عريضة إصلاحية للملك عبد الله تطالب بالإصلاح السياسي

  

في الأول من شهر رمضان مبارك، قدّم أكثر من مائة شخصية وطنية وإصلاحية عريضة الى الملك عبد الله، وهي تعتبر الثالثة خلال ستة أشهر، طالبوا فيها بالإفراج الفوري عن تسعة من دعاة الإصلاح أو محاكمتهم بصورة علنية، وأكّدوا على شرطي العدل والشورى في البيعة أو (الدستور والمجتمع المدني الإسلامي وحقوق الانسان)، وهو يعبّر عن الإتجاه الاصلاحي الديني الذي يقوده الدكتور عبد الله الحامد.

افتتحت العريضة باستعراض قضية المعتقلين التسعة، من خلال تفنيد التهم الموجّهة إليهم. وبحسب العريضة:

أولاً: مشاركة الموقوفين  في الخطابات السلمية منذ حرب الخليج الثانية تناقض اتهامهم بدعم  العنف:

قامت وزارة الداخلية يوم 14/1/1428هـ الموافق 2/2/2007م. باعتقال عدد من الناشطين في نشر ثقافة المجتمع المدني على العموم، ومن تيار شرطي البيعة الشرعية العدل والشورى (الدستور والمجتمع المدني الإسلامي وحقوق الإنسان) السلمية على الخصوص، وهم:

1 ـ المحامي سليمان بن إبراهيم الرشودي، قاض سابق/وأحد الأعضاء الستة لأول لجنة أهلية لحقوق الإنسان الشرعية 1413هـ/وعضو جمعية ثقافة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي /الرياض

2 ـ المحامي الدكتور موسى بن محمد القرني، أستاذ جامعي سابق لأصول الفقه/ وعضو جمعية ثقافة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي /المدينة.

3 ـ المحامي عصام بن حسن البصراوي/مستشار قانوني/من نشطاء حقوق الإنسان/ وعضو جمعية ثقافة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي /جدة.

4 ـ الدكتور عبد الرحمن بن محمد الشميري/أستاذ جامعي سابق للتربية الإسلامية/من نشطاء حقوق الإنسان/ وعضو جمعية ثقافة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي.

5 ـ الدكتور عبد العزيز السليمان الخريجي/ من الناشطين  المحتسبين في الشأن العام / وعضو جمعية ثقافة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي /جدة

6 ـ سيف الدين فيصل الشريف/ناشط في مجال حقوق الإنسان/ وعضو جمعية ثقافة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي /جدة

7 ـ فهد الصخري القرشي/ مشارك في جمعية ثقافة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي / الطائف.

8 ـ الدكتور سعود بن محمد الهاشمي/من الناشطين  المحتسبين في الشأن العام

9 ـ  عبد الرحمن صديق مؤمن خان/ باحث تربوي

إن ما يعرفه الرأي العام أنهم من التيار السلمي الذي يلتزم بالبيعة الشرعية وينادي بشرطيها العدل والشورى (الدستور والمجتمع المدني الإسلامي وحقوق الإنسان)، والبرهان على ذلك أنهم شاركوا مشاركة فعالة في الأنشطة الإصلاحية السلمية التالية:

1 ـ شارك بعضهم في النصيحة الكبرى التي وقّعها مئات المحتسبين من الفقهاء وأساتذة الجامعات والمهتمين بالشأن العام، وعلى رأسهم الشيخ عبد العزيز بن باز، التي قدّمت إلى الملك فهد بن عبد العزيز، مناولة بيد رئيس الديوان الملكي.

2 ـ وشارك بعضهم في النصيحة الأخرى التي قدّمها عدد من أساتذة الجامعات والوزراء السابقين، وعلى رأسهم الدكتور محمد عبده يماني.

3 ـ وشارك بعضهم في إنشاء (لجنة حقوق الإنسان الشرعية)، التي أعلنت في شهر ذي القعدة 1413هـ(1992م).

4 ـ شاركوا في توقيع خطاب (رؤية  لحاضر الوطن ومستقبله) بتاريخ 8 /11/1423هـ الموافق 11/1/2003م، والدعوة إليه.

5 ـ وشاركوا في مذكرة دعوة الدستور والمجتمع المدني السلمية بتاريخ/1/1/1424هـ

6 ـ وشاركوا في توقيع نداء وطني: إلى القيادة والشعب معا الإصلاح الدستوري أولا بتاريخ  22/10/1424هـ الموافق16/12/2003م.

7 ـ و شاركوا في توقيع بيان دعاة الإصلاح الوطني الدستوري في المملكة العربية السعودية الثلاثين بتاريخ 27/10/ 1424هـ

8- شاركوا في توقيع معا على طريق الإصلاح بتاريخ 1/1/ 1425هـ، الموافق 21 فبراير 2004م.

9 ـ وبعضهم كان ضمن دعاة الإصلاح الدستوري والمجتمع المدني الثلاثة عشر  الذين اعتقلوا يوم 25/1/1425هـ الموافق 16/3/2004 م ، وأفرج عن عشرة منهم خلال شهر،  وحكم على ثلاثة بالسجن مابين ست وتسع سنوات، ولم يفرج عنهم إلا بعد مضي أكثر من 18 شهرا، في 1/8/1426

10 ـ شاركوا في صياغة بيان رؤية لتعزيز استقلال القضاء،بتاريخ 3/7/1425هـ  (18/9/2004م)، الذي نشره سجناء الإصلاح الدستوري والمجتمع المدني، ضمن دفوعهم.

11 ـ شاركوا في صياغة بيان ( نحو دستور إسلامي لتطبيق مفهوم الحكم الشوري العادل في الدولة الإسلامية الحديثة (المملكة العربية السعودية نموذجاً) الصادر في  1/1/1426هـ(8/2/2004م)، الذي نشره سجناء الإصلاح الدستوري والمجتمع المدني الثلاثة ضمن دفوعهم

12 ـ وشاركوا ضمن 17محاميا ووكيلا رفعوا مذكرة لمحكمة الاستئناف في 15/5/1426هـ.للطعن في الحكم ذي الرقم ض/3  المسجل 94/14 وتاريخ 15/4م1426هـ على دعاة الدستور الثلاثة بالسجن مابين ست وسبع سنين.

