فعلاً.. كذبتَ أيّها الأمير

 

للكذب حدود يمكن للمعدة أن تتحمّلها.

وإذا كان من المشهور عن السياسيين الكذب، فإن الذكي منهم هو الذي يخلط الصحيح بالسقيم، من أجل التمويه، كما أن الذكي الكاذب هو من لا يعطي أكثر مما يمكن أن يصدّق.

ولقد فاجأنا سمو الأمير، وزير الخارجية السعودي، بتصريح لصحيفة لوس أنجليس تايمز  في الرابع من أغسطس الحالي ونشرت الشرق الأوسط بعض مقتطفاته يقول فيه بأن قرار الاصلاح في السعودية متخذ، والارادة السياسية موجودة، وللمفاجأة فان هناك توافقا على ذلك. واضاف قائلا: (إن البعض يأتي الى هنا ولديه الانطباع بأن المجتمع يغلي لدرجة الانفجار، وان الحكومة تحاول كبح الناس عن الاصلاحات، ولكني أرى العكس من ذلك، فأنا أرى الحكومة هي التي تغلي من أجل الاصلاحات بينما الكبح ربما يأتي من الناس).

هذا الكذب الرخيص، والمزايدة الممقوتة، ما كان لشخصية مثل وزير الخارجية أن ينطق بها؛ فالمجتمع السعودي يغلي فعلاً، من أجل الإصلاحات وبسبب تدهور الأوضاع على كل المستويات، أما أنه يقف حجر عثرة أمام الإصلاح، فهذه كذبة دونها خرط القتاد. إن تجربة الإًصلاح في العالم الثالث، وبينها دول الخليج، ترفعت منذ زمن بعيد عن استعمال خطاب سياسي بائس كهذا الذي جاء به الأمير سعود الفيصل، وبعضها كان يتحدث عن (الوقت غير الملائم) وعن (الظروف السياسية الإقليمية الصعبة!) والتذرّع بالإجراءات التي تستغرق وقتاً طويلاً! وغير ذلك من الذرائع الضعيفة.

لكن الأمراء السعوديين وهم يواجهون بضغوط داخلية من دعاة الإصلاح عبّروا عنها في عرائض علنية ونشرت على الملأ وتولتها الصحافة المحلية بالدعم والتأييد، يزعمون بأن الشعب يقف ضد الإصلاحات. فمن هو الذي يقف فعلاً؟ المواطنون وكما تنبيء عن ذلك الصحافة والمنتديات ونشطاء العمل الإصلاحي والتصريحات عبر القنوات الفضائية، التي كررت رسائل الرغبة في الإصلاح وحددت ملامحه، وفي بعض الأحيان وضعت الخطوات الأولية التي يمر منها مثل عقد مؤتمر وطني للإصلاح، وحذرت من التمادي في مواجهة التطلعات السياسية الشعبية.. كل ذلك يدلّ على أن الشعب قد سبق الحكومة بمراحل، وليس العكس. فالأمراء لم يستجيبوا للضغوط الداخلية، ويحاولون الإلتفاف على الضغوط الخارجية، بل أن المسؤولين عن الأمن ينتظرون الفرصة لضرب دعاة الإصلاح. ما لذي يقف حائلاً دون الأمراء في إقرار الإنتخابات وحرية الصحافة والتعددية الثقافية وقيام مؤسسات المجتمع المدني، وهل قال لهم أحدٌ بأن شعب المملكة لا يريد انتخابات، ولا يريد القضاء على الفساد، ولا يريد منع احتكار السلطة والثروة، ولا يريد غير المركزية في الإدارة! وأنه لا يهتم بحقوق نفسه وحقوق أهله وحقوق الأجيال القادمة؟

نريد قليلاً من المنطق في الخطاب السياسي الحكومي، فالشعب لم يعد طفلاً وإن ظنّ الأمراء ذلك، أو بعضهم على الأقل. ثم إذا كان لا بدّ من الكذب، فليكن على جرعات يا سمو الأمير!