مجبرون على المساهمة في الحرب

السعودية تخاف من التصنيف ضمن المعسكر الأميركي

 

المتتبع للمواقف السعودية تجاه الحرب يلاحظ الحماسة الزائدة التي يبديها المسؤولون السعوديون في التأكيد المرة تلو الأخرى بأن المملكة لا تشارك في الحرب ضد العراق ولن تشارك في المستقبل. لا تختلف القيادة في المملكة عن كل القيادات العربية الأخرى، فهي تزعم أنها بذلت كلّ جهدها لحل المشكلة العراقية سلميّاً، مثلما أعلن الرئيس المصري والملك الأردني، ولكن المشكلة هي أن العراق لم يلتزم بالقرارات الدولية، في حين أن أميركا لم تعط وقت كافياً، كما قال الأمير عبد الله في كلمته للشعب السعودي عشية الحرب (17/3/2003). والمعنى أن المملكة فعلت ما عليها، فلا يلومنها مواطن أو مسلم أو عربي على تقصير بدا، فالمشكلة تنحصر في العراق، وهو المسؤول وحده عن مشاكله. وقد تحدث مصدر مسؤول في نفس التاريخ عن اطمئنان القيادة السعودية وقدرتها في تجاوز أزمة الحرب التي هي "نتيجة أخطاء حكومة العراق" وعجزه "عن الاستجابة لقرارات الأمم المتحدة ، وعن التصالح مع نفسه وأهله وجيرانه" كما قال المصدر.

موضوع التقصير في حل الأزمة، والقصور في الدفاع عن العراق ولو بشقّ كلمة، خلاف مقررات الدفاع المشترك، أمرٌ يمكن تحمّله وهضمه، فكل الدول العربية فعلت ذلك، ولكن ما أرعب المسؤولين السعوديين بحق هو أن ينظر إليهم شعبهم كداعمين للحرب الى جانب "الكفار" الأميركيين، وهو أمرٌ لا يمكن للأمراء أن ينفذوا بجلدهم بدون خسارة إن أقدموا عليه بصراحة وعلانية، ولا يوجد في أدبيات المذهب السلفي ما يمكن الركون إليه، خاصة وأن هناك فتاوى قديمة وحديثة تكفّر من يدعم الحملة الأميركية البريطانية على العراق.

والمسؤولون السعوديون الذين يعرفون حجم ردّة الفعل الشعبية، والخسارة الكبيرة التي تلمّ بهم في حال وقفوا مع الحملة الأميركية، عقدوا ما يشبه الصفقة مع الإدارة الأميركية بشأن المساهمة السعودية في الحرب (استخدام الأجواء والقواعد العسكرية) على أن يبقى الأمر طيّ الكتمان. الأميركيون حسب الصحافة الأميركية وعدوا بذلك، والتزموا من الناحية الرسمية حتى الآن بما اتفق عليه الى حد أن الإدارة الأميركية قالت أن هناك 15 دولة تدعم الحملة العسكرية وقد رفضت إعلان إسمها علنياً، وليس بين هذه الدول أي دولة عربية، حتى الكويت وقطر اللتان تشاركان بشكل علني في الحرب، ولا شك أن السعودية من بين الـ15 دولة تلك.

لكن الإدارة الأميركية وهي إذ تحاصر برفض عالمي بحثت عن أصوات مساعدة داعية ومؤيدة للحرب، وسرّبت الى الواشنطن بوست خبر اتفاقها مع السعوديين، فما كان من الأخيرين إلاّ أن نفوا ذلك بشدّة، وأعلن سعود الفيصل أن المملكة لن تشارك في أي حرب على العراق، وأنها لم تمنح أيّ تسهيلات عسكرية لمهاجمته. وخمدت المسألة أسبوعاً لتنفجر القضية مرة أخرى حين أُغلق مطار عرعر لاستخدامه عسكرياً من قبل القوات الأميركية، فبادر وزير الخارجية ونفى حدوث ذلك، ثم ظهر وزير الدفاع الأمير سلطان فاعترف بإغلاق المطار وبوجود القوات الأميركية فيه لتساعد حكومته في متابعة القضايا الإنسانية للاجئين العراقيين المحتملين! كما اعترف بوجود قوات أميركية في قاعدة تبوك للتدريب المشترك، ولكنه نفى مرة أخرى بأن تكون بلاده قد منحت تسهيلات لمساعدة الأميركيين وأكد أنها لن تشارك في الحرب.