13 ـ وشاركوا في نشر ثقافة العمل السلمي، من خلال طلب الإذن باعتصام محدود لتأييد المقاومة اللبنانية والفلسطينية،الذي أرسله عشرة من دعاة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي، إلى خادم الحرمين: الثلاثاء 29/6/1427هـ الموافق 25/7/2006م.

14 ـ وشاركوا في صياغة وتوقيع خطاب معايير النظام الأمثل للجمعيات الأهلية الموجه إلى رئيس مجلس الشورى الذي وقعه أكثر من 30 من تيار المطالبة بشرطي البيعة الشرعية العدل والشورى (الدستور والمجتمع المدني الإسلامي وحقوق الإنسان)، وسلم نائب  رئيس مجلس الشورى، في  22/4/1427هـ(20/5/2006م).

15 ـ وأكثرهم  ـ كما تبين في ديباجة البيان ـ من الأعضاء الثلاثين في جمعية (ثقافة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي)، في14/3/1427هـ الموافق12/4/2006م، المحاصرة بالقمع والترهيب.

16 ـ شارك أكثرهم في صياغة بيان (معالم في طريق الملكية الدستورية/دولة الدستور الإسلامي/دولة العدل والشورى) بتاريخ  13/3/1428هـ الموافق 1/4/2007م. وشارك من تمكّن من التوقيع قبيل اعتقاله.

ثانيا: الأسباب الخفية لتشويه رموز تيار الدستور والمجتمع المدني الإسلامي السلمي:

فكيف تظن وزارة الداخلية أن الناس يصدّقون دعاواها بأن هؤلاء داعمون للإرهاب؟، وهم من الرموز التي شاركت تحريراً وتوقيعاً ودعوة ونشراً، في هذه الأنشطة العلنية التي تنطلق من مفهوم البيعة على الكتاب والسنة، بصفتها تؤسس دستورياً بين القيادة والشعب، للمطالبة بالإصلاح السياسي، وكيف تتناسى وزارة الداخلية، أن أمثال هؤلاء من رموز تيار الإصلاح السياسي المتنور في الأمة، وأنهم عقال عاصم لكثير من الشباب عن الانفلات؟، ولمصلحة من يتم هذا التشويه؟، غير الهوى والحسابات الضيقة، ومنطق الثأر من الرجال الأحرار، لكن دوافع  اعتقالهم  الحقيقية هي تشويه نشطاء المجتمع المدني على العموم، وتيار شرطي البيعة الشرعية العدل والشورى السلمي على الخصوص، وضرب نشطاء (جمعية الدستور والمجتمع المدني الإسلامي وحقوق الإنسان) على الأخص، وهي عند التفصيل كما يلي:

الأول: إنهم إنما اعتقلوا فجر اليوم الذي كان ينوون فيه ولا سيما المحامون الثلاثة منهم: (الرشودي والقرني والبصراوي) تقديم مذكرة إلى ديوان المظالم، يطالبون فيها بتطبيق نظام الإجراءات الجزائية، على أكثر من خمسين من الموقوفين المتهمين بالعنف، من من وكلهم أو وكلهم أولياؤه وأقرباؤه، ويطلبون فيها التحقيق في معلومات تواترت عن تعذيب منهجي، فسجنهم ضربة إستباقية تحاول بها وزارة الداخلية ضرب كل من ينادي بفتح ملف حقوق الإنسان، وتطبيق الأنظمة العدلية التي أصدرتها الدولة، لأنها لاتريد محاكمة للمتهمين بالعنف، بحضور المحامين، وأمام شهود الله في أرضه المحامين وعدسات التصوير والإعلام الحر، ولديها ـ إذن ـ ما تحرص على إخفائه من تعذيب أو تلفيق، أو إصرار على انتهاكات لحقوق المتهم تفضي إلى الإخلال بشرطي البيعة على الكتاب والسنة: العدل والشورى.

ومعنى ذلك أن وزارة الداخلية تقول للرأي العام: المتهمون بالعنف بلا حقوق، فلا ينبغي لأحد أن يطالب بالضوابط العدلية لأي متهم منهم، لا في القبض ولا في التفتيش ولا في التحقيق، ولا في مواصفات التوقيف والسجن، ولا أن ينبس ببنت شفة، ليشير إلى المعلومات التي تواترت عن تعذيب منهجي في دور التوقيف والسجون.

ومعنى ذلك أن يد وزارة الداخلية طويلة وسلطتها مطلقة ـ والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة ـ وأنها إذن لاتعتبر ما انكشف من حوادث تعذيب أخطاء فردية، تحاول تجنبها، بل خطة منهجية مقررة، وأنها ستستمر في تجاوزالضوابط العدلية، التي أصدرتها الدولة، في القبض والتفتيش معاً، وسيستمر جنودها في اقتحام البيوت من دون أمر قضائي مكتوب، ولا رقيب قضائي عدل ولا حسيب، يطمئن الناس إلى أن موظفيها مخولون بالتفتيش والقبض، وبأنهم يزاولون القبض والتفتيش ويكتبون محضر المضبوطات، ويقتحمون البيوت، ملتزمين النظام، وأن عليهم مراقبة قضائية، تضمن العدل، وعدم التجاوز وتلفيق التهم.

ومعنى ذلك أنها لا تريد أن تطمئن الناس إلى أن من أخلَّ بضوابط العدل والإنصاف، عرضة للمساءلة العلنية، أمام ديوان المظالم أو غيره. لكي لا تزاول جهات القبض أعمال التفتيش والقبض وكتابة محاضر المضبوطات، واقتحام البيوت، والتحقيق والإدّعاء معاً، من دون فصل بين وظيفتيي القبض والتحقيق ومن دون رقابة ومحاسبة وضمانات قضائية.

ومعنى ذلك أنها لا تريد رقابة قضائية، تحمي كل من يطالب بحقوقه، أو وكيل أو محام، يطالب بحقوق موكله، أو بحقوق الناس التي قرّرها النظام، وستكيل له التهم الجنائية جزافاً، كاقتناء السلاح، وحيازة المخدرات أو استعمالها، ودعم الإرهاب، ومحاولة تجاوز الطوق الأمني، والتهم الأخلاقية، عبر الفاسدين المندسّين في ثياب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإدارة المخدرات والشرطة، وتعتقلهم في سجون الجنايات والمخدرات وتوقيف الشرطة المخصص للجنايات والمخدرات!!. إن غياب المساءلة والمراقبة والمحاسبة، القضائية خصوصاً والشعبية عموماً يجعل أي سلطة مطلقة تتصور أنها هي الشريعة والقانون، لا تسأل عن ما تفعل وهم يسألون.

