نقد لنداء المثقفين السعوديين

د. شاكر النابلسي

 

من الجميل والمفيد أن يتفاعل المثقفون العرب والسعوديون على وجه الخصوص بالأحداث الجسام وهم المتهمون دائماً بأنهم يعيشون في مملكة الصمت، وبأنهم نبتٌ ثقافي صامت. ونداء المثقفين السعوديين الموجه للرئيس بوش عبر السفيرالأمريكي في الرياض فيه كثير من العقلانية والموضوعية وفيه أيضاً كثير من الانشائية والرومانسية.

لقد وقع بيان المثقفين السعوديين هذا كوكبة محترمة ورفيعة من أطياف الثقافة والسياسة السعودية ومن ذوي الخلفيات الثقافية والسياسية المختلفة، وكلها من ذوي الأقلام والألسن المعروفة بنظافتها وعفتها واخلاصها وعشقها للحرية والعدالة والديمقراطية، وأنا شخصياً أعرف أكثرهم بحكم إقامتي في السعودية طيلة ثلاثين عاماً ونيف، ولا أشك بنزاهة أي منهم وكرهه للحرب والديكتاتورية والجبروت السياسي وحبه الجارف للحرية والديمقراطية والعدالة، وكل شعارات الإنسانية الشريفة.

إن ما يُحسب لهذا النداء خيراً للوهلة الأولى وللنظرة السريعة أن الموقعين عليه لم ينسوا فن كيفية مخاطبة العقل الغربي البراجماتي. ولذا، فهم لم يلجأوا إلى لغة العواطف ولغة التخاطب الانشائية العربية المعتادة، ولم يعمدوا إلى "سحر البيان" العربي في تخاطبهم مع الإدارة الأمريكية. ولكني عندما قرأت هذا البيان بتمعن وبعيون الناقد، انتابتني دهشة كبيرة واستغراب أكبر كان مبعثها

أن هذا النداء لم يطلب من الادارة الأمريكية مهلة ما لتوجيه نداء الواحد بعد الألف لفرعون الرافدين لكي يتنحى عن الحكم ويتخلى عن (الفرعنة) بدلاً من أن يُقتلع كما اقتلع كل الديكتاتوريين الذين لم تقدر شعوبهم على اقتلاعهم، تحقيقاً لسُنة الحياة (وما من ظالم إلا ويُبلى بأظلم) وهو ما يوفر الحرية والديمقراطية التي ينادي بها ويتمسك بها المثقفون السعوديون. وهو ما عبر عنه نداء المثقفين العراقيين إلى المثقفين العرب الذي صدر في 5/12/2002 والذي يقول: "نناشدكم يا أصحاب الأقلام الحرة والكلمة النزيهة الصادقة، أن تحسوا هموم شعبنا في الداخل وهمومنا في الغربة ونحن نعيش أمل الحرية والعودة إلى وطننا المكلوم ، وأن تسهموا بإيقاف نزيف شعبنا الجريح، وأن تعلنوا موقفكم إلى جانب الحرية والعدالة، وأن ترفعوا صوت الاحتجاج ضد قمع ودكتاتورية السلطة الحاكمة في بغداد".

لو انني كنت بين الموقعين على نداء المثقفين السعوديين لعارضت ارسال هذا النداء إلى الادارة الأمريكية التي تصر على تنحي صدام أو الحرب ولا خيار ثالث. ولاقترحت عليهم توجيه هذا النداء إلى بابا الفاتيكان، وشيخ الأزهر، والبابا شنودة، والشيخ يوسف القرضاوي، والكاردينال صفير، وكل زعماء الاخوان المسلمين، وغيرهم من قادة المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية لكي يذهبوا جميعاً في طائرة واحدة إلى العراق للطلب من صدام حسين التنحي وتجنيب العراق كل هذه الدماء التي ستذهب ثمناً لكرسيه الذهبي البراق، وعدم مغادرة العراق إلا بعد تلبية هذا المطلب.

ولكن يبدو أن السيف سبق العذل.

(عن إيلاف)