحالة النفسية للتيار السلفي العنفي تنبئ عن مخزون حقد طائفي (غير مبرر) يفوق حدّ الوصف، لا يمكن لأيّ مطّلع عليه إلاّ أن يتنبّأ بانفجاراته الوشيكة داخلياً وخارجياً. وربما من هذا الباب، إضافة الى أمور أخرى، رأى كثيرون بصمات الطائفية السعودية (الوهابية) في تفجيرات العراق الأخيرة، ومقتل السيد محمد باقر الحكيم. لنقرأ نتفاً صغيرة من ردود فعل التيار المتطرّف في المملكة على الحادثة، ولنتصور ـ مجرد التصوّر ـ كيف هو حال المملكة وشعبها اليوم، وماذا يمكن أن يخبؤه المستقبل من هذه الروح الطاغية بالأحقاد والأكاذيب غير المبررة على الخارج فضلاًً عن الداخل، وكيف أن الحروب المذهبية تستهوي هذا التيار بأكثر مما تستهويها حروب الصهاينة أو الأميركان. لنقرأ هذه العقلية ونقترب منها قليلاً، من خلال بعض ردود فعلها على حادثة انفجار النجف، استقيت كلّها من منتديات سعودية مختلفة سلفية وغير سلفية اقتحمها أصحاب هذا التيار المتطرف.

يكتب أحدهم: (الحمد لله الذي أغاضهم وأشفى صدور المؤمنين الطيبين الطاهرين من الشرك والبدع!). وكتب آخر: (اليوم الجمعة الأول من رجب لعام 1424هـ سقط رمز من رموز الكفر والنفاق والضلال مضرجا بدمائه محترقا بنار الكفر الذي سهل دخوله الى أرض الرافدين. نعم نقولها بملء أفواهنا يا حكيم ويا شيعة الضلال: اللهم شماتة بكم، شماتة وأي شماته بكم يا أهل الكفر والضلال يا أهل النفاق وموالاة الكفار، جاءكم من الله الخزي والعار. اليوم سقط رأس من رؤوس الكفر وغداً سوف تسقط رؤوس. اليوم نشمت بك يا حكيم يا من رأيت ان الجهاد ضد امريكا المحتلة لبلدك ولنجفك ليس مستحقاً. رباه ومتى يكون الجهاد إذن. اليوم نشمت بك يا حكيم الضلال، فلقد طلبت رأس صدام وظننت انك انتصرت فكانت نهايتك على يديه. اليوم نشمت في كل منافق وكافر ونشمت في رأس الكفر أمريكا، اليوم أشفى الله صدورنا، وأذهب غيظ قلوبنا بموتك يا حكيم فالحمدلله رب العالمين. اليوم يوم عزّ للاسلام والمسلمين، ويوم ذل للكفار والمنافقين).

وتمنّى المتطرفون هؤلاء، أن يأتي الدور على بقية المراجع الدينية، وعلى القيادات السياسية الشيعية، فردّ عليهم أحدهم: (مع السلامة يارافضي يا من شاركت في قتل العراقيين. أنتم يا شيعة، يا من باع السنّة للصليبيين وحاولوا مرات قتل صلاح الدين الأيوبي والظاهر بيبرس.. يا مذهب التآمر والخيانة على أهل السنة والمودة والمحبة للنصارى واليهود، عقبال إن شاء الله السيستاني والصدر فإنه لا ينفع معكم غير المتوكل والحجاج وصدام حسين).

ومن التعليقات ما يشابه التالي كثير: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر! هلك عدو الدين!)؛ (الله يفتنهم ويزيدهم قتل)؛ (ليتها قنبلة نووية)؛ (العراق للعراقيين ولن يجلس على كرسي الحكم رافضي من أحفاد ابن الطوسي الخائن)؛ (نسأل الله أن يزيدهم تفجير وتدمير أبناء...)؛ ( هذا جزاء الهالك الفاجر)؛ (اللهم إجعل بأسهم بينهم وأرحنا من الرافضة والملاحدة).. الخ.