إن الداخلية عندما تجمع بين القبض والتحقيق والادعاء؛ إنما تمارس سلطة مزدوجة، لا تضمن فيها العدالة، وكونها السلطتين: سلطة التفتيش والقبض وضبط الموجودات، وسلطة التحقيق والإدّعاء، بيديها أو بإشرافها ، فضلا عن طواعية أغلب القضاة لها، ولا سيما في المحاكمات السياسية، مدخل من مداخل تلفيق التهم، من أجل تبرير القبض، ومدخل من مداخل إعتماد إعترافات الإكراه، الناتجة عن سلب الإرادة أو الاختيار. وهذا يسهم في انتهاك العدالة، وفي النهاية يضر بمصداقية الوزارة نفسها، أمام الرأي العام، ويخل بنزاهة القضاء ويضر بسمعته وكرامته أمام الرأي العام، ويضعف من كونه الملاذ الذي يعيذ المتهمين والضعفاء والمهمشين، من بطش الأقوياء ونزعات الهوى.

 الثاني: إن من الأمور المقطوع بصحتها، أن الموقوفين التسعة كانوا يتدارسون سبل تفعيل ثقافة الدستور والمجتمع المدني، وأنهم كانوا يقومون بنشاطهم علناً، وكانوا يتصلون مع أخوانهم في الرياض والمنطقة الشرقية، فلم يكن لديهم ما يخفونه.

الثالث: وقد انطبع في أذهان عدد من المهتمين بالإصلاح السياسي، هو أنهم كانوا يتدارسون أفكاراً من آليات المجتمع المدني، كفكرة (الميثاق الوطني الإسلامي) أو وفكرة (حزب الدستور الإسلامي) وفكرة (لجنة الحريات والحقوق الأساسية)، من أجل أن يعرضوا المسودّة على عدد من الإصلاحيين.

ومن الأمور المقطوع بصحتها؛ أنهم جعلوا (مرجعية) هذا النشاط خطابات وبيانات دعوة الدستور والمجتمع المدني، وأهمها خطاب (رؤية لحاضر الوطن ومستقبله) وخطاب (نداء وطني للقيادة والشعب معا: الإصلاح الدستوري أولاً)، وخطابات المطالبة باستقلال القضاء، وحقوق الإنسان والمتهم، وخطاب معايير جمعيات المجتمع المدني الأهلية، وهذا أمر طبيعي لأنهم شاركوا في تلك المبادرات في صياغتها وتوقيعها، وترسيخها في الرأي العام. وهي المطالب الوطنية السلمية، التي وقّعها المحتسبون من الفقهاء وأساتذة الجامعات والمهتمين بالشأن العام، وقال عنها خادم الحرمين الشريفين ـ عند لقائه بالأربعين منهم ـ  مامعناه (رؤيتكم مشروعي، وأعتبركم جنودي).

وهذا السبب أقرب إلى المعقولية، لأن المشتهر بين دعاة المجتمع المدني؛ أن التسعة الموقوفين من ناشطي تيار المطالبة بشرطي البيعة الشرعية العدل والشورى (الدستور والمجتمع المدني الإسلامي وحقوق الإنسان)، الذين يسعون إلى تأصيل الدستور والمجتمع المدني على مبادئ العقيدة الإسلامية، وإنشاء خطاب إسلامي يلتزم بالمبادئ، ولكنه يجدد فقه الوسائل.

 وسواء عبر النشطاء التسعة عن مبادئ السياسة الشرعية، بصيغتها الأصلية: البيعة على الكتاب والسنة: العدل والشورى، وبمصطلحات  مألوفة في كتب السياسة الشرعية ـ عند فقهائنا الأقدمين ـ أو بمصطلحات مألوفة في علم السياسة والقانون الحديث، كالدستور والمجتمع المدني الإسلامي وحقوق الإنسان أو الميثاق وغيرهما، فإن المضمون واحد.

وعندما دخل مصطلح الدستور والمجتمع المدني في اللغة الشعبية الدارجة، نشط فقهاء وزارة الداخلية، في رميه بالعلمانية، فلما ضبط بوصفه: الدستور والمجتمع المدني الإسلامي، نشطوا في رميه بالعصرانية، فلما بين تأسيسه: تيار المطالبة بشرطي البيعة الشرعية العدل والشورى (الدستور والمجتمع المدني الإسلامي وحقوق الإنسان)، لم يبق إلا طعن أصحابه من الخواصر.

الثالث: من الواضح لكل من يربط بين أجزاء الصورة المتناثرة، أن الداخلية تريد أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، وأنها ضاقت بالمحتسبين من دعاة المجتمع المدني ذرعاً، وتريد قمعهم، وقمع موجة 1423هـ، بالأساليب التي قمعت بها حركة دعاة المجتمع المدني المحتسبين أعوام 1411 ـ 1415هـ، من تعذيب وسجون واضطهاد. كما جرت عادتها ـ بإجهاض وتشويه كل نشاط سلمي واعٍ حقوقي يطالب الدولة بما هو من صلب الحكم بما أنزل الله، من عدل ومساواة وتعددية وحرية وشورى وكرامة، وبتطبيقها ما أصدرته من قوانين، أو ما وقعت عليه من مواثيق دولية وإسلامية وعربية.

ويندرج في هذا المسار قمعها أي نوع من التجمعات والمبادرات السلمية الأهلية ومحاولات تشويهها، أمام الرأي العام، كما وقع تجاه إعتصامات  نساء الجوف وبريدة السلمية المطالبة بتطبيق الأنظمة التي أصدرتها الدولة على أزواجهن وأبنائهن من المعتقلين.

الرابع: أن الوزارة ـ أيضاً ـ وقد قامت بحملة إعلامية عبر أجهزة الإعلام الخفية والجلية، كما جرت عادتها على نشر اتهاماتها الموقوفين، بما فيها من إساءة للسمعة والعرض، من دون ضوابط عدلية، وأغلب مؤسسات الإعلام ـ وكلها رسمية أو مدعومة رسمياً ـ تردد ما في بياناتها، على أنها حق مبين، فتسهم في إطلاق التهم، وتشويه الأعراض، وكأنها الدولة والقانون والشريعة معاً. وأهل الإعلام المؤممون والغافلون؛ ينقلون بيانات وزارة الداخلية، وكأن دعاواها هي الحقيقة، وكأنها هي (الدولة)، وينسى الجميع أنها جزء من (الحكومة)، وليست هي الحكومة، وأن(الحكومة) جزء من (الدولة)، وليست هي الدولة.

