الأمير عبد الله يقطع الطريق على الاجهزة الأمنية:

يستقبل دعاة الاصلاح ويودع مطالبهم الثلاجة

 

خاص ـ شؤون سعودية:

استقبل الامير عبد الله في مكتبه الخاص في قصره بالرياض في الثاني والعشرين من يناير الماضي مجموعة من المثقفين السعوديين المشاركين في التوقيع على عريضة (قانونية) تضمنت مطالب باصلاحات سياسية في البلاد، وقد جاء اللقاء بين الموقعين والامير قبل أقل من يومين من تسريب مضامينها لوسائل الاعلام الاجنبية.

وتدعو الوثيقة التي وقع عليها اكثر من 100 من القانونيين والمثقفين السعوديين بينهم أساتذة جامعات واعضاء سابقين في الحكومة ومجلس الشوري وعلماء دين وصحفيين الى اجراء اصلاحات سياسية عاجلة في أجهزة الدولة، واشتملت العريضة على مطالب باجراء انتخابات لمجلسي الشورى والمناطق، واجراء تعديلات جوهرية في  نظام الحكم، ووقف التعدي على المال العام، واعادة تقسيم الثروة بطريقة عادلة، ووقف التمييز الطائفي، وأي شكل من أشكال التمييز الأخرى، والسماح بنشاط وتكوين مؤسسات المجتمع المدني واعطاء المرأة حقوقها كاملة، والسماح بحرية الرأي والتعبير، ووقف التعديات على حريات المواطنين من قبل رجال الاجهزة الامنية ووقف اجراءات منع السفر واطلاق المسجونين السياسيين.

كما أكدت العريضة التزام الموقعين بمرجعية السلطة والعائلة الحاكمة ووحدة البلاد ورفض التدخل الاجنبي في تقرير شؤونها.

وقد إعترف الامير عبد الله في بداية حديثه مع المجتمعين بوجود (تفرقة طائفية) واعترف بالحاجة للإصلاح في مجالات متعددة، لكنه حمل على المجتمعين تسريب العريضة لوسائل الاعلام، وافساح المجال لمن اسماهم بالقوى المعادية بالتدخل في البيت الداخلي، وانفض الاجتماع بوعد من الامير بدراسة المطالب دون تحديد لجان عملية او احالتها الى هيئات مختصة للنظر فيما احتوته العريضة.

وقد رفض اعضاء بارزون في التيار الديني السلفي التوقيع على العريضة لأنها تتضمن مطالب اصلاحية لا يوافقون عليها ولإشتمالها على اسماء ليبرالية وشيعية.

وتقول مصادر في العاصمة السعودية الرياض، ان الامير اراد من خطوته السابقة في استقبال دعاة الاصلاح، الايحاء للخارج بأنه متضامن مع مثل هذه المطالب خاصة وقد جاءت في وقت سربت فيه انباء مبادرة جديدة لولي العهد تتضمن نقاطاً اصلاحية، كما أن الامير هدف ايضاً الى الإلتفاف على هذه المطالب بتطييب خواطر الموقعين دون إتخاذ إجراءات حاسمة في هذا السياق.

وتقول المصادر أيضاً ان الامير اراد قطع الطريق على اخيه وزير الداخلية الامير نايف حتى لا يتخذ إجراءات تعسفية بحق الموقعين كما حدث في المذكرات التي رفعت للحكومة منذ العام 1990 (مذكرة النصحية، مثلا) مما يؤدي الى اقحام القضية في لب المطالب الغربية بإصلاح النظام السعودي وفرض ضغوط امريكية على الحكومة وتدويل القضية. ويتواجد الامير نايف في تونس لحضور اجتماعات وزراء الداخلية العرب.

وتقول مصادر مقربة من الموقعين انهم لن يكتفوا بالاجراءات الباردة ازاء مطالبهم، بل إنهم يخططون لبدء حركة واسعة تستقطب جميع دعاة الاصلاح وأولئك المتضررين من الإجراءات التعسفية وغياب العدالة وحقوق الانسان.

وكانت شبكة الجزيرة نت قد نقلت في التاسع عشر من يناير الماضي عن مصادر سعودية قولها إن مجموعة من الإصلاحيين السعوديين يعدون التماسا يدعو إلى تطبيق تدريجي للديمقراطية بحيث ينتهي الأمر بإجراء انتخابات في المملكة. وتتضمن الوثيقة مجموعة من المقترحات وليس قائمة من المطالب.

وأضافت الشبكة أن معدي الخطاب يأملون تجميع ما يصل لمائة توقيع من السعوديين من جميع الفئات وفي كل المناطق. ويتضمن الخطاب طلبا بأن يتحول مجلس الشورى المعين لمجلس منتخب في نهاية المطاف.

 وأضافت : كما تطالب الوثيقة بإصلاح النظام القضائي ومزيد من الحرية للصحافة ومزيد من الحقوق للمرأة. وقال إصلاحي سعودي إن العديد من الأفكار التي يتضمنها الخطاب أثيرت من قبل "ولكن ليس بشكل منظم".

