اللقاء الوطني للحوار الفكري

بداية أم بديل؟؟

 

كان اللقاء الوطني للحوار الفكري الذي انعقد في منتصف يونيو 2003 مثار اهتمام كافة الأوساط والأطياف الفكرية والسياسية في بلادنا رغم التعتيم الإعلامي وشبه السرية التي انتابت مؤتمرًا (وطنيًا) يفترض به في الأساس مناقشة قضايا الوطن والشعب التي تهم كل المواطنين وليس فقط المؤتمرين أو الداعين . وقد أتت التوصيات العامة وغير المحدودة لتفضي إلى استنتاج أولي يقول (تمخض الجبل فولد فأرًا) إلا أنه ولأن الحوار أو اللقاء (الوطني) للحوار حدث في بلاد كبلادنا فعلينا التعامل معه من منطلق آخر، حيث أن ما يعتبر عقيمًا وفاشلاً في مكان آخر يمكن رؤيته ناجحًا أو لنقل به شيءٌ من الإيجابيات في مكان كبلادنا امتازت بالسلطة المطلقة وإصدار الأوامر والنواهي وفرض الأمور وإلغاء البشر وفكرهم وتطلعاتهم .

هنا، لا بد أن نقول أن عقد هذا اللقاء الإسلامي (وليس الوطني) لأنه عمليًا لقاء تم بين رجال دين متعددي المذاهب والألوان الفكرية وليس لقاء وطنيًا يجمع كل ألوان الطيف السياسي والفكري وكل الفئات والطبقات الاجتماعية ومطالبها "فلا رجال الأعمال ولا التكنوقراط ولا العمال ولا الطلاب ولا المرأة ولا المثقفين كانوا متواجدين في هذا اللقاء (الوطني) ورغم كل هذا فإن ما حصل يُعتبر إيجابيًا ونقلةً نوعية إن كان بداية وليس بديلاً للحوار الوطني الحقيقي والجاد. لم نعتبر ذلك إيجابيًا رغم كل النواقص؟

ذلك يرجع إلى مسألة أساسية أنه ولأول مرة في بلادنا أن ينعقد حوار بين مختلف المذاهب الإسلامية المتواجدة في بلادنا شيعة بأطيافهم المتعددة " جعفرية وإسماعيلية ولا أدري إن حضر زيديون رغم وجودهم في بلادنا، وسنة بأطيافهم المتعددة: حنابلة (وهابيون) ومالكيون، تقليديون وصحويون على مائدة حوار، والمفترض أو هكذا يجب أن يحصل أن مائدة الحوار تفترض أن الجميع متساوون ويمتلكون نفس الحق في الدفاع عن رؤيتهم ونهجهم هذا أولاً، ثانيًا أن الجامع بينهم ـ رغم اختلافهم ـ هو الوطن والإسلام وليس التعصب المذهبي الإقصائي، ثالثًا أن الجميع يبحث عن المشترك من أجل تأصيل ـ والحفاظ على ـ الوحدة الوطنية وكل ذلك يعد إيجابيًا بلا شك. رغم أن هذا الإيجابي غير مكتمل حتى في هذا الإطار بسبب أن من حضر هذا الحوار اُختير وبإرادة سلطوية هذا المنتدى ولم يُختر أو يُنتخب من قبل من يمثلهم فلا الشيعي اختير من قبل الشيعة رغم أنه ممكن أن يختار ومن قبلهم ولا المالكي ولا الوهابي..الخ، بل الجميع وبقرار (ملكي) اختير لحضور هذا الحوار وهذا ليس تشكيكًا في أحد إلا أنه نهجٌ غير مكتمل حتى في إطاره المذهبي المحدود.