 وينسى أغلب الناس أنه لا يصح أن يتكلم كلمة الفصل باسم الدولة في قضايا التهم السياسية إلا القضاء، وأنه يجب على القضاء نشر أحكامه، أمام الرأي العام، مسببة معللة، مبنية على خلاصة دفاع المتهمين، مذيلة بتوقيع القضاة. فالعلانية والشفافية من ضمانات استقلاله عن الأهواء والتخرص والضغوط، لأن القاضي ناظر للشعب، وليس  ـ كما يتصور بعض القضاة القساة ـ وكيلاً عن الحاكم، ينفذ أوامره.

وتريد أن ثبتت في أذهان الرأي العام غير المستنير؛ أنهم أصوليون يؤيدون العنف، ويمولونه في العراق وفلسطين، وتريد أن لا يذكرهم الناس إلا مقترنين بوصف العنف والإرهاب، ومن أجل ذلك لن تسمح لهم بتوكيل محامين ولا بالمثول أمام قضاة عدول عدالة شخصية وموضوعية للتحقيق، فإن من السذاجة أن نتوقع أنها ستسمح لهم بمحاكمة علنية، فقد قمعت المحامي الدكتور باسم عالم، وآذته كثيرا ومنعته من السفر، لأنه  طالب لهم بمحاكمة علنية، لأنها لا تريد أن يتكرر نموذج محاكمة دعاة الدستور والمجتمع المدني الثلاثة، سنة 1426(2006م) الذي تسبب في تعرية القضاء أمام الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي.

 الخامس: جريمتهم أنهم يسهمون في خلخلة شرعنة الإستبداد والظلم وأسلمتهما: لأن الوزارة  ـ وقد درج خطابها على احتكار مفهوم الإسلام، لقمع العدل والشورى، وللانفراد بالأمة؛  ـ هالها أن ينتشر خطاب إسلامي جديد يجسد مفهوم البيعة على الكتاب والسنة، بآليات ووسائل حديثة، وأن يتبلور تيار الدستور والمجتمع المدني، بصورة لا يمكن فيها قذفه بالعلمانية، ولا يمكن وصف إسلامييه بالعنف والتطرف والتخلف، لاسيما أن انتشاره، عندما يوصف بالإسلامي، برهان على أن دعاة الإصلاح الوطني بلوروا خطاباً للإصلاح السياسي، يراعي الخصوصية الإسلامية، وينبثق من الشريعة الإسلامية.

 والفقهاء وعلماء الشريعة، عندما يرجعون إلى أصول دينهم، وينبذون البدع السياسية، سيكتشفون أن تطبيق شروط البيعة على الكتاب والسنة؛ بوسائل يستدعيها واقع الدولة الإسلامية الحديثة، يبرز مافي العقيدة السياسية في الإسلام؛ من مفاهيم العمل السلمي والمواطنة والعدل والتعددية والحرية والشورى وحقوق الإنسان وحقوق المتهم واستقلال القضاء، وكون الحاكم وكيلا للأمة وعرضة للمحاسبة والمراقبة الشعبية، بدلاً من كونه وكيلاً عليها، لا يحاسبه إلا الله. وأن مبدأ سلطة الأمة في تحري مصالحها، لا يتشخص إلا من خلال التجمعات المدنية الأهلية. ومن خلال عرفائها (مجلس النواب) في تشريع الآليات والقوانين، التي تجسّد مبادئ الشريعة ومقاصدها، وكون الأمة أدرى بمصلحتها، بدلا من أن يكون ولي الأمر أدرى بالمصلحة. وكون القاضي ناظرا للأمة، بدلا من اعتباره وكيلاً لولي الأمر.

 وقد أسهم النشطاء التسعة في صياغة ونشر خطاب تنوير إسلامي عقيدي أصولي، يجدد فقه السياسة الشرعية، ويخلخل خطاب الفقه السياسي المتخلف.

ووزارة الداخلية حريصة على أن تحتكر تمثيل الإسلام من خلال فتاوى مشائخ لا يتمتعون ببصائر سياسية، وتظن أنه يمكن أن تقول اليوم عن دعاة تيار الدستور والمجتمع المدني الإسلامي: إنهم إرهابيون أو داعمون للإرهاب أو مسجونون على ذمة قضايا غير سياسية، وأنه يمكن أن تشوههم ـ كما شوّهت أعضاء لجنة حقوق الإنسان الشرعية، سنة 1414هـ ـ في الداخل بأنهم علمانيون، وفي الخارج بأنهم أصولويون يخادعون الناس بخطاب حداثي للعودة بالناس إلى القرون الوسطى!!!.

السادس: وهدفها شل النشطاء من تيار المطالبة بشرطي البيعة الشرعية العدل والشورى (الدستور والمجتمع المدني الإسلامي وحقوق الإنسان)، السلمي، عن تفعيل فكر المجتمع المدني عموما، وقد ظهر ـ مؤقتاً ـ في شل توقيعات بيان (معالم في طريق الملكية الدستورية/دولة الدستور الإسلامي/دولة العدل والشورى) الصادر بتاريخ  13/3/1428هـ الموافق 1/4/2007م.

وما يعرفه الناس من سير هؤلاء التسعة، من خلال مقولاتهم وتصرفاتهم؛ أنهم متنورون سياسياً ودينياً، ملتزمون بمنهج الإصلاح الجزئي السلمي ـ الذي يرى الدخول في الدولة بدلاً من الخروج عليها. وأنهم لا يرون العنف وحمل السلاح أسلوباً مناسباً. ولكنهم يطالبون القيادة بالإلتزام بشرطي البيعة: العدل والشورى.

السادس: كيف تحول ضرب المحتسبين إلى مكاسب: غير المستبصرين في وزارة الداخلية؛ يظنون أن عقارب الساعة؛ ترجع إلى الوراء، وأن النهر يمكن أن يرجع القهقرى، لكن الرأي العام المستنير بدأ يتكاثر، واليوم غير الأمس، فعام 1428هـ غير عام 1414هـ،محلياً وإقليمياً وعالمياً.

