إصلاح الأصل أم الصورة؟

PR  سعودي: قارب واحد ودم مختلط

 

خطاب وزارة الخارجية السعودية وممثلياتها في الخارج متناغم ومنسجم، فكل من تحدّث معقّباً على تفجيرات الرياض في 12 مايو الماضي، استخدم نفس اللغة ونفس المنطق لاستهداف نفس الغرض. يأتي هذا في وقت تتضارب فيه تصريحات المسؤولين، فما يقوله ولي العهد في النهار ينسفه الأمير نايف في مؤتمر صحافي مسائي، في سوابق لم تشهدها المملكة في تاريخها المعاصر.

بعد أحداث سبتمبر أصبحت المملكة من وجهة النظر الأميركية مفرخة الإرهاب، ومسؤولوها ممولوه، ورفعت ضدهم الدعاوى والمطالبة بالتعويضات، وتوالت المطالب على الأمراء بأن يفكّوا الإرتباط بالمؤسسة الدينية، ويحدثوا تغييرات جذرية في المناهج، وأن ينهوا عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إضافة الى البدء بالإصلاح السياسي الداخلي.

وخلال الـ 24 شهراً التالية، كانت العائلة تنافح عن نفسها، وتحاول عبثاً إرضاء حليفها وحاميها التقليدي ولكن دونما نجاح كبير. وبمجرد أن وقعت انفجارات 12 مايو في الرياض، حتى بدأ الخطاب السياسي الخارجي السعودي الموجّه أساساً للرأي العام الأميركي يتبلور منتهزاً الفرصة لإعادة اللحمة في العلاقة بين البلدين، ولتخفيف الضغط المستمر على الحكومة السعودية. جاء الخطاب السياسي على النحو التالي:

ـ  التركيز على إيجاد التشابه بين 11 سبتمبر و12 مايو وكيف أن المملكة مستهدفة من (الإرهاب) كما هي أميركا، وأنهما معاً ضحاياه، وأن ليس للمملكة دور في ترويجه كما يزعم الزاعمون! وبهذا التفجير يثبت أن الرياض وواشنطن في قارب واحد ـ كما يقول الخطاب السعودي المروج له في حملات العلاقات العامة وفي التصريحات المتتالية للمسؤولين السعوديين في الرياض وواشنطن.

ـ تعمّد التركيز على أن المملكة قد بدأت مرحلة جديدة إنعطافية في سياساتها الداخلية في سبيل مكافحة الإرهاب مثلما كانت أحداث 11 سبتمبر فاتحة لمرحلة كونية جديدة.

ـ إظهار أن القتلى في انفجارات الرياض يمثلون تنوّعاً مشابهاً للتنوّع في حادثة البرجين، وإذا كان حدث نيويورك لم يضم أيّاً من السعوديين، فإن انفجارات الرياض في 12 مايو قد قاربت بين أميركا والسعودية من جهة اختلاط الدم المسفوح، ووحدة الدمّ ـ وإن كانت من زاوية الهدر ـ تعمّد العلاقة بين البلدين لتحقيق الغايات المشتركة، كما يحاول الخطاب التأكيد.

بعض الكتاب المحليين راح ينسج على نفس المنوال، وكأنه يخاطب جمهوراً أميركياً.. ولعل كتابات رئيس تحرير الوطن تصبّ في هذا الإتجاه وبكامل الألوان والبهارات.

التساؤل هنا حول مدى إقناع هذا الخطاب الرأي العام وصانع القرار الأميركي، حتى وإن قدّم بلغة عادل الجبير المتميزة، والى أي حدّ ستهدأ سورة الغضب ضد العائلة المالكة، وكيف سيكون الخطاب فيما لو وقعت أحداث أخرى. إن براءة العائلة المالكة من توفير مناخ الإرهاب كبراءة الولايات المتحدة نفسها منه.. كلاهما صنّاع له والى حدٍّ ما ضحاياه. وإذا ما انتهجت العائلة المالكة نفس حلول أميركا، أو ضمن نسقها، فإنها لن تخرج من المستنقع الذي صنعته.

حملات العلاقات العامة التي بدأ السعوديون يجيدونها في الخارج، تفتقر الى حقيقة أن السيّء مهما بلغ تلميعه وتحسينه، يبقى وجهه قبيحاً.. فالدفاع عن سياسات العائلة المالكة لن تلغي أصل النظرة إليها والى الحكم الذي تديره. إن للعلاقات العامة دوراً محدوداً لتؤديه، دوراً مقطعياً تكتيكياً.. ولكنها لا تغيّر شكل النظام في أعين الآخرين الى النقيض. وإذا ما أراد الأمراء الظهور الحسن فليصلحوا الأصل وليس الصورة.