مفكرة الإسلام، مزوّرة الأخبار، راحت تفيض في جرعاتها الطائفية للوهابيين السعوديين، وتضخم لهم الإنتصار بزيادة عدد القتلى في الساعات الأولى التي وصلت حسب مصادرها الى 300 قتيل، و 580 جريح. فزيادة القتلى تريح الطائفيين وهي بمثابة انتصار، فكلما كثر عدد القتلى زاد الإرتياح والتشفي! وعلّق أحدهم على خبر (المفكرة) فقال: جثة الطاغوت الحكيم تقطّعت إرْبًا إرْبًا. وعلق آخر في منتدى (أنا المسلم) فقال: الحمد لله، وثالث قال: (الكلب كان قد أعطى للأمريكان مهلة سنة، وفي حالة عدم قيامهم بإصلاحات و ما وعدوا به، عندها سيعلن الجهاد، أظن أن قتله كان بسبب تعطيله للجهاد في العراق وتكاسله عن دعوة الشيعة لقتالهم، وبعد ان مات راح الكفرة من أمثاله الرافضة الكلاب يمدحونه. الحمد لله والخزي للكفار والمنافقين، إن شاء الله تكون الضربة الثانية لأخيه).

متطرّف آخر، طالب بتصفية الشيعة في المملكة وقال: (إستعدوا لقتال الكفرة الروافـض، إنهم يعدّون العدّة لنحر أهل السنّة في بلادنا، إنهم يستعدون ونحن غافلون، إستيقضوا من غفلتكم لا أبا لأبيكم!).

أحد السلفيين السعوديين قال أنه من المقاومة العراقية كتب: (كنت قد دعوت في مقال سابق لي إخواني فرسان المقاومة لأن يعملوا على قطف رؤوس الرافضة بشكل مواز تماما لعملياتهم ضد كلاب الصليبيين، وعنونت المقال: رؤوس خماخم ـ يقصد عمائم ـ النجف و كربلاء قد نضجت و حان قطافها). وتابع: (إن قطع رؤوس الرافضة سيقتلهم كلهم عاميّهم وعالمهم فهم ليسوا كأهل الإسلام الذين ينهض منهم دوما من يحمل الراية خلفا لمن سقط). ونبّه الكاتب في تحليل إجتماعي عنصري الى (إن الروافض في العراق عامة ليسوا سوى عبيد أرض وفلاحين أذلاء عند أهل السنة، وهذا حالهم منذ أربعة عشر قرنا. هذه النقطة هامة جدا جدا: إن العبد جبان خوار بطبعه، وهو إن صاح وأرغى وأزبد فلن يعدو قدره، ولن يرتفع إلى مرتبة مقاتل محترف يواجه ويحارب ويقاتل، بل على العكس فما إن يواجه الجد حتى يخضع مستخذياً صاغراً لا يلوي على شيء سوى السلامة). وتابع: (هذا هو حال روافض العراق مع أهل السنة في هذا العراق، و صدقوني إن هؤلاء الكلاب يخافون من الحرب مع أهل السنة أكثر من أي شيء آخر، و لن يكون نصيبهم في أية مواجهة إلا كما كان دوماً الذبح والفرار لا يلوون على شيء). وتمنّى الكاتب أن يكون قتلة الحكيم من السنّة والمقاومة العراقية: (إن كان قتلة الحكيم من المقاومة فإن هذه ستكون ضربة معلم كبرى، لأنها ستلقي الرعب في قلوب عوام الرافضة الذين سينفضون من حول خماخمهم في أية مواجهة أو دعوة للمواجهة كما هو دأبهم) وأضاف: (أقول لإخواني في المقاومة: أتمنى أن تكون هذه العملية من تدبيركم، وإن كنتم من نفذها فأصدروا بيانات تتبناها وتجعلها إنذاراً مرعباً لكل كلب رافضي بألاّ يعدو قدره، ولتكون تذكرة لهم بأن السيوف التي حصدت رؤوسهم الجبانة يوم إنتفاضتهم الوسخة لا تزال مشرعة ولن ترتوي من دمائهم هذه المرة حتى تأتي على خضرائهم. إن إعلانا كهذا لن يزيدهم إلا خبالا، ودعوكم من حكاية فتح جبهة جديدة فإن هؤلاء الأنجاس أقل وأذل من أن يقاتلوا).