 فكل خطوة اليوم لضرب قوى المجتمع المدني، تنتج مكاسب حقيقية استراتيجية، أضعاف الخسائر العاجلة والمتوهمة، متى كان العمل السلمي منبثقا من وعي  بشروط الإصلاح الخمسة: الهدف هو: المطالبة بشروط البيعة (أو الدستور الإسلامي وحقوق الناس)، والأسلوب هو: العمل السلمي الجماعي العلني، والاستعداد للسجون، ومحامون يدافعون وإعلاميون ينقلون الصورة. وقد ظهر نموذجه في قيام نساء القصيم بالاعتصام، لمطلب حقوقي بأسلوب سلمي حضاري حقوقي، عندما طالبن بالتحقيق في معلومات تواترت، عن تعذيب أكثر من 106، من معتقلين نقلوا من سجن بريدة إلى سجون الرياض، نجحن رغم إطلاق التهم جزافا  عليهن وسجنهن.

وثقافة الاعتصام، نموذج يشق طريقا غير معبد يخرج قضية المجتمع المدني من الانحصار في المجتمع النخبي، إلى المجتمع الشعبي. وبها يبدأ النهر السلمي والحقوقي يحفر مجراه، ليعبر المجتمع بشرائحه وفئاته المستضعفة والمظلومة عن مطالبه وهمومه وشكاواه، عبر آليات سلمية هادئة.

 وعرف الناس المستنيرون أنهم يكسبون بالاعتصام في الميادين والأسواق، مئات أضعاف ما يكسبونه عبر الخطابات والأوراق، لاسيما خطابات التذلل والاستجداء السرية والفردية والشخصية. ولعل المستبصرين في وزارة الداخلية؛ عرفوا أن أي ضربة لفعاليات المحتسبين في المجتمع المدني، لن تدفعها إلى الإحباط، أو القفز فوق الأسوار، كما توهم غير المستبصرين فيها، بل إلى مزيد من الجهاد السلمي والفعالية والانتشار، وكل ضربة جديدة صارت تقويه، ولا نريد أن نقول: بدأ السحر ينقلب  على الساحر.

ثالثا: نطالب بإطلاق سراحهم للاعتبارات التالية:

فلنفترض في توقيف وزارة الداخلية إياهم حسن النية، وأنها وقعت في اشتباه، عندما اعتقلت التسعة من نشطاء تيار المطالبة بشرطي البيعة الشرعية العدل والشورى (الدستور والمجتمع المدني الإسلامي وحقوق الإنسان)، السلمي، ولنفترض غض الطرف عن حرمانهم من حقوقهم، في القبض والتفتيش وضبط الموجودات، وفي الإتصال بذويهم وزيارتهم، وفي توفير سجن تعويق لاتضييق فيه ولا تعذيب، وفي حرمانهم من حقوقهم في توكيل محامين، وفي المثول بين يدي قضاة عدول، عدالة شخصية وموضوعية، وأنها تطبق النظام الذي يتيح لها التوقيف، ما لا يزيد عن ستة أشهر فهاهم ـ الآن/تاريخ بدء توقيع البيان الاثنين-14/08/1428(27/8/2007) ـ زاد إيقافهم  شهرا على الحد الأقصى (ستة أشهر) للإيقاف دون محاكمة.

من أجل ذلك نناشدكم  ـ ياخادم الحرمين ـ المبادرة بإطلاق سراحهم، للأسباب التالية:

الأول: أن مشاركتهم الجادة المعلنة في الأنشطة السبعة عشر، ولا سيما توقيعاتهم على خطابات المجتمع المدني بدءاً من (رؤية لحاضر الوطن ومستقبله) وخطاب (نداء وطني للقيادة والشعب معا: الإصلاح الدستوري أولاً)، وفي المطالبة باستقلال القضاء، وفي الدفاع عن حقوق الإنسان والمتهم ومواصلتهم هذا المشوار، برهان واضح للعام والخاص؛ على أنهم لا يخرجون عن الثوابت الأربع التي كرّسها تيار (الدستور والمجتمع المدني وحقوق الإنسان)، السلمي: وهي الإسلام والوحدة الوطنية والأسرة السعودية (في إطار إلتزامها بشروط البيعة) والمجتمع المدني السلمي.

الثاني: من الناحية الفكرية في فقه السياسة الشرعية: إن إنشاء جمعية أو ميثاق وطني أو حتى حزب يلتزم  بالبيعة على الكتاب والسنة: ويطالب بتعزيز شرطيها: العدل والشورى؛ حق من حقوق الناس المشروعة، بل واجب على القادرين، لأنه داخل في إطار التعاون على الأمر بالمعروف السياسي. إن اجتماعهم من أجله إنما هو دليل على مشروعية نشاطهم، ونصحهم الأمة والقيادة.

 فمن المعروف عند فقهاء السياسة الشرعية: أن البيعة على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، عقد لازمه شرطان: العدل والشورى بأن لا يصدر الحاكم في قراراته المهمة إلا عن شورى أهل الرأي والعقل والفضل والنبل، الذين تثق بهم الأمة فتفوّضهم وتقدّمهم ليكونوا هم أهل العقد والحل من عرفاء وأعيان وفقهاء.

والشرطان هما التعبير الموجز المركز لقيام الدولة بالحفاظ على مقومات الأمة، وهذان الشرطان أساس مشروعية أي دولة كما قال الفقهاء رحمنا الله وإياهم عن عمر بن عبد العزيز: إنه لم يصبح حاكماً شرعياً إلا عندما شاور وعدل. ووجوب إلتزام الدولة بشرطي البيعة الشرعية، من مسائل الإجماع بين الفقهاء ـ طوال العصور، منذ العصر الأموي، وقد قرر ذلك الأئمة الأربعة ومن تلاهم كابن تيمية وإبن عطية والنووي والماوردي والقاضي الفراء.

الثالث: الناحية العملية: وإذا كانت الداخلية لا تهتم بالناحية الشرعية والحقوقية الفكرية؛ فإنها من الناحية العملية باعتقالهم وقعت في خطأ سياسي، له ما بعده. فمثل هذه التصرفات توحي  للناس بعقم وسائل الإصلاح الجزئية السلمية المتدرجة وتزيد الإحتقان وتشيع الإحباط وتسهم في تراكم الفساد، وتحفز على الإنفلات وتغذي تيار الإصلاح الشامل وتيار العنف معاً. ومن الناحية الواقعية العملية ـ أيضاً ـ لا يمكن القضاء على مكونات العنف وبواعثه؛ إلا بتنشيط تيار المجتمع المدني السلمي، وتشجيع مبادراته التي  تلتزم بالإصلاح الجزئي السلمي المتدرج، وتبرز المطالب الوطنية، بخطاب سلمي واع سياسيا متنور دينيا هادئ، يعمل على الدخول في الدولة، بدلاً من الخروج عليها، ويطلب بإصلاحات دستورية متدرجة، لأن قيام الدولة بإنشاء آليات متدرجة لتجسيد مبدأي العدل والشورى؛ هو الأسلوب الأمثل لصلاح العباد والبلاد، والأسلوب الإستراتيجي الوحيد للقضاء على عوامل نشوء العنف والعنف المضاد.

