تفوّق الخيار الأمني ليس نجاحاً

 

يبدو أن النشاط الدؤوب لجهاز الأمن لغرض ملاحقة فلول القاعدة وبؤرها وتحصيناتها وخلاياها حقق جزءا من أهداف الجهاز، وبدأ رجال الأمن يتنفّسون الصعداء واستعادة التوازن النفسي بعد سلسلة ممتدة من الاخفاقات، سيما بعد تسليم علي الفقعسي نفسه للسلطة في صفقة خاصة اشتملت على استسلام عدد آخر من أفراد هذه الجماعة والتي قدّمت معلومات سرية عن نشاطات القاعدة وتواجد عناصرها وكوادرها النشطة.

الشعور المبالغ الذي قد يسيطر على أجهزة الأمن ووزارة الداخلية بالانتصار على خصم لدود مازال يصنّف كعدو رقم واحد لأكبر قوة في العالم، قد ينسي استراتيجيي هذه الأجهزة بأن مجرد القبض على مجموعات من أنصار تنظيم القاعدة أو مجموعات عنفية وإرهابية أخرى لا يعني أكثر من معالجة أعراض الظاهرة وليس الاسباب الجذرية الموجدة لها. فالتأسيس الايديولوجي للقاعدة مازال يحقق مشروعية ويكتسح الوعي الديني العام في المحيط الذي تبرعمت فيه القاعدة وتشكّلت فيه خلاياها، وانطلق منه الانتحاريون الى أهدافهم المرسومة.

القمع قد يكبح الارهاب ولكنه لا يستأصله، فذراع القمع يقصر عن الاضطلاع بمهمة معقّدة كتلك، فاستئصال جذور الإرهاب يتطلب عملاً فكرياً واسع النطاق، يعيد تشكيل الأذهان التي عشعشت فيها أفكار التطرف وكره الآخر حد الاقدام على تصفيته وإن تطلب بذل المهج. هذه المهمة ليست ضمن اختصاصات وزارة الداخلية، ويجب أن يجلي الراشدون في السلطة رجال الداخلية بعد أن يتمّوا دورهم الأمني، ويتركوا لأهل الحكمة الدينية وأصحاب الرأي الحصيف حتى يغسلوا ما علق بأذهان الشباب خلال عقد من الانفلات العاطفي الذي ترافق مع أحداث خارجية في أفغانستان والشيشان كما في البوسنة والهرسك وغيرها. تلك الافكار اللامسؤولة هي التي ساقت عشرات من شبابنا كيما ينخرطوا في حروب خارجية شعوراً منهم بأنهم يحملون رسالة انقاذ للبشرية قاطبة، وأنهم موعودون رغم قلة ذخيرتهم العسكرية والمعرفية بالنصر على خصم مدجج حتى الاسنان بأشد انواع الاسلحة فتكاً.

إن ما يلزم الآن هو ان لا تحتكر الداخلية حق معالجة الإرهاب على طريقتها في القمع والبطش، بل إن مهمة الحكماء تتأكد الآن من أجل إعادة بناء الذهنية الدينية السائدة في المناطق التي تفجّرت منها وفيها بؤر العنف.