الإنسان والوطن أهم من إبن تيمية

 

هذا هو عنوان المقالة التي كتبها خالد الغانمي في جريدة الوطن 27/5/2003، في محاولة منه لبحث جذور الأزمة الفكرية في التيار العنفي السلفي السعودي. وقد اكتسبت المقالة أهميّة من جهة كونها أول مقالة تنشرها الصحافة السعودية ـ فيما نعلم ـ وتشير الى أزمة تبنّي فكر ابن تيمية صراحة. وزادت أهمية المقالة بعد أن قيل ما قيل من أن نشرها كان أحد أسباب إقالة جمال خاشقجي رئيس تحرير الوطن. هذه مقتطفات من المقالة نثبتها هنا لأهميتها.

 من نافلة القول إن فهم الطريقة التي يفكر بها هؤلاء الدمويون القتلة الذين ارتكبوا جريمة 12 مايو المشؤوم، هي الطريق الأسرع لاختراق منهجهم واستئصاله أو تقليصه على الأقل.

لماذا رفعوا راية الجهاد على الرغم من أنهم أفراد ليس لهم كيان سياسي؟

والجواب هو: لأن ابن تيمية (منظِّر الجهاديين) قال في (الاختيارات الفقهية) إنه إذا لم يقم ولي الأمر بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد، وجب على أهل العلم أن يقوموا بهذا الواجب. (وقد رد عليه الدكتور أحمد موافي في تعليقه على الاختيارات بنقل كلام الإمام النووي الذي يخالف هذا الكلام ويبين ما فيه من فساد وخطورة).

هذا الكلام مشكلة حقيقية، يجب علينا أن نترك المجاملات وأن نقول: هـذا الكلام غلط وكارثة حقيقية مؤداها إلى الفوضى العارمة وتهديد الوحدة الوطنية وعودة الجاهلية الأولى، فكل من يظن نفسه عالما سيحاول إزالة كل ما يظنه منكرا، فالذي يعتقد أن الموسيقى حرام سيفجر المحلات التي تبيع الأشرطة، والذي يرى الشيشة حراماً سيفجر المحلات التي تقدمها وهكذا. هذا الكلام ليس مبالغة وما إطلاق النار على (الدشوش) منا ببعيد.

كيف استحل هؤلاء القتلة دماء المسلمين والأطفال؟ فعلوا هذا استنادا إلى فتوى لابن تيمية في كتاب (الجهاد).

لنقلها بصراحة مشكلتنا اليوم مع إبن تيمية نفسه.

لقد صنع بعض فقهائنا من ابن تيمية الحنبلي الحراني سقفاً لا يجوز تجاوزه بحال، جعلوا له في زمننا هذا، في بلدنا هذا مكانة لم يعرفها في بلده في زمانه، حتى إن بعضهم يساوي دون أن يشعر بين نصوص ابن تيمية ونصوص الشرع. يقولون لك إن ابن تيمية غير معصوم ويجوز أن يكون مخطئا لكن أكثرهم لا يكاد يخطّـئه أبدا، وبالتأكيد لا يقبل منك تخطئته.

ابن تيمية رائع وبرّاق ومذهل، ومما يزيد الناس استلابا له هو ذلك النفس التقريري الحاسم الواثق من نفسه المسفه لمن خالفه، فهو إقصائي أحادي لا مكان للرأي الآخر عنده. هـو يختلف عن الفقهاء الذين ينقلون الأقوال المختلفة دون ترجيح، أو مع ترجيح فيه تردد ونسبية. لكنه في الوقت ذاته، على سعة علمه وكثرة اطلاعه، عاطفي وانفعالي ويحدث أن تصدر بعض فتاويه كردود أفعال غير موزونة كما في هاتين الفتويين.

أعتقد أنه يجب علينا كمثقفين يعلمون علم اليقين أين تكمن المشكلة، أن نظهر وجوهنا ونرفع أصواتنا جميعا بالقول: الإنسان (مسلم أو غير مسلم) أهم عندنا من نقد فقيه أو حتى سقوطه، والوطـن الذي نضع أيدينا على قلوبنا خوفا عليه من حال جزائريـة أخرى أهم وأغلى مليون مرة من ابن تيميّة.