أمر إيجابي آخر هو المحاور المطروحة للنقاش والمشتملة على مواضيع غاية في الأهمية وعلى رأسها قضية الوحدة الوطنية بما تشتمل عليه من قضايا التنوع الفكري وحقوق المرأة وحرية التعبير والغلو والفتاوى وعلاقاتها بالواقع الاجتماعي ومحور العلاقات والمواثيق الدولية بما تشتمل عليه من قضايا علاقة المملكة بالدول الأخرى والتعامل مع غير المسلمين والجهاد وأحكامه ..الخ، ورغم أن هاجس الوحدة الوطنية والخوف من التفتيت هو الناظم والمؤشر الرئيسي للمحورين بما تشتمل عليها إلا أن ذلك يعني في نهاية المطاف أن هناك إحساس وإدراك لأهمية المواضيع المطروحة. إن هناك اعتراف بالقصور في هذه المجالات (التنوع، حقوق المرأة، حرية التعبير، العلاقة مع الآخر..الخ).

وهذا بحد ذاته أمر في غاية الأهمية ويعد أمرًا إيجابيًا إذا كان المراد من طرحه افتتاح للنقاش لا الوقوف بحدود التوصيات الصادرة، فالتنوع يشمل أكثر بكثير من المؤتمرين، والمرأة لم تحضر أساسًا لتناقش حقوقها وحرية التعبير يجب أن لا توصد على كل ألوان الطيف الفكري والسياسي. الأمر الأكثر إيجابيةً هو أن هذا اللقاء الوطني للحوار فتح الحوار الحقيقي في أوساط الناس وعلى وسائل الإعلام وبدأت تسمع الآراء المختلفة وهذا بحد ذاته تكسير لحاجز الخوف والرعب الأمني المفروض على شعبنا وما سمعناه من طرح لمشاكل متواجدة ومنذ زمن كالحديث عن غياب الديمقراطية والمشاركة الشعبية ومشاكل البطالة والمرأة والواسطة والمحسوبية ومشاكل الشباب ...الخ، في البرامج الحوارية التي كان منطلقها هذا (اللقاء) يعد ثمرة إيجابيةً تجعل من هذا اللقاء بداية مأمولة لنقاش وحوار أكثر عمقًا وشمولية ويلمس كل الجراح والآلام بهدف معالجتها بل وإجراء العمليات الجراحية اللازمة للتخلص من الأمراض التي هي بحاجة إلى بتر وليس مراهم سطحية ليست فقط لا تعالج، بل وتفاقم الأمراض الصعبة.

فالجميع مع الوحدة الوطنية بلا شك ولكن هذه الوحدة يجب أن تترسخ في إطار الشعور بالانتماء الحقيقي بالمواطنة المتساوية بتنوعها واختلافها لا من خلال فرض الواحد السلطوي والمذهبي والفكري ومن خلال الديمقراطية التي تشتمل فيما تشتمل حرية التعبير وحرية التشكيل والتجمع  وتوسيع المشاركة الشعبية...الخ. نعم، لقد لامست بعض التوصيات بعض الجروح كتوصية توسيع دائرة المشاركة في الحوار ومعالجة مختلف الموضوعات وإنشاء مركز للحوار الوطني وتوصية التوازن في توزيع برامج التنمية بين المناطق وتطوير عناصر العملية التربوية بما يحقق مواكبة العصر وتعزيز الوحدة الوطنية إلا أن هذه التوصيات وغيرها لم تتطرق إلى سبل معالجة هذه الأهداف أي إلى وضع النقاط على الحروف وطرح الإجابة على كيف يتم ذلك، ومع ذلك نقول أن هذا اللقاء يمكن اعتباره إيجابيًا جدًا إذا كان بداية لحوار وطني حقيقي أما إذا كان وسيلة لتجاهل كل ما سبقه من مطالب وعلى رأسها وثيقة ( الرؤيا ) ووثيقة (شركاء في الوطن) وغيرها من الأطروحات والمطالب الوطنية الهادفة إلى إصلاح حقيقي يعزز ويمتن الوحدة الوطنية وعلى أسس راسخة فهو لن يعدو أن يكون ذرًّا للرماد في العيون وذلك لن يقنع ولن يعالج أي قصور ويجب ألا ننسى أن الأعداء متربصون والحقوق لا تضيع ما دام وراءها مطالب، وشعبنا ليس بدعًا من شعوب الأرض، ونحن بانتظار التطبيق الفعلي الذي يجعل مواطني بلادنا يتفاعلون مع هذه اللقاءات ويحسون وفي حياتهم اليومية ببداية التغيير المنشود بالتزامن مع مواصلة الحوار.