وفي وقت يخشى فيه الجميع في العراق وفي الدول العربية والإسلامية المجاورة من الإنزلاق في حرب طائفية، قد تنتقل بلهيبها الى خارج العراق، وبينها المملكة نفسها.. وفي وقت يبادر فيه عقلاء الأمّة: من القيادات الدينية في إيران، الى الشيخ القرضاوي، الى السيد محمد حسين فضل الله، الى الشيخ الكبيسي، الى السيد حسن نصر الله، في محاولة منهم لتجنيب الأمّة فتنة لا تبقي ولا تذر.. لم تظهر من المؤسسة الدينية السعودية بيانات إستنكار، فيما انجرف الطائفيون الصغار، نحو تأجيج الوضع، وتبسيط المشكلة، وتمنّي الصدام، فهذا أحدهم يقول: (إن المواجهة التي تخوفون أهل السنّة بها هي عين ما يرتجف الروافض رعبا من فكرة حدوثها. إنهم يعرفون جيداً جبن أتباعهم وخستهم ونذالتهم، وما كان هؤلاء الوزغ ليجرؤوا على التطاول على سنّي، إلاّ بعد إطمئنانهم لحماية قوة خارجية كالمغول والصليبيين، والآن هم يرون الرعب الذي يسيطر على أسيادهم الجدد من سيوف أهل السنّة. ووالله إن الروافض الآن لهم في روع أشدّ بكثير من روع الصليبيين، ذلك انهم أجبن من الصليبيين بكثير).

وأثنى كاتب سلفي متنطّع آخر على هذا الرأي، وأضاف مستعجلاً الحرب والصدام الطائفي: (نعم إن شاء الله سنحرق العراق بحطب عظامكم وعظام ساداتكم الجدد من الصليبيين). وأتبعه آخر بالقول متشفيّاً: (إن حمار الحكيم الفاطس ليس ككل الروافض، ولكنه ملك روافض العراق وكبيرهم المطاع، وقطف رأسه عبرة لهم، وتذكير بأوجاع سيوف السنّة التي ما إنفكت تذيقهم وبال أمرهم كلّما علوا أو عدوا قدرهم. هذه ضربة ذكيّة جداً، لا يضربها إلاّ خبير، ولا أظن أن للروافض أو الصليبيين أية مصلحة ترتجى منها).

 (4) حاول بعض المعتدلين تعديل الخطاب الطائفي الطاغي لدى السعوديين الوهابيين، خاصة وأن لا سابقة عداوة أو صدام، على الأقل بين العراقيين والسعوديين على المستوى الشعبي، ولم يكن العراق من بين الدول المستهدفة سياسياً أو مذهبياً. العراق (مكتشف جديد) أو لنقل (منخفض جديد) بلا دولة شأنه شأن أفغانستان والشيشان والصومال وغيرها، فانفضّ باتجاهه دعاة العنف والتطرف الوهابي، بعضهم هرباً من ضغط السلطات الأمنية، وأكثرهم يحدوهم جهاد (الشيعة واليهود والصليبيين) في العراق!

كتب فارس قرشي مستغرباً في الوسطية عن (ثقافة الحقد) فقال: (يتحدث مذيع نشرة الأخبار عن إنقطاع التيار الكهربائي في بلد ما.. فيصرخ أحد أعضاء الجلسة قائلا: أحسن! الله يدمرهم. ويتحدث مذيع نشرة الأخبار عن حرائق في غابات بلد ما....فيصرخ احدهم: الله يجعلها ما تطفئ! ثم يأتي خبر عن تفجير مقر الأمم المتحدة وموت مفوضها البرازيلي، فيصفق بعضهم للخبر طرباً. ويقتل أحد زعماء الشيعة في إنفجار اودى بمئات الأشخاص، فيتم تداول الخبر في العمل، وينطلق البعض قائلين: أحسن ما هو رافضي يستاهل، وهكذا).