بعدها ظهر الأمير سلطان على شاشة التلفزيون السعودي ليؤكد بأن المملكة لم ولن تشارك في الحرب على العراق في وقت تمّ فيه إغلاق مطار ثانٍ وهو مطار الجوف أمام الملاحة المدنيّة الجويّة، ثبت فيما بعد ـ وحسب وزير الدفاع العراقي ومحطات تلفزة كالبي بي سي ـ أنه استخدم للسيطرة على القاعدة العسكرية في غرب العراق والتي تعرف بـ H2.

وقبل الحرب بيومين، صدر بيان للملك ألقاه الأمير عبد الله خاطب فيه المواطنين استهدف التأكيد على المخاطر التي تتعرض لها المملكة والمنطقة ومحاولات القيادة السعودية لمنع الحرب. وأشار الى أخطاء الحكومة العراقية ولكن "لا يجب أن يدفع الثمن، وأن بقاء العراق موحداً حراً مستقلا مبدأ لا يقبل النقاش والمساومة". ومادام العد التنازلي ـ كما يقول البيان ـ قد بدأ "لا بدّ لجهودنا.. أن تتحرك في اتجاه جديد وهو تجنيب وطننا الغالي ومواطنيه الأعزاء آثارها وتداعياتها". وأوضح البيان موقف الحكومة وخطواتها، حيث جاء في مقدمتها: "إن المملكة لن تشارك بأي حال من الأحوال في الحرب على العراق الشقيق، ولن تدخل قواتها المسلحة تحت أي ظرف، شبراً واحداً من الأراضي العراقية".. ولكن البيان لم يشر الى ما دون المشاركة بالقوات، كالمساعدة بالقواعد العسكرية مثلاً. وقال البيان أن المملكة ضد الإحتلال العسكري وأن تمس وحدة العراق، مبرراً موقف المملكة بأنها لا تريد أن تدخل "في مغامرة غير محسوبة تعرض سلامة وطننا وشعبنا للمخاطر". ولأن هذا الموقف لا يكفي وضعيف لا يرضي المواطنين أو لنقل دون مستوى طموحاتهم، وعد البيان "إنه إذا اتخذت الأحداث مجرى غير الذي أوضحنا، أو تجاوزت الحرب أهدافها المعلنة فعندها سوف يكون لنا موقف مختلف، ولكل حادث حديث".

ودعا البيان الى التمسك بالعقيدة الإسلامية والوحدة الوطنية "وبمنهجنا التنموي الإصلاحي، وبحماية منجزاتنا من أي عبث سواء جاء من الخارج أو الداخل". وهذا هو هدف البيان، وهو تهدئة الشعب من خلال تبرير موقف الحكومة من الحرب ضد العراق من جهة، والطلب من المواطن الهدوء فهناك إشارة الى الإصلاح! وأخرى الى أن أمريكا ستحل القضية الفلسطينية بعد الإنتهاء من العراق! بل وتبرير الحرب وأنها ستنتهي بمجرد تطبيق القرار 1441!

ما يقلق الحكومة من التأكيد الدائم على عدم المشاركة في الحرب، هو خشيتها من حدوث أعمال شغب وعنف وانتقام من المسؤولين، ولذا طالب البيان بأن تتكاتف الجهود "وألا نسمح للدخلاء والمفسدين المساس بقيمنا .. وأمن وطننا واستقراره".

إلى أي حدّ أقنع الأمراء المواطنين ببيانهم هذا، وهل تخرج علينا الحرب بمواقف تفضح المساهمة السعودية، وهل هناك قوى محليّة مستعدة وراغبة في تنفيس غضبها وحنقها ضد السياسة الحكومية، انتقاماً لما يجري في العراق؟ أسئلة تنتظر المستقبل القريب للإجابة عليها.