الوعي المشوّه عن الاصلاح السياسي

 هل ثمة ما يبرر مخاوف العائلة المالكة من الاصلاح السياسي رغم تعاظم المطلب الشعبي؟ وهل هناك ما لا يدركه دعاة الاصلاح وترى العائلة المالكة بأنه يستأهل إعطاب ماكينة التغيير وتعطيل حركة التاريخ؟وقبل كل شيء، ماذا يعني الاصلاح السياسي بالنسبة للعائلة المالكة؟

إن فحوى الموقف الرسمي ينبىء عن إدراك مشوّه أو متهاجس. وفيما يبدو فقد إرتبط الاصلاح السياسي بمعنى تآكل إمتيازات العائلة المالكة وتناقص درجة السلطة أو خروجها، جزئياً على الاقل، الى غيرهم. هذه الرابطة المعقودة بين الاصلاح السياسي وتناقص سلطة العائلة المالكة حين تؤخذ منفصلة عن مجمل التغييرات المنتظرة من العملية الاصلاحية ستنجب معها دون ريب هواجس من قبيل الخوف على "ملك الآباء والأجداد".

ثانياً، حين يدرج الاصلاح السياسي في سياق إثنينية ممثلة في العائلة المالكة ومن هم خارجها أو بين السلطة والمجتمع تأخذ العملية الاصلاحية معنى المواجهة بين طرفين متقابلين أو صراع مصالح متضاربة، وهذا من شأنه إبقاء العائلة المالكة المسكونة بهاجس "التنازل" لغيرها، والمصّرة على إبقاء بوابة الاصلاح مغلقة بإحكام مالم يتكرّم المقام السامي بإصدار أوامره بفتح مقدار كوّة ينفذ منها الطفيف من التغيير، وحتى لا يطمع الناس في نيل ما يأملون تارة بقرار سامٍ وثانياً بوازع من أنفسهم وبحوافز تخلقها الأوامر تلك.

في حقيقة الأمر، أن هذا التفسير للموقف الرافض للاصلاح صحيح جزئياً، فقد إعتادت العائلة المالكة أن تنظر الى الاصلاح السياسي من زاوية الملك الذي يحدق به خصومها من أجل تقويضه ونهبه من أهله. ومن أجل تعديل الصورة المنقلبة، فإن الاصلاح السياسي، كما هو مزاول في العالم المتقدّم، يستهدف بدرجة أساسية ومحددة تحسين وتطوير أداء الدولة، من خلال إعادة توزيع السلطة وتنظيمها وفق متطلبات المرحلة التي تعيشها الدولة، ولذلك فهو يمثل إستجابة مباشرة لحاجة الحكومة والشعب من أجل الارتقاء بالأداء العام السياسي والاداري الى مستوى يتحقق فيه الاطمئنان الى القدرة على تلبية أهداف المرحلة وشروطها. فالعملية الاصلاحية، بهذا المعنى الدقيق والصحيح، هي عملية مستمرة في كافة الدول، وليس هناك دولة في العالم بما في ذلك الدول الأكثر تقدّماً وديمقراطية تزعم بأنها وصلت الى مرحلة الاكتفاء والكفاية بما لا يجعلها في حاجة الى الاصلاح.

الاصلاح السياسي بقدر ما يقتطع جزءاً من سلطة العائلة المالكة، فإنه يمنحها حزمة مكافآت أهمها: تعزيز سلطانها واستتباب ملكها وإستقرار أوضاعها الداخلية، وأخيراً حصول الرضا والقبول ممن تحكم، هذا أولاً.

ثانياً، أن المخاوف من إنقضاض الرعايا على العرش بسبب الاصلاح السياسي قد تكون مبررة فيما لو وصلت الاوضاع الى نقطة لم يعد بالإٌمكان تحمّل بقاء العائلة المالكة في السلطة بسبب تفشي فسادها وجورها في حكم عباد الله، ولكن الحال لا يبدو حتى الآن كذلك، بل قد يبدو الأمر أسهل مما يعتقده الخائفون من العائلة المالكة، فالناس قد تغفر في مناسبات عظيمة أخطاء حكامها، تماماً كما حصل في البحرين، فالأوضاع الداخلية باتت الآن أكثر استقراراً من ذي قبل، تماماً كما هي سمعة وصورة العائلة الحاكمة.