الرابع: ولنفترض أنهم يفكرون في إنشاء (حزب الدستور الإسلامي)، أو (الميثاق الوطني الإسلامي) والداخلية ـ تلقائياً ـ لن تسمح بإنشاء تجمعات للمجتمع المدني، ومن أجل ذلك حاصرت أعضاء (جمعية ثقافة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي)؛ فإنه يمكنها رفض ذلك الحزب من دون اعتقال، لا سيما وأن اعتقال الناس على ما ينوون فعله؛ تصرف يفتقد المشروعية، في أي قانون بشري عادل، فكيف يجوز في القانون الإسلامي؟.

الخامس: ياخادم الحرمين إن السبب الحقيقي لاعتقالهم هو أنهم من نشطاء (جمعية ثقافة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي وحقوق الإنسان)، التي بادر مساعد وزارة الداخلية للشئون الأمنية، عندما علم بتوقيعهم، وإزماعهم كتابة خطاب إلى خادم الحرمين الشريفين، فأبلغ أعضاءها عن طريق الأستاذ عصام الصراوي وآخرين، أنكم تأمرونهم بعدم إرسال الخطاب، ولم يصدّق أعضاؤها أن صاحب مبادرة (المشاركة الشعبية) يرفض حتى أن يرسل إليه الخطاب، وأصر  بعض الأعضاء ـ كالدكتور موسى القرني والشيخ سليمان الرشودي والأستاذ عصام البصراوي ـ  على إرسال الخطاب، وواصلوا نشاطهم الثقافي. وكان طلب عشرة منهم الإذن لهم بمسيرة، هو القشة التي قصمت ظهر البعير، فاستدعاهم وزير  الداخلية نفسه وتوعدهم بالسجون.

وقد نفّذ وزير الداخلية وعده، متحاشيا مخالفة شعار خادم الحرمين الشريفين،:سأضرب بسيف العدل هامة الظلم؛ وشعار المشاركة الشعبية، الذين مقتضاهما أنه لن يسجن أحدا من دعاة المجتمع المدني وحقوق الإنسان، ولا سيما الذين عرف خطابهم بأنه سلمي إسلامي هادئ متدرج. ومن أجل ذلك فبرك غير المستبصرين في  الوزارة إشاعة دعم العنف، لقمع نشطاء (جمعية الدستور والمجتمع المدني الإسلامي وحقوق الإنسان)، لكي لا يفكر آخرون من دعاة المجتمع المدني، في إنشاء جمعيات ثقافية.

السادس: هؤلاء التسعة الخصوص، من أبرز نشطاء المجتمع المدني وحقوق الإنسان. وأي دولة تنتهك حقوق دعاة حقوق الإنسان، فإن انتهاكاتها لحقوق غيرهم أفظع وأكثر،

وأنتم مسئولون ـ ياخادم الحرمين ـ أمام شعبكم وأمام ضميركم أولاً، وأمام الله يوم القيامة أخيراً عن إيقاف هذه الانتهاكات، التي تواصل طعن دعاة السلم الأهلي وحقوق الإنسان في الخاصرة.

وإطلاق سراحهم رسالة منكم واضحة؛ تبيّن للناس كافة أنكم لاتسمحون بكيل التهم جزافاً، ولا سيما كيلها، للذين يبرهن تاريخهم ونشاطهم على خلافها.

رابعاً: وإن لا فنطالب بتوفير  ضمانات القضاء النزيه وأهمها  علانية المحاكمة:

هذه هي الحقيقة التي يعرفها المتابعون لمسيرة الإصلاح من خلال مواقفهم وأقوالهم، فإذا كان لدى الداخلية قرائن على ما تدّعيه بأنهم يدعمون ويمولون أهل العنف الذين يحملون السلاح للمطالبة بشروط البيعة: العدل والشورى والدستور الإسلامي، فلماذا تتأخر عن تقديمهم إلى محاكمة علنية؟. تلتزم فيها ـ كما يلتزم القضاء ـ بالإجراءات العدلية التي تضمن الإنصاف، التي أقرّها الإسلام، من قبل أن تصبح شرعة عالمية، وقعت عليها المملكة، مع كافة دول العالم. ومن أهمها:

الأول: أن يكون سجن كل متهم بأي تهمة مهما كانت شرعياً فالسجن في الإسلام إنما هو للتعويق عن السعي في الأرض وليس للتضييق والتعذيب، وإنتاج العاهات النفسية والعقلية والجسدية، وأن تسمح وزارة الداخلية، لجهات مراقبة حقوق الإنسان، سواء أكانت هذه الجهات رسمية كهيئة حقوق الإنسان، أوشبه رسمية كلجنة حقوق الإنسان أو هيئات شعبية تطوعية محتسبة.بالتأكد من انطباق المواصفات الشرعية، على سجن المساجين والموقوفين على العموم.

والدليل على ذلك ما عايشه بعضنا أو شاهده أو تأكد منه في (مركز شرطة بريدة الجنوبي)، و(مركز شرطة بريدة الشمالي)، وسجن (المخدرات)، و(سجن وزارة الدفاع)، من إخلال كبير فظيع بالمواصفات الشرعية لدور التوقيف والسجون، مما يبرهن على أنها صارت محاضن لإنتاج العاهات الجسدية والنفسية والأخلاقية والإنتحار والجنون.

الثاني: أن يكون التحقيق بين يدي قضاة عدول تتوافر فيهم ضمانات القضاء النزيه المستقل شخصية وموضوعية، وأن تستقل هيئة التحقيق والادّعاء العام من إشراف وزير الداخلية، بتسمية رئيسها (النائب العام) وربطه برئيس مجلس الوزراء مباشرة، كما هو معروف في جميع دول العالم اليوم، لضمان قوّتها وحيادها، واستقلالها عن التأثر بسلطات القبض والتوقيف والإعتقال ولضمان قيامها بدورها الرقابي على وزارة الداخلية، وعلى السجون على الخصوص، ولإثبات مصداقيتها وصحة كونها سلطة قضائية.

