تطرف في الداخل واعتدال في الخارج

لم تظهر الدبلوماسية السعودية بشكل متناقض في خطابها السياسي بمثل ما هي عليه الآن. هي تريد أن تقول بأنها معتدلة داخلياً وخارجياً. ولكن هذه الحجة انتهت. ولكن الخطاب السياسي الخارجي بقي على حاله متعارضاً مع الخطاب الداخلي الأحادي المتشدد. لا يمكن أن يكون لك وجهان: معتدل ومتشدد في وقت واحد. هذا الدرس لم يتعلمه الأمراء بعد.

فمنذ احداث الحادي عشر من سبتمبر، يحاول الامراء والمسؤولون درء الاتهامات المتنامية ضد سياساتهم وضد المملكة باعتبارها أصبحت مركزاً نشطاً للتطرف الديني، وإحدى البؤر النشطة للارهاب إنتاجاً وتصديراً.  الامير بندر بن سلطان سفير المملكة في واشنطن يحمل راية "النفي" امام حملة الانتقادات التي تواجه المملكة في وسائل الاعلام الاميركية لدرجة أنه بات على استعداد لنفي الحقائق الدامغة، بل والنيل من أسس المذهب الرسمي للدولة، والتشكيك في معتنقي المذهب لغرض تحسين صورة الحكومة والحفاظ على سمعتها.

وكان بندر قد قال في كلمة له في واشنطن في 24/1/2003 الماضي امام جمع من رؤساء البلديات الامريكية: (أنا لم اثق ولن اثق فيمن يقول انه يقا تل في سبيل الله). وبعد محاولة السفارة السعودية ترقيع ما صدر من السفير، كتب المشرف على شبكة الوسطية الدكتور محسن العواجي نقداً للامير بعنوان: "يغنيهم عن ثقتك ثقة الله فيهم أيها الأمير"،  انطوى على تذكير بالعواقب الوخيمة التي تتركها مثل هذه الكلمة "فما قيل بالأمس لن يمر بسهولة على أسماع المسلمين قاطبة والسعوديين خاصة"، "وبدون الاستدراك الفوري والواضح فسيكون ما تلفظت به بالامس مناقضا للأسس التي قامت عليها الدولة السعودية، وسوف تؤلب على الدولة أصدقاءها علاوة على خصومها". وتوقع العواجي  ان يؤدي تصريح الأمير بندر الى "دعم قوي للتيار المكفر للدولة".

في حقيقة الامر أن تصريح الامير بندر يعكس الى حد كبير ازدواجية الخطاب السياسي للدولة فهو في الداخل شديد الاخلاص لايديولوجية شمولية متطرفة، ولكنه في الخارج يناضل بكل مصادر قوته الدبلوماسية والمالية من اجل اقناع العالم بأسره باعتدال وعدالة قضيته وبراءته من دماء ضحايا الحادي عشر من سبتمبر.