وقال مصدر سعودي مطلع على الوثيقة رفض نشر اسمه "الرسالة الأساسية لهذا الخطاب هي الطاعة الكاملة للحكومة والاحترام والإيمان الكامل بالقيادة فيما يطرح مطالب باسم الأمة". وأضاف المصدر أنه جرى مراجعة الوثيقة أكثر من مرة لضمان "صحتها سياسا ".

وأوضح محللون أن الالتماس موجه لولي العهد الأمير عبد الله ويكرر ما جاء في مسودة اقتراح سرب للصحف السعودية في منتصف يناير الماضي، دعا فيه الأمير لإصلاحات سياسية واسعة النطاق في العالم العربي ومن بينها تعزيز المشاركة الشعبية في الانتخابات.

وقال مصدر سعودي آخر إن رد ولي العهد على الوثيقة يعد اختبارا هاما لمزاج التغيير في المملكة. وأضاف "هل سيستاؤون مرة أخرى ويصفونه بأنه انشقاق أو سيرحبون بالأفكار". وقال حسين الشبكشي المحلل السياسي بجدة إن احتمال رفض الالتماس قائم إلا إنه أضاف أن بعض أعضاء الحكومة قد يستمعون لبعض الآراء المخلصة من المواطنين.

وعلى الجانب الآخر ذكر مصدر سعودي على علاقة وثيقة بالأسرة الحاكمة أن الإصلاح بدأ بالفعل، وأن السعودية تتجه نحو "تعديل النظام السياسي". وقال المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه إن مفهوم الانتخابات سيطبق ولكن على المجالس المحلية أولا. وأضاف المصدر قائلا "لا تسألوا عن جدول زمني ليس هناك من يتعجل الأمور. إنها عملية تطور. نسير على نهج دارون على الساحة السياسية ولكننا ندرك أن ذلك سيتحقق".

ويقول منتقدون من الغرب إن غياب الحريات السياسية في العالم العربي ساعد على ظهور متشددين مثل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، إلا أن الحكومات العربية ومن بينها السعودية ترفض ذلك.

ولا تشير المبادرة المفاجئة التي طرحها الأمير عبد الله ويناقشها اجتماع القمة لجامعة الدول العربية في البحرين في مارس/ آذار المقبل لإصلاحات في السعودية ذاتها بل على المستوى الإقليمي.

وأشار محللون إلى أن مقترحات ولي العهد السعودي تهدف إلى إصلاح العلاقات المتوترة مع واشنطن وتهدئة السخط الداخلي لغياب الحريات السياسية.

ويدور الجدل حول قدرة الأمير عبد الله على تغيير الأوضاع في بلد يعد الإجماع داخل الأسرة الحاكمة أمرا هاما. ويقول بعض المحللين إن هناك خلافات داخل الأسرة الحاكمة بشأن كيفية تنفيذ الإصلاحات.

وقال المعلق السياسي جمال خاشقجي نائب رئيس تحرير صحيفة (عرب نيوز) التي نشرت مسودة اقتراح الأمير عبد الله "يريدون التقدم ولكن السؤال هو كيف.. وما هي التبعات". وأضاف قائلا "الاقتراح هو أسلوبه (الأمير) للخروج بالأمور من عنق الزجاجة لمناقشتها وتهيئة الأجواء بوضع الناس تحت ضغط للتحرك".

نشير الى أن الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الامنية استدعى احد الموقعين على عريضة الاصلاح وطلب منه عدم اذاعة او نشر اي شيء يتعلق بهذه العريضة وعدم الخروج عبر الفضائيات.

من جهة ثانية، أبدى رموز التيار الديني السلفي اعتراضه على الفاظ وصياغة البيان وشكك في بعض بنوده ومارس اسلوب المزايدة في البعض الآخر، اضافة الى تحفظه الشديد حيال وجود الاسماء الليبرالية والشيعية. وكان رموز التيار الديني السلفي أصرّوا على اضافة عبارة تدعو للافراج عن المعتقلين الذين هم في الغالب ينتمون لتنظيم القاعدة مما شكل حرجاً لدعاة الاصلاح الذين طالب بعضهم بتمرير مطلب الانتخابات، ووافق التيار السلفي ولكن باضافة عبارة اهل الحل والعقد كما طالب الشيعة باضافة مطلب وقف التمييز الطائفي فتم ذلك. ولعبت اطراف ليبرالية وقريبة من التيار الديني دوراً رئيسياًً في اقناع المشايخ السلفيين بالانضمام لدعاة الاصلاح. وبعد اخذ ورد وافقوا الا ان الشيخ سلمان العودة رفض التوقيع متذرعاً بأن سقف البيان مرتفع للغاية، فيما رفض الشيخ محسن العواجي التوقيع كون البيان لا يتضمن تنديداً بسرقات الامراء ونهب الثروة.

 وقد اعتذر الشيخ عبد العزيز التويجري نائب رئيس الحرس الوطني عن استلام الخطاب وإيصاله إلى الأمير عبدالله، فطلب المنظّمون بلقاء عاجل بولي العهد قبل ان يتسرب البيان الى الصحافة وتحدث مسائل لا تحمد عقباها. أيضاً، فإن الامير طلال بن عبد العزيز، الذي رفع شعارات إصلاحية في الماضي، رفض هو الآخر إيصال الخطاب لولي العهد.