الثالث: أن يتاح لكل متهم أن يوكل محامياً يختاره بنفسه، فالشجن أيا كان ـ فضلاً عن الإنفرادي ـ يسلب الإرادة والاختيار، وكل محاكمة لأي موقوف، من دون محام، فهي باطلة قطعاً، كما دلت الأدلة الشرعية، وكما نصّت الضمانات الدولية التي وقّعتها الدولة. ووزارة الداخلية، عندما لاتتيح لكل متهم محامياً أو وكيلاً، لا تريد تحقيقاً عادلاً.

الرابع: أن يتاح لكل متهم محاكمة علنية يحضرها الجمهور: شهود الله في أرضه، فكل محاكمة سياسية سرية باطلة في قانون الشريعة والطبيعة معاً، لأن القاضي الذي يلوذ عن العلانية في الغرف المغلقة  ـ في المحاكمات التي أحد طرفيها الحكومة ـ فيحجب شهود الله في أرضه عن حضورها، لايريد أن يحاكمه الرأي العام إذا قسا، أو ركب الهوى، فهو يخشى من حكم الرأي العام عليه، فسرّيتها أقوى دليل على فسادها بل بطلانها، وأقوى دليل على تغييب الشعب، الذي هو المكلّف بحفظ الشريعة والعدل، كما أشار إبن تيمية، ومخالفة متعمّدة صريحة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين في علانية القضاء، في مجامع الناس، ولذلك أحرق الخليفة عمر بن الخطاب دار ابي موسى الأشعري، لما قضى فيها تاركاً الأماكن العامة التي يغشاها الجمهور.

الخامس: أن يلتزم القضاة بمسطرة محددة لعبارة تطبيق شرع الله في التعامل مع المتهمين أيا كانت تهمهم، ونناشد القضاة ـ وفّقنا الله وإياهم ـ أن لا يركنوا إلى الهوى ومطاوعة ضغوط الوزارة، فللتعامل مع المتهمين أيا كانت تهمهم قواعد مقررة عند عموم الفقهاء وضوابط لا مجال فيها للإذعان للضغوط ولا لتخبط الإجتهاد من دون مسطرة.

السادس: ينبغي لوزارة الداخلية وموظفيها ـ هدانا الله وإياهم ـ أن يلتزموا بالإجراءات والآليات التي نصت عليها اللوائح والأنظمة العدلية، فتلك هي البرهان على التزام الدولة تحكيم شرع الله، فالدولة لم تصدر هذه النظم إلا ليكون موظفوها أول من يحترمها. وينبغي لوزارة الداخلية أن تعقد دورات تدريبية لموظفيها على شروط القبض والتفتيش وضبط المضبوطات، التي أولّها أن يكون هناك أمر قضائي بالتفتيش وأن يكون ثمة مراقبة ومشاركة قضائية وشهود قضائي وشهود عدول على المضبوطات، لكي تسد منافذ الهوى والتجاوزات والتخرصات، لكي لا تتحول أجهزة المباحث والشرطة إلى إشاعة الرعب والخوف بين الناس بدلاً من الأمن.

الثامن: ينبغي أن تفتح الدولة ملف حقوق الإنسان، للتحقيق في الإنتهاكات التي بين سبعة منا أهم أنواعها في خطابهم: (نطالب بفتح ملف حقوق الإنسان وبمقاضاة وزارة الداخلية) المرسل إلى خادم الحرمين (بتاريخ:الأربعاء:1/04/1428(18/4/2007)/. وتسمح للناس أفراداً وجماعات بالتظلّم من الأجهزة البوليسية والقضائية، وينبغي إلغاء قانون أعمال السيادة، الذي شلّ ديوان المظالم عن كشف التجاوزات ولا سيما البوليسية والقضائية.

التاسع: ينبغي للدولة المبادرة بإنشاء محكمة عدل عليا شرعية دستورية تسمح للناس أفراداً وجماعات بالتظلم من أجهزة الدولة ليتمكن المتضررون من تقديم مالهم من تظلم ضد المتهمين بانتهاك  حقوق الإنسان، أيا كانوا سواء أكانوا في أجهزة الشرطة والمباحث أم الإعلام، أم القضاء، ممن يمارسون التعذيب أو يتسترون عليه، أوينشرون التهم جزافاً لتشويه السمعة، أو يقيمون محاكمات سرية، أو لا يضمنون للمتهم اعترافاً شرعياً، أو يجرون محاكمات من دون حضور وكيل، أو يصدرون أحكاماً قاسية لا تتناسب مع الجرائم، ولا سيما عقوبات التعزير، أو أحكاماً على مجرد التهمة، أو يخلون بمعايير نزاهة القضاء عموماً.

خامسا:السجن من ميادين  جهاد تيار الدستور والمجتمع المدني وحقوق الإنسان السلمي:

    تريثنا إصدار هذا البيان حتى توضع مصداقية وزارة الداخلية على المحك أمام الرأي العام، لتثبت صدق دعاواها، بتطبيق القواعد العدلية، التي أصدرتها الدولة، للإعتقال والقبض والتحقيق والمحاكمة. ولكنها ـ كالعادة ـ ضربت بالأنظمة التي أصدرتها الدولة عرض الحائط. وكان التريث مفيداً لكي لا يتّهم البيان بتعقيد الموقف وتصعيده وإغلاق المجال أمام مساعي الوسطاء من فقهاء وأعيان وأساتذة جامعات ومهتمين بالشأن العام، في إطلاق سراحهم، ولكنها لم تستجب لأي شفيع. ورغم رجائنا إطلاق سراحهم منذ أول يوم ، فقد  كنا مقتنعين بأنهم ثابتون صابرون يتطلعون إلى المشاركة في الجهاد السلمي، منذ سنين، وأنهم يحسون أن السجن أفضل طريق لنشر(دعوة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي)، وقد أسهمت محنتهم، في دعم هذا التيار بما يلي:

الأول: عرف الناس مزيداً من هذه الأسماء والرموز المجاهدة جهادا سلميا يطالب بشرطي البيعة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم: العدل والشورى (الدستور والمجتمع المدني الإسلامي وحقوق الإنسان)  وهذه المحنة تقدّم لللأمة مزيداً من رموز هذا التيار، كما قال تبارك وتعالى: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لماصبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)، ولا سيما أنهم في ذاكرة الناس إنما سجنوا لأنهم يتدارسون فكرة إنشاء (حزب الدستور الإسلامي).