وأضاف بأن هذا الموقف يعبر عن ثقافة كره وحقد لا شعورية، وأنها لا تنطلق من فكر يوازن بين المصالح والمفاسد، ولا تنطلق حتى من إهتمام بالسياسة او الأحداث. وتساءل: (من كرس ثقافة الحقد هذه؟ من يجعلها تبدو وكأنها جزء من الموقف الديني الحقيقي؟ وهل هذه الثقافة المعبأة بالحقد والكره والفرح بمصائب الأخرين هي نفس المنهج النبوي؟ ألم يرفض النبي الدعاء على المشركين الذين أخرجوه؟ ألم يرفض الدعاء على أهل الطائف الذين قذفوه بالنبل؟ أليس هذا ذنب العلماء؟ ألم يساهم هؤلاء في تكريس هذه الثقافة؟ ما دور خطباء الجمعة، ما دور الهيئة المسماه بهيئة كبار العلماء؟ ما دور خطباء المسجد الحرم والمسجد والنبوي؟ وهل ستستمر هذه الثقافة المبنية على قصر النظر وضعف الإطلاع، وبساطة المعرفة، المعتمدة على الجهل المركب: الجهل بالدين نفسه والجهل بالمصلحة؟).

غير أن هذه الأصوات المعتدلة تضيع في زحام التطرف الطائفي الحادّ الذي يكاد يصيب المرء من خلف شاشة الكمبيوتر على شكل شظايا، قد تجد لها يوماً ليس بالبعيد آثارها على أرض الواقع.

 (5) وأمام قعقعة السلاح، والتغنّي بالإنتصار، يطرح موضوع القاعدة ودورها، فالحكومة السعودية تريد تحويل المشكلة الى القاعدة، وكذلك أميركا، ولكن القاعدة أكثر تسييساً، وهي جزء من محيط سلفي وهابي متطرف يقبع في المملكة. والأرجح أن القاعدة التي تُلقى عليها كل مصائب العالم لا دور لها في انفجار النجف، فحتى الآن هي ترى أن من أولوياتها مواجهة الأميركيين كقوات وجنود، في حين يريد أعداؤها، وبينهم الحكومة السعودية إلصاق كل مشاكلها الداخلية بها. مع أن عدد العنفيين من مواطني المملكة، أكبر بكثير من عدد أفراد القاعدة، وأكثرهم لم (يجاهدوا) في أفغانستان، وأعمارهم ـ كما دللت حوادث العنف في المملكة ـ أقل من العشرين؛ أي أنهم تربوا وتعلّموا العنف داخل المملكة وتمّ تحريضهم أو تضليلهم ـ كما يحلوا للبعض ـ من قبل شخصيات محليّة، اعتقل بعضها، والآخر لازال طليقاً. إذا ثبت أن لمواطنين سعوديين دوراً في العراق، فإنهم متطرفون سلفيون صُنعوا داخل المملكة وليس خارجها، ولا دخل للقاعدة بذلك.

وأكثر السلفيين المتطرفين ودعاة العنف في المملكة، يميلون الى أن القاعدة ليست وراء ذلك، ولكنهم يتمنّون أن يكونوا سعوديين، أو على الأقل (وهابيين) عراقيين! فيما دافع بعضهم عن حقيقة أن المعتقلين من القاعدة في إيران كانوا يعاملون معاملة حسنة، وأن الكثير منهم أطلق سراحهم في مواجهة العدو (الأميركي) المشترك. وأضاف آخرون بأن (القاعدة والمجاهدين لن يعادوا الشيعة لأن الشيعة إلى الآن لم يصدر منهم عداء لهم).. وإذا كان هناك من أعضاء القاعدة من قام بجريمة النجف، فإنه يخالف رأي إبن لادن والظواهري.

لكن كل التحليلات لا قيمة لها، فالعقل قد تمّ تغييبه، بعد أن استثير ذاتياً بالبعد الطائفي، الذي لم تشهد له ـ حسب ظننا ـ المملكة في تاريخها، فالنسخة العنفية الرائجة في المملكة اليوم متطورة عن الإخوان في العشرينيات الميلادية، وحركة جهيمان في السبعينيات الميلادية من القرن الماضي. وقد ساعدت التكنولوجيا ليس على التعرف على الآخر والبعد عن التنميط، بل الى المزيد من اختلاق الأكاذيب وتنميط الآخر، ورميه بكل التهم المتناقضة، واستخدام الإنترنت إضافة الى الوسائل (الدعوية!!) الأخرى كأداة حشد جماهيري بالغة الأثر.

