زيارة ولي العهد الى موسكو

خطوة في الإتجاه الصحيح

 

تردّي العلاقات السعودية الأميركية دفع بالقيادة السعودية الى التفتيش عن حلفاء إقليميين ودوليين جدد، لم يكن من الممكن في يوم من الأيام مجرد التفكير فيهم. لقد خطا ولي العهد خطوة استراتيجية في إعادة التوازن للعلاقات السعودية ـ الإيرانية، رغم ممانعة بعض أطراف من العائلة المالكة، ورغم عدم الإرتياح الأميركي. وخطا بزيارته لموسكو، خطوة أخرى في بناء علاقات دولية فيما يشبه إعادة قراءة للسياسة الخارجية السعودية التي انتكست في السنتين الماضيتين الى أبعد حدودها، وأصبحت المملكة بسببها مكشوفة سياسياً بعد تضاؤل الآمال في إعادة العلاقات الأميركية الى سابق عهدها، أو حتى منع تدهورها في الفترة القادمة، مما زاد هواجس صانع القرار السعودي من أن المملكة، أصبحت بلا حلفاء يعتدّ بهم، وبدون قوة ذاتية قادرة على الدفاع عن نفسها فيما إذا قررت الولايات المتحدة التصعيد والعداء الى حد تهديد نظام الحكم السعودي نفسه.

زيارة موسكو، وتوقيع اتفاقات سياسية واقتصادية بين السعودية وروسيا، كان استجابة لتحدّ يتهدد البيت السعودي نفسه من الحليف الأميركي (السابق)، ورسالة أراد منها الأمير عبد الله القول بأن العائلة المالكة تمتلك البدائل السياسية مثلما تمتلك واشنطن بدائل للمملكة أو للعائلة المالكة نفسها. ولربما ينفتح السعوديون في المستقبل على قوى أخرى دولية كالصين والى حد ما ألمانيا وفرنسا، لتقوم بدور تسوير المملكة دولياً في أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي من قرارات عقابية قد تتخذها واشنطن أو تفرضها بحجج أحداث الحادي عشر من سبتمبر أو أي حجج أخرى.

ولكي تكون هذه النقلة النوعية في العلاقات الروسية خطوة في تصحيح السياسة الخارجية السعودية لا بدّ أن تكون ضمن مراجعة شاملة للشأن الخارجي، وليس مجرد رد فعل على تطور موقف واشنطن تجاه الرياض، أو تكتيك يبتغى منه (الإغاظة) لتعود بعدها المملكة مرة أخرى في الحضن القديم بعد (زعل طارئ). وإذا كان من المنطقي، أن دولة مثل المملكة، لا تسعى الى المصادمة، وتنهج سياسة الدفاع والحماية للذات، فإن سياسة الأحلاف يجب أن تنتهي، لا مع واشنطن ولا مع غيرها، كما أن الإعتماد على (الدفع مقدّماً) لثمن السياسات أمرٌ غير صحيح، لا مع موسكو ولا مع واشنطن. ولقد ذهب الوفد السعودي الى موسكو، وفي جعبته (تنازلان أو إغراءان) أحدهما سياسي: شطب قضية الشيشان من الأجندة السياسية والتي عكرت العلاقات بين البلدين، حيث اعتبر السعوديون الموضوع الشيشاني شأناً داخلياً. والآخر إقتصادي: وهو توقيع إتفاقات عدّة إقتصادية ونفطية، يرى البعض أنها ضرورية لتأسيس أرضية للتحالف القادم بين موسكو والرياض، والتمترس خلف موسكو دولياً، وإعادتها الى المنطقة العربية بثقل أكبر بعد أن ساهمت المملكة لعقود طويلة في إخراجها منها.

السياسة الخارجية السعودية تُصنع اليوم على أصوات التهديدات القادمة من البيت الأبيض والكونغرس والإعلام المتصهين، ونخشى أن تكون ردّة الفعل السعودية آنيّة، ولا تخرج عن مسارها القديم غير المتوازن الذي حكم علاقاتها مع الغرب عموماً. المملكة بحاجة الى رؤية جديدة، نتمنى أن تكون زيارة ولي العهد الى موسكو خطوة تأسيسية فيها، تحرّر السياسة الخارجية السعودية من القيود الأميركية، كما تحرّر المملكة ذاتها من أثقال العلاقات غير المتوازنة، بحيث رهنت ولعقود طويلة اقتصادها ومستقبل أجيالها من أجل علاقات (حمائية) من واشنطن. كما نتمنى أن أن تتسم خطوات ولي العهد بالجرأة نفسها فيما يتعلق بالشأن الداخلي، فلا سياسة خارجية نافعة بدون وضع داخلي صلب، ولا يمكن تحقيق هذا بدون إصلاحات هيكلية داخلية سياسية واقتصادية واجتماعية، لم نرَ حتى الآن ـ للأسف ـ أي مبادرات ذات أهمية في الإقتراب منها.