دلالات التغيير الوزاري الجديد

رسالة واضحة.. شكراً لكم!

 

لم يكن منتظراً أن يحدث تغيير وزاري جذري أو نصف جذري، يؤشر الى مرحلة جديدة من تاريخ المملكة السياسي وخياراتها المستقبلية. ولكن الإعلام المحلي، وشبكات الإنترنت، وبعض النفوس الطافحة بالرغبة في التغيير، تكلمت عما ترغب أن تراه. بعضهم رأى أن التغيير المنتظر سيكون فتحاً عظيماً في الإصلاح السياسي، عاكساً للتطورات التي مرت بها المملكة والمنطقة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر. البعض الآخر رغب في أن يكون مجلس الوزراء ممثلاً من كل الإتجاهات والمناطق. آخرون خشوا من تعيين (روافض) في الوزارة، بل واحتملوا تعيين الدكتور إحسان أبو حليقة وزيراً! وشنّوا حروباً طائفية عبر الإنترنت حول أمرٍ ما كان له أن يقع! فيما تنادى كتاب سعوديون الى محاسبة الوزراء ومكاشفتهم ووضع جرد حساب لما أنجزوه، فيما طالب آخرون بالتفكير في أجندة كل وزير وسلّم أعماله ومشاريعه، دون الإلتفات الى الأسماء، وهكذا.

بيد أن إعلان أسماء مجلس الوزراء في الثلاثين من الشهر الماضي (أبريل) كان صاعقاً وأفصح عن خيبة أملٍ كبرى لكل من بذل جهداً في التفكير أو في وضع الآمال على التغيير الوزاري.

1 ـ لقد أفصح التغيير الوزاري أن الجزء الغالب في القيادة السعودية لا يرغب ولا يريد التغيير. وضحالة التغيير الوزاري وأهميته كونه مؤشراً لنوايا العائلة المالكة في هذا المضمار. الرسالة التي أوصلها أمراء العائلة المالكة تقول لا تنتظروا انتخابات ولا مجلس منتخب ولا حريات ولا أي أمر جاء في الوثيقة الوطنية للإصلاح. الرسالة تقول: لن نتنازل عن أي شيء، ومن له حسابات في هذا الشأن فليعيد النظر فيها. الرسالة تقول بأن العائلة المالكة لن تقبل بأن يفرض عليها مطالب الإصلاح سواء جاءت من الداخل أو من الخارج، وهذا ما عبر عنه صراحة أكثر من مسؤول بشكل علني للصحافة. لقد رأت العائلة المالكة إيصال رسالة الى الشعب تقول: إننا أقوياء، والقوي لا يتنازل حتى لشعبه، ومن اعتقد بأن الأمراء سيعيدون النظر خاصة مع الأوضاع المعروفة في العراق واقتراب الخطر الأميركي الى الخباء السعودي، لا يدركون بأن الأمراء لديهم صلابة في مقاومة الضغوط!

2 ـ  يفصح التغيير الوزاري الهامشي بأن العائلة المالكة لا تزال تفكر بالطريقة القديمة لمعالجة المشاكل الجديدة أو المستعصية. لا يبدو أنها تعير بالاً للأحداث العاصفة من حولها، أو هكذا هي على الأقل تتظاهر، لتبدو متماسكة أمام جمهورها ولكن مرتخية منبطحة أمام الأميركيين. استخلاص الدروس والعبر لم تأتِ برؤية جديدة لا في التفكير والمنهج ولا في الممارسة أيضاً. ومصير هذه العقلية الإنكسار في الداخل قبل الخارج. لا يعد الإعتداد بالرأي، والمضي في الخطأ انتصاراً، ولا يمكن احتساب التشدد وعدم المرونة في التعاطي مع المستجدات شطارة ومهارة ومظهراً من مظاهر القوة.

3 ـ تجاهل العقلية التي تقف خلف التغيير الوزاري حقيقة مشاعر وتطلعات الشارع السعودي نحو الإصلاح، والتي يجري التعبير عنها في الصحافة المحلية وفي العرائض واللقاءات. هذا الإجماع الذي يطالب بتغيير حقيقي تمّ تجاوزه وعدم مراعاته بل بدا وكأن الأمراء لا تهمهم هذه المشاعر والتطلعات، فجرت مصادمتها بشكل جعل الكثيرين يشعرون باليأس وينظرون الى أن الإصلاحات لن تأتِ بدون (تدخل أميركي) أو ضغط منه على الأقل، بل هناك أصوات كانت الى الأمس خجلة من إعلان موقفها بشأن الضغوط الأميركية بدأت تتحدث صراحة عن حلول خارجية. إن إغلاق مسالك الإصلاح السلمي يدفع باتجاه الحلول الأخرى الخارجية والعنفية، ولن تفيد حينها مجالس الأمراء المفتوحة ولا المغلقة.