لا مكان لنقاش عقلي، فالشحن الطائفي لعقود طويلة كفيل بأن يخلق شخصيات غير سويّة، مضطربة، بل مريضة نفسياً، يمكن ملاحظتها ليس من أفعالها التي نشهدها على أرض الوطن فحسب، بل من خلال ما يكتب ورقياً وإلكترونياً. إقرأ ما يقوله أحدهم محرّضاً نحو المزيد من العنف، وتكفّله هو وأمثاله: (سيروا على بركة الله وعين الله ترعاكم، ونحن معكم بالماء والزهاب ـ الدعم ـ فوالله ما ينفع مع الشيعة إلاّ خشم الرشاش، فهم أنجس من اليهود وأجبن منهم، وقد سلط الله عليهم الذل والمسكنة لمشابهتهم اليهود. فوالله إنّهم العدو الأول، ولن يتحقق لنا النصر إلا بإبادتهم عن بكرة أبيهم).

وكتب آخر مؤيداً: (الروافض وقفوا مع العلوج ضد المسلمين، فكان من الضروري معاملتهم كما الأمريكان، والذي يدعو إلى وقف العمليات ما هو إلا داعية سوء، لأن تمادي الروافض يعني استمرار نزف دم المسلمين، ولن يتخثر هذا الدم ويقف هذا النزف إلا بمثل هذه العمليات ـ يقصد انفجار النجف). وثالث كتب: (نحن فرحين بهذه الحادثة أياً كان فاعلها، ولا يسعنا إلا أن نقول الحمد لله عدد من مات من الأنجاس في هذه الحادثة، وبقدر الدم المسفوك فيها)!

 (6) من المفارقات المدهشة، هي أن وزارة الداخلية السعودية، وكلما حاولت التنصّل من مسؤولية تصدير العنف الى الخارج، جاء المتطرفون الوهابيون أنفسهم ليؤكدوا أنهم وراء ما جرى ويجري. جهات سلفية معارضة أو وسطية تشير الى الآلاف المؤلفة من السعوديين الذين تسللوا عبر الحدود السعودية العراقية الطويلة وذهبوا للجهاد في العراق، في حين ينفي نايف ذلك بضرس قاطع. الأمير نايف يريد إلصاق التهمة بالشيطان لو أمكنه ذلك، ولكن جموع السلفية ـ التي يناصرها ـ ترى في ذلك تخذيلاً للدعاة، وللمجاهدين. وفي حين يصدر الديوان الملكي السعودي بياناً يعزّي فيه الضحايا في العراق، بمجرد أن أعلن عن احتمال وجود سعوديين متواطئين، وفي حين تصدر وزارة الخارجية بياناً ينفي مساهمة سعوديين، يأتي السعوديون السلفيون العنفيون فيكذبوا الأمراء، وليؤكدوا جماهيرية التوجّه نحو العراق والإنخراط في الحرب الطائفية، وأن (عندنا فتوى شرعية بجواز ذلك) وأن (الذي يريد الجنة لا يحتاج الى استئذان إمّه ولا وزير الداخلية) وأن (تعطيل الجهاد ضد الكفار ديدن الحكومة). بل إن أحدهم قال: (أعرف الكثير من الشباب دخلوا العراق وآخرهم اليوم من خلال سوريا، وبعضهم يا حبيب قلبي ـ والكلام موجه الى الأمير نايف ـ من وزارتك. عجّل الله بتحرير العراق من الرافضة والمنافقين والأمريكان الخنازير).

