أأمير ومعارض؟!

 

فيصل الزامل

 قال صاحبي حين سمع خبر وجود أمير معارض! لأسرته في جنيف ويطالب بالإصلاح، أن الأمراء لم يتركوا لنا منصباً أو وظيفة أو مسمّى إلاّ واستولوا عليه، ولم تكن هناك من وظيفة شاغرة للشعب سوى: المعارضة، فلماذا يريدون الإستيلاء عليها؟!

قلت له إن المعارضة ليست مهنة، فالمعارض لهكذا نوع من الأنظمة أشرف من أن يقتات عليها. مع أن كلمة معارض أو مخالف فقدت الكثير من ألقها وسحرها في العالم العربي، بسبب المعارضات الفاسدة، إلاّ أنها لاتزال تحتفظ بقيمتها في المملكة، ولعلّ السبب يعود الى حقيقة أن المعارضين أو المختلفين يدفعون ثمناً باهظاً بإمكانهم أن يحوّلوه ويقطّروه الى ذهب يأتي من الأمراء أنفسهم. فإذا كان هناك مشترٍ للمعارضة في المملكة فإن حكومتنا الرشيدة هي أول من يشتري، وأكثر من يدفع، ولا داعي لبيع المواقف الى آخرين لا يشترون وإن اشتروا لا يدفعون!

لكن مسألة خروج أمير من بين 30 ألف شخص هم عدد أفراد الأسرة المالكة، حسب آخر المعلومات بهذا الشأن، ليست مسألة ذات أهمية كبرى، خاصة وأن الأمير المعارض، كان يريد الإنتقام من شخصه، فقد كان وزير الدفاع يسميه (البطة) و (السمين) ويتهكّم عليه، فضلاً عن كونه شاباً من الجيل الثالث من المهمّشين وليس من عظام الرقبة! وزيادة على ذلك فهو إبن نائب وزير دفاع سابق اختار المنفى في هلتون النيل بالقاهرة منذ عام 1979 وحتى الآن، ولم يقبل بأن يعيش في قصر مصري، لأن الهلتون يمنح أمناً أكبر كما يقولون. ثم أن الأمير المعارض انتقم من عمّه واعتبره أقدم وأفسد وزير دفاع في العالم!

المعارضة من داخل الأسرة موجودة، وحادّة، ولكن ليس لأصل الحكم، ولا حول موضوع الإصلاح، وإنما هو التنافس على المناصب والثروات وطريقة تقاسمها. المرة الوحيدة التي حملت المعارضة الملكية صفة سياسية، هي معارضة الأمراء الأحرار، وبشكل خاص معارضة الأمير طلال، فكانت الأولى والأخيرة.

تحكي كتب التاريخ أن من بين العائلة المالكة العثمانية ظهر معارض من بينها اختار باريس مقراً لإقامته أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وكان همّه أن تتم إصلاحات سياسية تدريجية على نظام السلطنة، ولكن صوته وأصوات آخرين لم تُسمع، فجرى اكتساح السلطان في انقلاب أو ثورة 1908، ومن يومها انتهت السلطنة حقيقة، ولم تقم لها قائمة.

في هذا الوقت، يصعب على رجال الأسرة الكبار ان يضبطوا تصرفات الأبناء والحفدة وأبناء الحفدة وأحفاد الحفدة، كما لا يستطيعون إرضاءهم بالمناصب، فلذا ظهر لنا هذا الأمير سلطان بن تركي ليعتدي على الوظيفة الشاغرة المخصصة للشعب وهي المعارضة!

ولكن من يعيش في القصور لا يمتلك نفساً طويلاً! فالمعارضة خلقت لأشخاص مختلفين في الفكر والمسلك والهدف! (أو كما قال الشاعر: خلق الله للحروب رجالاً/ ورجالاً لقصعةٍ وثريدِ) فأمضى أشهراً في فنادق جنيف ذات النجوم الخمس، الى أن جاء له طارقٌ (جزاه المولى خيراً) وهو وزير الأوقاف الشيخ صالح آل الشيخ، فأقنعه بالعودة، وتعهد بدفع الفواتير الفندقية، كما وعده بأن يُسترضى مالياً (إما بقطعة أرض مساحة خمسة ملايين متر مربع في موقع متوسط) أو (مليون متر مربع في موقع ممتاز!) أو (شحنة نفط مليونية تدفع على الحساب!). وفي النهاية أخذه الوزير الشيخ الأمير المعارض الى الرياض في طائرته الخاصة!

لكن محدّثي خشي على الأمير ذي الجلد الرقيق أن يتعرّض لجلد من عمّه وزير الدفاع، أو أن يحجر عليه السفر، أو يسجن! وهي خشية في محلّها، وإلا اهتزّت أركان المُلك، وتجرّأ رعاع الأسرة الصغار على أعمامهم الكبار! ولكن قد يشفع للأمير الذي اعتلى منبر المعارضة ببيانين وثلاثة تصريحات، والذي أعلن على الملأ أنه قد يتم اغتياله من قبل الأمراء الكبار!!، قد يشفع له كونه أمير ولذلك لن يتعرض الى مكروه جدّي، كل ما في الأمر جلدتين أو صفعتين أو (تفلة) في الوجه وصفعة على الخد، وينتهي الأمر!

أمّا (أولاد الملحة) الذين يتجرأون أو يُخطئون فيغضبون الأمراء فيضربونهم بالنّعال، وهذا خاص بالوزراء! وهذا المقال التهكمي يؤكد على حقيقة صفع الملوك والأمراء للوزراء، وضربهم بالنعال وقد نُشر بعض من هذه القصص الممتعة. أما المعارض المؤذي، فمصيره السجن الطويل، والتعذيب الشديد، والقتل في السجن أحياناً. رحم الله من مضى وأعان الله من بقي.

حين نشر عبد الله الفيصل كتابه (وحي الحرمان) وهو ديوان شعر كتبه له شاعر لبناني، تساءل مقدّم الديوان، ولربما كان كاتبه: أأميرٌ ومحروم؟!

ونحن نتساءل: أأميرٌ ومعارض؟!