الثاني: أغلبهم تجاوز الستين سنة، ويعاني من الشيخوخة وضعفها وأمراضها العديدة، وإيقافهم ضرب مزيداً من القدوة الحسنة للشباب والكهول من دعاة الدستور والمجتمع المدني، بأنه لا رسوخ للتيار الإصلاح الدستوري السلمي من دون الإخلاص لوجه الله والصدق في الإيثار والتضحية، والبصيرة السياسية، والتهيؤ لدخول السجون، بل والرغبة في نيل الشهادة، وصدق الله العظيم: (ألم. أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم، فليعلمن الله الذين صدقوا، وليعلمن الكاذبين، من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت، إنه هو السميع العليم، ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه، إن الله لغني عن العالمين)، لاسيما وقد سرى في الناس من أخبار صبرهم ما يثلج الصدور.

الثالث: وكشف إيقافهم للرأي العام مزيداً من الأدلة على أن وزارة الداخلية لا زالت تستخف بعقول الناس، ولا سيما منذ سنة 1411هـ(1992م)وتمعن في تشويه سمعة أي تيار يطالب بشرطي البيعة: العدل والشورى (الدستور  والمجتمع المدني وحقوق الإنسان)، بتهم جنائية ملفقة، كحيازة السلاح، وتهم أخلاقية، وتهم المخدرات، أو تسجنهم في أماكن مخصصة للمخدرات (توقيف فهد العريني السبيعي)، وتهم دعم الإرهاب العالمي مالياً (التي طالت هؤلاء الدعاة)، وتهم البدعة والضلالة.

الرابع: شاهد الرأي العام مزيداً من الأدلة، على أن وزارة الداخلية، لا تفرق بين كافة الأطياف من نشطاء الدستور والمجتمع المدني وحقوق الإنسان فكلهم ـ في ميزانها ـ الوجه الآخر للإرهاب والعنف، سواء كانوا لبراليين أم إسلاميين. وفائدة ذلك أن يوطنوا أنفسهم؛ على مواجهة التهم الملقاة جزافاً والملفقة كالجنايات والمخدرات وحيازة السلاح والأفخاخ الأخلاقية بثبات وهدوء أعصاب، ليتعاونوا ويتنبهوا لسياستها: فرق تسد، وليثبتوا أمام أنواع الأذى النفسي والجسدي والمالي والأسري. ولكي لا يتنازلوا عن الاحتساب السياسي والإداري، استجابة لأمر الله (وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، واصبر على ما أصابك، إن ذلك من عزم الأمور).

الخامس: إيغال الأجهزة البوليسية في الإعتقال، وإطلاق التهم جزافاً؛ ينبه المسئولين في المباحث والشرطة، والقضاة من ـ الواقفين ـ في هيئة الادعاء العام، أو الجالسين ـ في المحاكم ـ إلى مراقبة الله وتحري الإنصاف، لحماية حقوق الأفراد الموقوفين والسجناء، والتزام الأسلوب الشرعي للقبض والتفتيش والمضبوطات، ولمواصفات السجون، وحقوق السجين، وللتحقيق وللإقرار. وإلى التثبت التام من صحة الاعترافات بأن لا يحققوا  ـ فضلاً ـ عن أن يحكموا على أي شخص لم تتح له الحكومة كافة الحقوق التي نص عليها نظام الإجراءات الجزائية، ووقعت عليها الدولة،ضمن الأمم المتحدة، أو الدول الإسلامية والعربية، كحقوق الإنسان وحقوق المتهم وحقوق الموقوف والسجين، ومعالم إستقلال القضاء السبعة، ووثيقة مناهضة التعذيب.

 ونذكّر المخلّين بشروط العدالة، يوما أخروياً يقول الإنسان فيه: (هلك عني سلطانيه)، ويوما دنيويا ـ قد  يرونه بعيدا ونراه قريباً ـ يفتح فيه ملف حقوق الإنسان في هذا البلد، ويقدّم المتهمون بالإخلال بالعدالة إلى محاكمات علنية، أياً كانت مواقعهم سواء أكانوا في سلك أجهزة البوليس والشرطة أم القضاء أم غيرهما.

السادس: ويذكّر الموقعون هذا الخطاب العلماء والفقهاء والأعيان وأهل الثقافة والإعلام، وعموم الرأي العام بأن تشويه دعاة القسط والشورى، سنة من سنن الله المطّردة، لم يستثن الله منها الأنبياء، فكيف يستثني غيرهم، لكي لا تنطلى عليه التهم التي تحاول شل مصداقية المحتسبين الشعبية. ونناشد أهل الخير دعمهم معنوياً ومالياً ـ لأنه من الجهاد بالمال وهو أهم مصارف الزكاة، ولا سيما المفصولين والمحرومين من رزقهم في بيت مال المسلمين ورزق أولادهم وأهليهم، لكي لا يتقاعس المطالبون بالقسط، فتتمادى أجهزة القمع، في الوصاية على الأمة وإذلالها ونهب أموالها، وإشاعة الفساد فيها، فالإستبداد السياسي؛ منبع كل فساد في الأخلاق والتربية والتعليم والاقتصاد. 

وفي الختام يشد الموقعون على يدكم  يا خادم الحرمين ، وفق الله مسعاكم إلى تعزيز شرطي البيعة على الكتاب والسنة، بإقامة معالم الدولة الدستورية، وأعانكم على ضرب هام الظلم بسيف العدل، ويذكّرون أن خفوت صوت العنف في عهدكم، دلالة أكيدة على ارتباط الأمن بالعدل وارتباط العنف بالظلم، طرداً وعكساً. وهي ملاحظة أشار إليها عمر بن عبد العزيز رحمنا الله وإياكم وإياه في إحدى رسائله لعماله، ألهمكم الله السير على منواله، ويدعون كافة أركان القيادة، والمجتمع الرسمي والأهلي، إلى عون خادم الحرمين وعون ولي عهده، في تسريع خطوات الإصلاح السياسي. وصدق الله العظيم ((يا داوود! إنا جعلناك خليفة في الأرض، فاحكم بين الناس بالحق، ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله)).