تحويل الطاعة الى ولاء

 

مفهومي الطاعة والولاء في بعدهما السياسي الحديث مختلفان. أن تطيع النظام والقوانين التي تصدر عنه، وتلتزم بالضوابط التي تضعها الدولة كضرورة لتسيير حياة الناس أمرٌ.. وأن تشعر بالولاء والإنتماء للنظام السياسي وأنه يمثل إرادة الشعب، ويحرص على قضاياه ومصالحه أمرٌ آخر. في الحالة الأولى أي الطاعة، فإنها محدودة بالمصلحة الخاصة، أي الطاعة من أجل تحقيق المصلحة، الذي لا يتضمن ولاءً واعترافاً بفضل الطاقم السياسي. أما في الحالة الثانية، فإن الولاء يستبطن الطاعة من أجل مصلحة أعم، ويقدّر بأن الطاقم السياسي مخوّل من الجمهور في إقرار ما يجري التعارف على تسميته بـ (المصلحة العامّة) كما تستبطن استعداداً للدفاع عن خيار الجماهير في من يحكمها ويقرر شؤونها أمام أي اعتداء أو فرض خارجي أو داخلي.

ومفهوم الطاعة بالنسبة للمسؤولين في المملكة، ينحصر في قضية حساسة واحدة، وهي السلبية التي تفضي الى (الأمن) وعدم الإعتراض على نظام الحكم وتصرفاته، وعادة ما يجري التعبير عن ذلك وفق عبارات مطاطة مثل: وحدة القيادة والقاعدة، أو: المسؤولون والمواطنون في إطار واحد! الطاعة هنا تأخذ صفة محدودة، وهي لا تطلب من المواطن الدفاع عن عرض أو كرامة أو مصلحة الدولة، بل تقبل بالحدود الدنيا، وهي السكوت. فالمسائل السياسية والواجبات العليا لا يهتم بها عادة، بل لا يراد لأحد أن يتعاطاها، فالمواطن لا يسمح له حتى بالدفاع عن وطنه، ولا بتسييسه بالطريقة التي تجعله وثّاباً مدافعاً عن مصالحه ووفق رؤيته. الولاء شعور عميق، يفترض الطاعة ضمن حدود، ويفترض الإلتحام الوطني وفق شروط مختلفة غير مطروحة حالياً، ويستدعي الإستعداد للتضحية بالنفس والنفيس عن خيارات الشعب.

إن تحويل الطاعة الى ولاء تتطلب تنازلاً من هرم السلطة سياسي بالدرجة الأولى، وهذا يقود الى الإصلاحات السياسية وأهمية تطبيقها بأسرع وقت (وليس تأجيلها واختزالها كما يطالب الأمراء) فبدونها لا تتحقق مواطنة ولا ينبع ولاء للنظام السياسي ولا للوطن.