السعودية بعد خمس سنوات!

 

تعالوا نتصور الوضع في بلادنا بعد خمس سنوات.. لا أكثر ولا أقل .. من الناحية السياسية ومع التسليم بأن الاعمار بيد الله عز وجل، فإن ملك الموت سيجد إقامة شبه دائمة في الديوان الملكي.. فرجال العرش الذي يزحفون لحتفهم كلما إزدادوا قرباً من الكرسي سوف يضعون البلاد في موكب جنائزي دائم.. ما أن يستقر الأمر لأحدهم حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة.. في الوقت الذي يتنقل فيه الأمر بين الوزراء والمستشارين والأبناء والأحفاد الذين ترفع بعضهم موجة وتطمس الآخرين موجة أخرى، ويصبح ملك الموت سيد القرار في هذه البلاد.. بأمره يحصل المستشارون على نصيبهم، وبأمره يرتفع قومُ ويخفض آخرون.

في الجوار.. تعصف المشكلات السياسية في دول مثل العراق والاردن، ويتعين على القيادة السياسية في بلادنا أن تبدو أكثر تماسكاً أمام مستحقات التسوية للقضية الفلسطينية والإختلال الطارئ لميزان القوى بعد وصول ادارة موالية للأمريكيين في العراق.

على الصعيد الاقتصادي فالولايات المتحدة تضاعف انتاج العراق من النفط، والاسعار تصل الى ادنى مستوياتها منذ أزمة الخليج الثانية (احتلال الكويت) وبضغط امريكي فإن الطلب على النفط السعودي ينخفض الى ما دون أربعة ملايين برميل يومياً من أجل تقليل العائدات النفطية لحكومة تتهمها الولايات المتحدة بدعم الارهاب وتشجيع التطرف. نتيجة لذلك ونتيجة أيضاً للمديونية الصعبة الذي يرزح تحتها الاقتصاد الوطني (700 مليار ريال) ، فإن الحكومة تعلن عن تعويم الريال السعودي، أسوة بالعملة الافغانية، والدينار العراقي إبان حكم الرئيس (الراحل) صدام حسين، تتزايد البطالة في المملكة، ومعها ترتفع المشكلات الأمنية ومعدلات الجريمة، وتشهد البلاد عصابات الجريمة المنظمة، وتعود التناقضات القبلية والعشائرية والطائفية للبروز من جديد، في محاولة للحصول على أي نصيب من الكعكة.

على الصعيد الاجتماعي تتزايد معدلات الهجرة المعاكسة، ويخرج السعوديون من بلادهم نحو العالم باحثين لأول مرة عن فرص عمل، وعن مواطن للرزق، في الوقت نفسه، تغلق الكثير من الدول ونتيجة لأزمات الاقتصاد الدولي والخوف من الارهاب الطرق أمامهم، فتتصاعد في الداخل الاصوات التي تدعو للخلاص من الازمات، تيارات إصلاحية تنادي بإجماع وطني تقابلها تيارات تنادي بفكاك ما يمكن من الكتلة المتأزمة، فتصبح دعاوى الانفصال والتفكك واقعاً بعد أن كانت مخاوف.

يتعزز في المقابل إتجاهان لدى السلطات: القمع لضبط حركة الشارع، والتنازلات غير المحسوبة.

غياب المشروع الوطني.. الازمات الاقتصادية.. توقف عجلة التنمية.. حصاد سنوات القهر.. غياب القيادة الفاعلة.. تزايد المشكلات في البيت الحاكم.. طموح الخارج.. كل ذلك ينتج عنه انهيار السدّ الذي يحجز الطوفان عن اقتلاع الدولة.

هل يمكن الاستفاقة من هذا الكابوس.. كابوس إنهيار الدولة.. بمراجعة أسباب هذا الانهيار ومعالجتها؟.

إنه فعلاً كابوس.. لكن لا بدّ من التفكير في الأسوأ.. وفي ظل غياب مؤسسات البحث واستشراف المستقبل في المملكة.. لا بدّ من اطلاق العنان للخيال لكي يسبح وفق المعطيات الراهنة والمتغيرات المتوقعة في عالم المستقبل.. عندئذ سنجد اليوم التالي عابساً وكئيباً.

وحتى لا نكون قدريين.. فإن الغد لا زال في رحم اليوم.. ولازلنا نتمكن من رسمه بصورة أكثر إشراقاًُ وتفاؤلاً.

فيصل الزامل