وفي حين يؤكد وزير الداخلية السعودي: (لن نسمح ولن نتساهل مع أي سعودي يحاول المساهمة او التدخل في الشأن العراقي) داعيا في الوقت نفسه الى تسليم من يثبت أنهم سعوديون ودخلوا الى العراق الى السلطات السعودية.. وفي حين أن الأرقام تشير الى آلاف عدة من السعوديين دخلوا العراق، فإنه لم يعتقل منذ انفجارات مايو في الرياض سوى 150 شخصاً. فمن أين ولدت الأعداد الكثيرة التي ذهبت الى العراق؟

 (7) الإعلام السعودي مرتبك في معالجته الإعلامية لظاهرة تسلل السعوديين الى العراق ودورهم المحتمل في تفجيرات النجف. ويزداد الإرباك في حقيقة أن أحداً لا يريد أن يخالف الرواية الرسمية التي تكفّلت بها ابتداءً وزارة الداخلية ثم الخارجية. بعض الصحافيين يقول بأن لا سعوديين في العراق، وبعض آخر يقول بوجودهم ولكنهم يتبعون تنظيم القاعدة، وقسم ثالث يلقي باللائمة على الآخرين، كما قال نايف تماماً، فهم تسللوا عبر الأردن وسوريا! قسم رابع ـ كجمال خاشقجي ـ عالج الموضوع من منظور أشمل ففي مقال له نشر في الثاني من أغسطس، اعترف بالتسلل وألقى بحمولة التهم على القاعدة، وقال إن دعاة الطائفية والعنف يبحثون عن الأماكن التي تعاني من غياب السلطة والأمن، ودعا الحكومة السعودية الى أن تسبق القاعدة الى العراق، فتوطّد العلاقات مع قيادته وتساعد في إعادة الأمن الى ربوعه.

اما الإعلام الديني السعودي، فأغفل الموضوع العراقي، وحين بادرت قناة المجد السلفية السعودية التي تبث من الإمارات الى مناقشة مقتل السيد الحكيم، واستضافت محمد الراوي، حرص المذيع الذي يمثل سياسة القناة، أن لا يذكر الحكيم بأي خير، ومع هذا غضب السلفيون المتشددون من القناة، كون الراوي قد أبدى بعض مناقب الحكيم. فردّ أحدهم مدافعاً عن القناة بالتالي: (المذيع لم يقل اسم الحكيم الاّ مبهماً هكذا بدون ترحم: محمد باقر الحكيم، ولم يقل المذيع رحمه الله، أو آية الله، فاحذر من نقد القناة بدون بيّنة).

 (8) سيقال احتجاجاً بأن كتّاب الإنترنت لا يؤخذ بكلامهم، وأن المتطرفين ودعاة العنف قلّة. ولكن تجب الإشارة هنا، الى أن هناك (ظاهرة) متصاعدة من الأحقاد تبحث عن منفذٍ لها بين الأرض الرخوة لتنفجر بوجوه الجميع. قد يكون للتنبيه اليوم قيمة ما، ولكن في المستقبل، حين يخوض المواطنون في دماء بعضهم البعض، لا يبقى للكلام قيمة. بإمكاننا تهوين الأمر، والإكثار من النفي، والدعاء الى الله أن يبعد السوء عن الوطن وأهله، ثم نبقى متفرجين منتظرين السيل.

لنقرأ أوضاعنا السياسية المتردية، وأحوالنا الإقتصادية المتدهورة، وثقافة التكفير المدمرة، ومشاعر الإحباط والغضب التي تبحث عن متنفس من أناس محبطين.. ففي مثل هذه القضايا يكمن الداء والدواء.

إن ما يمكن إستخلاصه من قراءة بعض العينات المنشورة في منتديات الحوار السلفية تبعث برسالة نذير للدولة والمجتمع بكل فئاته ونخبه الدينية والوطنية كيما تحثّ الخطى نحو سحب فتيل عنف بات يقترب كثيراً من ثيابنا، وأرضنا، وأمننا، وأطفالنا ونسائنا. وإذا كانت الدولة فشلت في إحباط المفعول الارهابي خارجياً فإن المسؤولية تتعاظم الآن من أجل درء خطر حرب أهلية داخل الحدود، وستكون الدولة طرفاً مسؤولاً مسؤولية مباشرة عن كل عواقبها الوخيمة.